الرئيس التونسي أمام اختبار جديد في منصب الرئاسة بعد الاستفتاء
تونس- (د ب أ) -
عندما ينتهي التونسيون من التصويت على مشروع الدستور الجديد في الاستفتاء الشعبي بعد غد الاثنين، سوف يتعين على الرئيس قيس سعيد بعد ذلك إثبات عكس ما كان يؤمن به في السابق حول وظائف الاستفتاء في الأنظمة العربية.
ففي عام 2017 قال الرئيس سعيد أستاذ القانون الدستوري المتقاعد في إحدى مداخلاته، إن الاستفتاءات في العالم العربي ليست سوى أداة من أدوات الديكتاتورية المتنكرة وإنه يتمنى بأن يشهد استفتاء سلبيا في بلد عربي.
قالت المعارضة إنها ستعمل على تلبية أمنية الرئيس قيس سعيد في الاستفتاء التونسي، لكن قطعا ليس هذا ما يأمله الرئيس.
بعد صعوده إلى الرئاسة بأغلبية ساحقة في الدور الثاني من انتخابات 2019 بدا واضحا أن الرئيس يعد تدريجيا للانتقال إلى نظام حكم جديد طالما ألمح إليه في حملته الانتخابية، بعد سلسلة من الأزمات السياسية والدستورية المستحكمة مع الحكومة والبرلمان ساعدت كثيرا في تعبيد الطريق للإطاحة بجميع خصومه من مؤسسات السلطة.
ولا يبدو الرئيس مستعدا اليوم لرؤية مشروعه السياسي يتهاوى من خلال مشروع الدستور الجديد الذي وضع بصمته الكاملة عليه، ولقي انتقادات بشأن افتقاده إلى المسار التشاركي والحوار مع باقي مكونات المجتمع التونسي، وقد جاءته سهام النقد حتى من أقرب مستشاريه في اللجان المكلفة بإعداد مشروع الدستور.
وعلى الرغم من حملة المقاطعة للاستفتاء، والتحفظات المعلنة من قبل الطيف الأكبر من المعارضة بشأن ما جاء في الدستور الجديد الذي منح صلاحيات واسعة للرئيس، فإنه يتوقع أن يكون سلوك قيس سعيد بعد إعلان النتائج المرتقبة، مؤشرا للجزم بما إذا كان الاستفتاء أداة فعلية للديكتاتورية أم عكس ذلك.
وتشمل حالة الترقب بشكل خاص مصير عهدات الرئيس قيس سعيد في منصبه.
الاستفتاء بـ"نعم" على الدستور
يوضح أستاذ القانون الدستوري في كلية العلوم القانونية بتونس عطيل ظريف لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) بأن الوضع الطبيعي والقانوني عند فوز "نعم" في الاستفتاء هو أن يتبع اعتماد دستور جديد الإعلان عن انتخابات رئاسية.
ويضيف ظريف في تعليقه "إذا قرر الرئيس إكمال عهدته معتمدا على دستور 2014 قبل بدء العد الجديد في مشروع الدستور الجديد فإنه يكون قد سمح لنفسه البقاء في المنصب مدة أطول مما هو مسموح له قانونيا".
اقتصرت الفصول في باب الأحكام الانتقالية لمشروع الدستور الجديد على الإشارة إلى بدء سريان الدستور من يوم الإعلان عن النتائج النهائية للاستفتاء واستمرار الرئيس في العمل بسلطة المراسيم إلى حين انتخاب برلمان جديد.
ويتابع أستاذ القانون الدستوري"'لا يتضمن الدستور حكما انتقاليا يتعلق بالانتخابات الرئاسية. المسألة سياسية تتوقف على سرعة رد فعل الرئيس، فقد يعلن مثلا انتخابات رئاسية متزامنة مع الانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر المقبل".
وقالت سلسبيل القليبي أستاذة القانون الدستوري وعضوة بالجمعية التونسية للقانون الدستوري في حديثها لـ(د. ب. أ) إن "الاحكام الانتقالية غير واضحة وجاءت مقتضبة. هناك عدة احتمالات. يمكن للرئيس إكمال المدة الأولى ثم يرشح نفسه للعهدة الثانية كما أنه ليس هناك ما يمنع الرئيس من تصفير العداد مع بدء سريان الدستور الجديد".
يتم اعتماد الدستور بمجرد فوزه بأغلبية الأصوات المصرح بها ولا يشير المرسوم المنظم للاستفتاء الذي أصدره الرئيس سعيد الى حد أدنى مطلوب لنسبة للمشاركة من أجل اعتماد نتائج الاستفتاء. كما لا يشير الى النتائج المترتبة لاحقا عن إمكانية رفض الدستور من قبل المشاركين في الاقتراع، ولا سيما فيما يتعلق بمستقبل الرئيس قيس سعيد في المنصب.
التصويت بـ "لا" على الدستور
يستبعد المراقبون فشل التصويت على مشروع الدستور في ظل حملة المقاطعة من المعارضة وضعف نسبة المشاركة المتوقعة. لكن من الناحية السياسية والأخلاقية يتفق الخبيران في القانون الدستوري على ضرورة أن يبادر الرئيس بالاستقالة ويعلن عن انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.
يستند فقهاء القانون الدستوري إلى استقالة الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديجول من منصبه بعد استفتاء عام 1969 لتطبيق اللامركزية في فرنسا وحصوله على نسبة تأييد بـ 59ر47 % من الأصوات المصرح بها.
وقالت سلسبيل القليبي "يتعين على الرئيس أن يقرأ نتائج رفض الدستور بأن يعلن استقالته ويدعو الى انتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية. مع ذلك فإن الاحتمالات تظل متعددة والأحكام الانتقالية لا تقدم أجوبة صريحة عما يترتب من رفض الدستور في الاستفتاء".
لم يشر الرئيس الذي اعتمد على دعم مؤسستي الأمن والجيش القويتين عند إعلان التدابير الاستثنائية قبل عام، إلى أي فرضية في خطاباته إذا ما سقط مشروع الدستور.
كما أنه ليس واضحا ما إذا كانت سياسة الأمر الواقع التي اعتمدها لنحو عام ونجح من خلالها في تحييد المعارضة، ستصمد في حال فازت "لا".
وقال عطيل ظريف "الخطر هنا يكمن في بقاء الرئيس رغم عدم مشروعيته. نخشى هنا من إمكانية حدوث اضطرابات قد تفتح الباب لتدخل الجيش مثلا. لا نعرف الاحتمالات الممكنة، والسؤال هو ما إذا كان الرئيس سيحافظ على دعم المؤسستين الأمنية والعسكرية عند إسقاط الدستور الجديد".
في ظل الغموض القانوني عند إسقاط الدستور وصعوبة العودة سياسيا وواقعيا إلى البرلمان المنحل ومؤسسات ما قبل 25 يوليو 2021، فإن الأقرب للقانون والمنطق وفق سلسبيل القليبي هو البقاء تحت سقف دستور 2014 المعلق واستمرار الرئيس في المنصب إلى حين انتخاب برلمان ورئيس (في حال استقالة الرئيس) ورفع التدابير الاستثنائية في البلاد.
لكن القليبي تقول إن الأمر يتعلق بقراءات مختلفة وأن عدة احتمالات تظل واردة.
هل يمكن البقاء أكثر من عهدتين في الرئاسة؟
وتتهم المعارضة الرئيس قيس سعيد بالتأسيس لحكم فردي والاستحواذ على سلطات واسعة في مؤشر على نسف الديمقراطية ومبدأ التداول على الحكم، كما كان الحال في حقبتي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي قبل ثورة 2011.
أدخل بورقيبة تعديلا دستوريا على الدستور الأول لتونس لعام 1959 مكنه من البقاء مدى الحياة في السلطة في حين أدخل بن علي تعديلات دستورية متتالية مكنته عام 2002 من تجاوز أي قيود على عدد العهدات في الرئاسة.
لكن الرئيس قيس سعيد نفى أي نوايا للعودة إلى الديكتاتورية، مستندا إلى نص في مشروع الدستور الجديد يقيد البقاء في منصب الرئاسة لفترة لا تتجاوز عهدتين من خمس سنوات متصلتين أو منفصلتين، ولا يمكن تعديل الفصل.
وتقول القليبي "القراءة العقلانية والقانونية هو أن الدستور لا يقبل أكثر من عهدتين في منصب الرئاسة. والأمر الجديد في هذا الدستور أنه وضع منعا صريحا لأي تعديل في هذا الفصل عكس دستور 1959 بعد الاستقلال".
لكن الخبيرة الجامعية والزميلة السابقة للرئيس قيس سعيد في كل العلوم القانونية، لا ترى في هذا المنع ضمانة مطلقة، وذلك بالعودة إلى سوابق الرئيس سعيد مع دستور 2014 ومع مسودة الدستور الجديد حيث نشر نسخة أولى يوم 30 يونيو ثم نسخة ثانية مصححة يوم 8 يوليو دون أي سند قانوني.
ويقول بدوره عطيل ظريف "دستوريا لا يمكن تعديل الفصل لكن سياسيا يمكن توقع كل شيء".
فيديو قد يعجبك: