تركيا والناتو.. هل يستغل أردوغان الحلف لتحقيق مصالح شخصية؟
كتبت- هدى الشيمي:
لطالما كانت تركيا حليفًا فريدًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهي تمتد عبر أوروبا والشرق الأوسط، وهي دولة ذات أغلبية إسلامية ولكنها تمكنت من الفصل بين الدين والدولة، وحققت نجاحًا اقتصاديًا رغم عدم امتلاكها للنفط، وتبدو للوهلة الأولى بلد ديمقراطي.
انضمت تركيا للناتو عام ١٩٥٢، بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسه، وتم قبول عضوية اليونان في نفس الوقت، وكان كلا البلدين هدفًا للتوسع السوفيتي، وهو الطموح الذي أصر الرئيس الأمريكي السابق هاري ترومان على احتوائه.
قال الرئيس الأمريكي، وقتذاك، في جلسة مشتركة للكونجرس:"يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة هي دعم الشعوب الحرة التي تقاوم محاولات القهر من قبل الأقليات المسلحة، والضغوطات الخارجية". وبات هذا جوهر ما يُعرف بعقيدة ترومان.
"سلطان عثماني"
قبل حوالي عقد من الزمان، قالت صحيفة واشنطن تايمز إن العالم كان ينظر إلى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان باعتباره حاكم مسلم وسطي ومعتدل، ولكن مع مرور الوقت حصل على دعم، بطريقة أو بأخرى، من جماعات إرهابية ومتشددة مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، وإيران، وتنظيم داعش، ولكنه في الوقت نفسه يضع العراقيل أمام طلبات فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو، بحجة أنهما تدعمان الإرهاب ولا يمكن الوثوق بهما.
لكن بعد وصول رجب طيب اردوغان للحكم منذ عام ٢٠٠٣، تغيرت الأوضاع كثيرًا، حسب مقال منشور في الصحيفة الأمريكية، بداية كرئيس وزراء، ثم رئيس اكتسب المزيد من الصلاحيات عام ٢٠١٧، ثم حاكم يحكم قبضته على كل مجريات الأمور، يعيش في قصرًا يحتوي على ١١٥٠ غرفة يناسب سلطان عثماني.
تقدمت كل من هلسنكي وستوكهولم بطلبات للانضمام إلى الناتو، رغبة في الحفاظ على أمنها واستقرارها، مع استمرار الحرب في أوكرانيا للشهر الرابع.
"انتهاكات وتجاوزات"
لا يمكن تجاهل الاتهامات الموجهة لتركيا بأنها أصبحت أكثر تساهلا مع الإرهاب، حسب واشنطن تايمز، لاسيما وأن مصرف هالك بانك، ثاني أكبر مصارفها، قد اتهمته وزارة العدل الأمريكية بغسل أكثر من ٢٠ مليار دولار لطهران بين ٢٠١٢ و٢٠١٥.
وضع اردوغان الناتو في مواقف محرجة لأسباب أخرى كذلك، فقد احتجز الصحفيين الذين انتقدوه، مقترفًا انتهاكات في حرية الرأي والتعبير.
وفي عام ٢٠١٧ قرر شراء صواريخ أرض- جو من روسيا، ما أجبر الولايات المتحدة على اخراج أنقرة من برنامج مقاتلات F-35، لاسيما وأن آخر شيء يريده البنتاجون هو منح الخبراء الفنيين الروس فرصة للتدريب على تحديد وتعقب واستهداف طائراتهم.
"اردوغان والأكراد"
يبلغ عدد الأكراد حوالي ٣٠ مليون شخص، وهم شعب عريق في الشرق الأوسط، والذين على عكس الشعوب القديمة في الشرق الأوسط، الأتراك، العرب، وغيرهم، ليس لديهم دولة خاصة بهم.
يتمتع الأتراك بقدر كبير من الاستقلال الذاتي في شمال العراق نتيجة للإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين، الذي اتبع سياسة تقوم على اضطهاد الأكراد والتي تضمنت حملة الأنفال عام ١٩٨٨، وهي عملية إبادة جماعية قام بها النظام العراقي.
مع ذلك، يُحرم الأكراد من الحكم الذاتي على أراضي أجدادهم في تركيا، وكذلك أراضي أسلافهم في إيران، ويخوضون حربًا في سوريا لتحديد المصير، علاوة على ذلك تشارك قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم داعش.
استقبلت السويد، حسب واشنطن تايمز، ما يصل إلى ١٠٠ ألف كردي، وحصل الكثير منهم على الجنسية، وفاز عدد قليل منهم في الانتخابات البرلمانية.
أما الأكراد في فنلندا فهم أقل عددًا ونفوذًا.
يرغب الرئيس التركي في أن يتخذ كلا البلدين موقف أكثر تشددًا تجاه حزب العمال الكردستاني، الذي يقع في المناطق الجبلية شرق تركيا وشمال العراق، والمصنف من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، أما وحدات حماية الشعب، فصيل داخل قوات سوريا الديمقراطية، فقد صنفها كل من تركيا وقطر فقط كمنظمة إرهابية.
كيف تنتهي الحكاية؟
قال خبراء أتراك، لواشنطن تايمز، إن اردوغان ذكي بما يكفي، ليدرك أنه لن يستفيد شيئًا، على المدى الطويل، من وراء تقويض فرص السويد وفنلندا في الانضمام إلى الناتو، ومنع بوتين من تحقيق أهدافه الحربية.
وفي هذه الحالة، سوف يساوم بشدة من أجل تحقيق بعض المكاسب، ومن ثم يعلن النصر، وبالتالي يوضح لشعبه كيف يواجه الأوروبيين والأمريكيين المتعجرفين، وبعد ذلك سيرحب بالسويد وفنلندا في التحالف.
ومع ذلك، قالت الصحيفة الأمريكية إن تركيا، التي تملك أكبر جيش في الناتو بعد أمريكا، ستصبح العضو الأقل موثوقية، وأنها الدولة التي لديها رئيس استبدادي ضمن التحالف المؤيد للديمقراطية، وبالتالي لن تحقق أنقرة حلمها في أن تكون الجسر بين أوروبا والشرق الأوسط، وهذه خيبة أمل ذات أبعاد تاريخية بالنسبة لها.
فيديو قد يعجبك: