رغم العقوبات الأمريكية.. كيف استطاعت إيران تعزيز صادرتها النفطية؟
(دويتشه فيله)
سعت إيران إلى تعزيز صادرتها النفطية خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي يوفر لطهران عوائد مالية في ظل إقتصاد يئن تحت وطأة ظروف قاسية. ويأتي ذلك رغم العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني، وهو الأمر الذي أثار تكهنات عدة.
ذكرت بيانات شركات مراقبة ناقلات النفط أن صادرات النفط الخام الإيراني خلال الأشهر الأخيرة قد ارتفعت في ضوء تزايد شحنات النفط إلى دول مثل الصين.
وفقا لبيانات شركات مثل شركة "تانكر تراكرز" و " كبلر" الخاصة بتتبع مسار الناقلات النفطية، فإن صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات خلال الأشهر الثلاثة الماضية ارتفعت بمتوسط حوالي مليون برميل يوميا.
وتعد هذه الأرقام أقل من المعدلات اليومية لصاردات الإيرانية من النفط والتي بلغت 2.5 مليون برميل يوميا مطلع 2018 أي قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وهو الأمر الذي نجم عنه فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية الجانب على إيران.
يشار إلى أنه خلال عام 2020، انخفضت الصادرات الإيرانية من النفط إلى أقل من 500 ألف برميل يوميا.
لكن الزيادة الأخيرة في صادرات إيران من النفط تأتي رغم العقوبات الأمريكية الصارمة على طهران خاصة على قطاعها النفطي وهو الأمر الذي أثار تكهنات بين محللي سوق الطاقة من أن واشنطن لا تفرض العقوبات بشكل صارم من أجل إبقاء أسعار الخام العالمية تحت السيطرة.
وفي ذلك، قال توماس أودونيل، محلل الطاقة في برلين، "ربما يتجاهل الأمريكيون حدوث شيء خطأ لأنهم سعداء بوجود عدد أكبر من تدفقات النفط في السوق مما يساعد في تعويض النفط الروسي".
لكن في المقابل، نفى مسؤولون أمريكيون مزاعم التهاون في فرض العقوبات على إيران.
وفي سياق متصل، نقلت بلومبرغ عن المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي قوله الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة "ليست على ما يرام" حيال زيادة صادرات إيران من النفط، مؤكدا أن الإدارة الأمريكية ستفعل "كل ما في وسعها" لتطبيق العقوبات.
وأضاف المسؤول الأمريكي أن "الصين تعد الوجهة الرئيسية للصادرات الإيرانية غير المشروعة"، مشددا على أن إدارة الرئيس جو بايدن سوف تضغط على بكين لوقف شراء النفط الإيراني.
ماليزيا.. حلقة الوصل
من جانبه، قال أودونيل إن الكثير من شحنات النفط الإيرانية تتجه إلى الصين عبر ماليزيا حيث يُجرى مزج النفط الإيراني الخام مع غيره في مسعى لإخفاء أن مصدره إيران، مضيفا "يتجه الكثير من النفط الفنزويلي والإيراني إلى ماليزيا ليس بهدف استهلاكه داخل السوق الماليزي وإنما من أجل إخفاء مصدره."
وأشار الباحث إلى أن "الأمر يفوق قدرات ماليزيا من إنتاج النفط، لذا من المحتمل مجيء النفط الإيراني والفنزويلي حيث يتم خلطهما وإعادة تسميتها فيما يبدو أن جُل هذا النفط يذهب إلى الصين."
وقد لاحظت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية هذا الأمر إذ ذكرت في تقرير أنه "وفقا لمحللي الصناعة، فإن الكثير من النفط الذي تم شحنه من إيران إلى الصين يُجرى إعادة تسميته في دول مثل ماليزيا والإمارات وسلطنة عمان لتفادي اكتشافه من قبل سلطات الجمارك".
من جانبه، قال هنري روم، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة ستحتاج إلى التفكير بشكل مبتكر وتعديل أولوياتها مع دول مثل الصين والإمارات إذا كانت ترغب في فرض عقوباتها على إيران بشكل صارم.
واشار في هذا الصدد إلى ما يُعرف بـ "التكلفة الدبلوماسية" حيث قال إن زيادة الضغط على طهران "يمكن أن ينجم عنه أيضا ردا إيرانيا غير متماثل وقد يساور إدارة بايدن بعض الشكوك في نجاعة ممارسة المزيد من الضغوط على طهران، لأنه في نهاية المطاف، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط رغم أن هذه الاحتمالية تعد أقل قلقا اليوم عما كان عليه الوضع في فصل الصيف" الماضي.
تأثير العقوبات على قطاع النفط الإيراني
ورغم أن إيران تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، إلا إنتاجها من النفط الخام قد انخفض منذ عام 2017 بسبب العقوبات الدولية ونقص الاستثمار في قطاع الطاقة.
وفي ذلك، تذهب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى القول بأنه في حالة رفع العقوبات على إيران، فإن إنتاجها قد يعود إلى أقصى طاقته والتي تقدر بحوالي 3.7 مليون برميل يوميا.
لكن أودونيل قال إن إيران ستواجه تحديات كبيرة لزيادة الإنتاج حتى في حالة إبرام اتفاق نووي جديد مع القوى الكبرى.
وأضاف "حتى في حالة حصول إيران على خطة عمل شاملة مشتركة جديدة، فإنها سوف تواجه مشكلة في زيادة إنتاج من النفط بسبب أنه خلال خطة العمل الشاملة المشتركة الأخيرة، واجهت إيران مشاكل في إبرام عقود جديدة مع كبرى شركات النفط مثل بريتيش بتروليوم فيما يرجع ذلك إلى التأميم.. الحرس الثوري الإيراني منخرط في هذه الصناعة وبمجرد دخول شركات النفط الأجنبية، سوف يخسر أمواله".
يشار إلى أن الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى الكبرى عام 2016 والذي يُعرف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" قد وضع قيودا على برنامج طهران النووي في مقابل تخفيف العقوبات.
أزمات إيران الاقتصادية.. لا نهاية في الأفق؟
يشار إلى إيران تواجه أزمات اقتصادية صعبة في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتدني قيمة العملة مما أثر سلبا على مستويات المعيشة فيما تعد الطبقات الوسطى والفقيرة الأكثر تأثرا بتداعيات ذلك.
ويضاف إلى ذلك، اندلاع تظاهرات عامة في إيران ضد الحكومة منذ وفاة الشابة الكردية جينا مهسا أميني أثناء احتجازها من قبل شرطة ما تُعرف بـ "شرطة الأخلاق" فيما شكلت موجة الاحتجاجات الحالية أحد أكبر التحديات للنظام الإيراني منذ إعلان الثورة الإسلامية عام 1979.
وقد دفع قمع الشرطة للمتظاهرين الدول الغربية إلى فرض عقوبات جديدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
وفي ضوء تزايد السخط الشعبي، يوفر ارتفاع صادرات النفط ما يراه مراقبون "فترة استراحة" سواء للحكومة الإيرانية أو لاقتصاد البلاد الذي يئن تحت وطأة أوضاع صعبة.
وقد كشفت الحكومة مؤخرا عن مشروع الميزانية العامة للسنة الجديدة يحمل زيادة تقدر 40٪ عن ميزانية العام السابق بفضل توقعات ارتفاع الصادرات إلى 1.4 مليون برميل من النفط الخام يوميا بمتوسط سعر 85 دولارا للبرميل، بحسب وسائل إعلام رسمية.
بدوره، قال روم، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمتخصص في العقوبات على إيران والقضايا الاقتصادية والنووية، إن تضييق الخناق على قدرات إيران لزيادة صادراتها من النفط يعد أهم خطوة يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لزيادة الضغط الاقتصادي على طهران.
وشدد على أن هذا الأمر يعد "من الناحية الاقتصادية أهم من العقوبات المفروضة فيما يتعلق بحقوق الإنسان أو الإرهاب أو عمليات نقل المسيرات. حتى إذا فشلت الولايات المتحدة في خفض معدلات صادرات (إيران النفطية)، فأنه ينبغي أن تعمل (واشنطن) على جعل هذه التجارة غير المشروعة أكثر تكلفة على كاهل طهران".
فيديو قد يعجبك: