سفير بولندا: ما يحدث في أوكرانيا عمل وحشي.. وبوتين خسر الحرب بالفعل (حوار)
حوار- هدى الشيمي:
تصوير: محمود بكار
يعرف البولنديون معنى الغزو فقد ذاقوا مرارة الحرب خلال الحرب العالمية الثانية. وقال بولندي لصحيفة نيويورك تايمز، إنهم في ذلك الوقت شعروا بأنه لا يوجد مكان في العالم بأسره يرحب بهم، لذا قرروا فعل النقيض مع جيرانهم الأوكرانيين الذين فروا من ويلات حرب، اندلعت في الـ٢٤ من فبراير الماضي، شنتها روسيا على أوكرانيا، تسببت في نزوح نحو ٣ مليون لاجئ ثلثهم من الأطفال، حسب التقديرات الأخيرة.
منذ بدء الأزمة، أعلنت العديد من الدول تضامنها الكامل ودعمها لأوكرانيا حكومة وشعبًا، على رأسهم كانت بولندا، التي تشاركها الحدود الشرقية، فاستقبلت أكثر من ١.٨ مليون لاجئ من جنسيات متعددة، وأكد ساستها أن خسارة كييف ستغير أوروبا ولن تعود القارة العجوز بعدها كما كانت، مُعلنين تأييدهم لحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأدانوا الغزو الروسي الذي يرونه "غير مبرر".
في القاهرة، وداخل حديقة مبنى السفارة البولندية، يقف العلم البولندي يحتضن نظيره الأوكراني، للتأكيد على التضامن الكامل للدولة التي تواجه حرب مستمرة قرابة شهر راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين، بينما يعاني آخرون في ظل الحصار المستمر حول مدنهم.
وفي الحوار التالي يتحدث ميهاو وابيندا، السفير البولندي في القاهرة عن الحرب الروسية في أوكرانية، وتوقعاته عما يمكن حدوثه مع استمرار الأزمة، وتأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على موسكو، علاوة على وضع المصريين الهاربين من أوكرانيا في بولندا..
• مع غياب أي علامات على نهاية الأزمة في الوقت الحالي.. في رأيك لماذا شنّ بوتين حربًا ضد أوكرانيا؟
لا أعلم بماذا كان يفكر فلاديمير بوتين عندما شن حربًا ضد أوكرانيا، فهي بلد يبلغ تعداد سكانه ٤٥ مليون نسمة، دولة متطورة، وضخمة، هل ظن أنها ستسلم سريعا؟ ربما اعتقد أنه بوصوله إلى الأراضي الأوكرانية سيرحب به الناس، وسيستقبله المواطنون- على الأقل في المناطق الشرقية- بالورود، ولكن المواطنين في ماريوبول، المدينة المحتلة والمحاصرة، وبها حوالي ٣٠٠٠ شخص، لا يهابون القتل ويشاركون رغم ما يحدث في الاحتجاجات للدفاع عن المدينة وعن عمدتها المحتجز الآن لدى الروس.
• هل تهاجم روسيا بولندا مع استمرار دعمها لأوكرانيا؟
آمل ألا يحدث هذا، ولكن قبل أيام حدث قصف على بعد ٢٠ كيلومتر من حدودنا. في كل الأحوال، نحن أعضاء في حلف الناتو الذي يلتزم بالقوانين والقواعد، وما لم نتعرض للهجوم، لن نهاجم دولة أخرى، ولكن إذا اندلعت حرب في بولندا فهذا يعني تنفيذ المادة رقم ٥ من ميثاق الناتو، والتي تنص على بدء الحرب.
في الوقت نفسه، لم يكن لدى بوتين أي مبرر لشن حرب في أوكرانيا، وهذا يعني أنه لا يحتاج لمبرر أو سبب لشن حرب في بولندا أو ليتوانيا، أو أي من دول البلطيق الأخرى، ربما يعتقد، لأنهم أعضاء جدد في الناتو على حد قوله، لن يدافع عنهم الحلف، ولكنه مخطئ.
• هل يعني هذا احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة؟
في حقيقة الأمر، الموقف كان مختلفًا تمامًا خلال الحرب العالمية الثانية، كان هناك على الأقل ٣ دول عظمى اجتمعت معًا (اليابان وإيطاليا وألمانيا) مع آخرين ضد الدول المتحالفة، ولكن روسيا الآن بمفردها. أكبر دليل على ذلك تصويت الجمعية العامة على إدانة الاعتداء الروسي على أوكرانيا، كل الأعضاء تقريبًا صوتوا بالتأييد، ولأسباب مختلفة امتنعت بعض الدول عن المشاركة من بينهم فنزويلا حليفة موسكو المقربة، وإيران التي تعاني من عقوبات اقتصادية مفروضة عليها، فيما رفضت الإدانة خمس دول فقط هي سوريا، وروسيا، وبيلاروسيا، وكوريا الشمالية، وإريتريا، وإذا كنت في كامل قواك العقلية ولم تكن مجنونًا فإنك لن تخوض حربًا إلى جانب هؤلاء الحلفاء.
• هل تعتقد أن العقوبات الاقتصادية ستؤثر على موقف روسيا في الحرب؟
سيكون التأثير شديدًا.. بالفعل بدأت حرب اقتصادية لأن العقوبات المفروضة على موسكو قاسية للغاية، توقفت مثلا سلسلة مطاعم ماكدونالدز عن العمل في روسيا، وهي خطوة لا يمكن الاستهانة بها، فكان هناك ٨٠٠ مطعم في جميع أنحاء روسيا، وكلها اعتمدت على الموارد المحلية، ما يعني أن سلسلة التوريدات انقطعت وأن آلاف الأشخاص الذين كانوا يمدون المطاعم بالألبان والقمح واللحوم لن يكون لديهم أي مكان لبيع منتجاتهم.
وقد رأيت هنا في مصر، روسيين حاولوا سداد الحساب في المطعم باستخدام بطاقة ائتمانية ولكنهم لم يستطيعوا.
علاوة على حجبها من نظام سويفت. وإغلاق مئات الشركات العالمية في روسيا، حتى أن كازاخستان، والتي كانت من أقرب الدول لروسيا، أوقفت رحلاتها الجوية إلى موسكو.
وهذا الموقف لا يقتصر فقط على الدول الغربية، ولكن سنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا كلها دول فرضت عقوبات على موسكو، لأن أغلب الدول ترى أن تصرفات بوتين إجرامية، وأكبر اثبات على ذلك كان هو التصويت الذي حدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
• تستمر المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني.. فهل تنجح في التوصل إلى تسوية تنهي النزاع؟
الأمر أشبه بأن يسرق أحدهم منزلك ويحتل غرفة، ثم يريد إجراء مفاوضات على باقي الغرف. ما الهدف إذا من المفاوضات؟! أتابع الاخبار ولا أرى أي نية للتسوية. في الوقت نفسه يبعث بوتين رسائل متناقضة، في البداية قال إنه أراد عزل زيلينسكي والإطاحة بالنظام النازي، ولكنه قبل أيام أعلن أنه لا يريد عزل الرئيس الأوكراني ولكنه يريد التفاوض معه، وقال إن الهدف من العملية العسكرية على حد قوله دعم المنطقتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك، فماذا يفعل جيشه بالقرب من كييف، لماذا تحاصر القوات الروسية ماريوبول، لماذا يقصف المناطق بالقرب من الحدود البولندية ويستهدف المدنيين؟
ولقد استمعنا لمقاطع صوتية لجنود روس يتحدثون لعائلاتهم ويخبرونهم بأنهم لديهم أوامر بقتل أي شخص يجدونه أمامهم، فما يحدث في أوكرانيا عمل وحشي.
كما أنني لا أعلم كيف يمكن إجراء أي مفاوضات مع الروس، وهم ينكسون بوعودهم ولا يلتزمون بالاتفاقات المُبرمة، فموسكو لم تمتثل لمذكرة بودابست التي وقعتها عام ١٩٩٤، وتعهدت بموجبها تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا مقابل استغناء كييف عن أسلحتها النووية، ولكنها الآن لم تلتزم بتعهداتها، ما يعني أنها قد تكرر ذلك مرة أخرى، وأي تعهدات أو ضمانات يقدمونها في المستقبل سوف يتخلون عنها.
من جهة أخرى، فإن زيلينسكي في موقف صعب للغاية، فهو يتابع ما يجري ويرى ما يحدث ويقاتل من أجل بلده، ولكن البلد مدمرة، المدن تُدمر وتقصف، ولكنه مع ذلك قد يوافق على بعض الأمور من أجل إنقاذ حياة شعبه. في المقابل، إذا وافق على الاستيلاء على دونباس ولوغانسك فإن ذلك سيهدد سيادة أوكرانيا.
• يكرر الرئيس الأوكراني دعواته لفرض منطقة حظر طيران فوق بلاده.. هل يمكن تحقيق هذا لاسيما وأنها ستنقذ الكثير من الأرواح؟
ستنقذ الأرواح بالتأكيد ولكنها ستستفز بوتين وتدفعه إلى شن الحرب ضد باقي دول الناتو. الشخص الوحيد المسؤول عن هذه الحرب هو الرئيس الروسي، وهو يريد استفزازنا، وشن حرب كاملة. كما أن الحلف لا يريد فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا لأنها ربما تسبب في مقتل المزيد من المدنيين.
• مع الغضب والإدانة الدولية للغزو الروسي لأوكرانيا.. هل تكون هذه الحرب بداية نهاية بوتين؟
قد يكون هذا صعبًا لعدة أسباب، في آخر أيام عمل لماكدونالدز في روسيا، رأيت صورًا ومقاطع فيديو يظهر فيها سيارات تصطف أمام فروع سلسلة المطاعم يبلغ طولها ثلاثة كيلومتر، ينتظرون الحصول على وجباتهم الأخيرة، إذا قرر نصف هذا العدد الاحتجاجات ضد الحرب الروسية في أوكرانيا سيفوزون، ولكنهم لا يجرؤون على فعل ذلك.
قبل أيام رأيت مقطع فيديو لامرأة شابة كانت تتحدث مع مراسلين أجانب في الساحة الحمراء بالقرب من الكرملين في موسكو، وقالت لهم إنها تدعم سياسة بوتين، وتؤيد ما أسمته "العملية العسكرية في أوكرانيا"، في هذه اللحظة اعتقلتها الشرطة، ففي روسيا حتى التحدث مع الأجانب أمر غير مسموح به، حتى أنه يُمنع استخدام كلمة حرب.
كذلك هيأ بوتين خلال الفترة الماضية بلاده للتعامل مع الحرب التي تحدث الآن. الدعاية الروسية التي سبق واستخدمها ويستخدمها الآن قوية للغاية.. وهناك عدد كبير جدًا من الروس يصدقون ما يقوله وما تعرضه وسائل الإعلام الروسية.
ولم يسبق على مدار تاريخ روسيا أن حدثت احتجاجات شعبية أطاحت برأس السلطة، ولكنه دائما ما يكون انقلابًا بين النخبة أو المقربين من الحاكم، وبالتالي تتطلب هذه الخطوة انقلاب بعض الأشخاص من النخبة السياسية، أو المقربين من بوتين ضده، ولكنه لديه نظام محكم للسيطرة على كل شيء.
• مع استمرار موجة النزوح.. قال بعض العرب والأفارقة إنهم تعرضوا لسلوك عنصري على الحدود.. هل هذا صحيح؟
مع الأسف هذه الاتهامات مؤلمة للغاية، تابعت على الفيسبوك وتويتر بعض الشكاوى وقرأت تقارير إعلامية عن بعض التصرفات العنصرية بحق اللاجئين، ولكن الوضع على الحدود صعب للغاية، على سبيل المثال وصل أكثر من ٦٠٠٠ هندي، وحوالي ٤٥٠٠ نيجيري، ٤٠٠٠ أوزباكستاني، وأكثر من ٨٠٠ مصري.
من خلال متابعتي للفيسبوك، وجدت أن الأغلبية العظمى من الشكاوى تتمثل في نقص المأوى، وبرودة الطقس، والازدحام، أتفهم هؤلاء الأشخاص لأنهم هاربين من الحرب، خائفين، متوترين، جائعين، أتفهم مشاعرهم، ولكن الجو البارد، ونقص المطاعم، والمأوى، هذا طبيعي لأن البلاد تستقبل حوالي ١٠٠ ألف شخص يوميًا.
ومن الضروري تفهم أن أغلب الأوكرانيين الفارين من بلادهم نساء وأطفال وكبار سن، هناك مقطع فيديو لأشخاص يدفعون آخرين من القطار، ولكنهم يدفعون الرجال، لأنه نـظرًا لأسباب إنسانية ستكون الأولوية للنساء والأطفال وكبار السن، ما يعني أنهم لا يبعدون أو يدفعون الأشخاص ذوي البشرة السوداء، أو أبناء جنسية أو ديانة معينة، ولكنهم يعطون الأولوية للفئات الأضعف قبل الرجال. ولكنني أتفهم هذه المشاعر لأن الجميع يريد الهروب من الحرب.
• ما هي التسهيلات التي تقدمها وارسو للمصريين الذين غادروا أوكرانيا بعد الحرب؟
وصل إلى بولندا أكثر من ٨٠٠ مصري قادم من أوكرانيا، ونحن على تواصل مستمر مع السفير المصري في بولندا حاتم تاج الدين، وهم يقومون بعمل رائع.
لا يوجد مشكلة على الإطلاق فيما يتعلق بالمصريين الذين غادروا أوكرانيا، لأنهم يستطيعون العودة إلى وطنهم بسهولة، حاولت السلطات البولندية تقديم كل الدعم والتسهيلات المتاحة لهم ولباقي الفارين من الحرب، لأنه في الكثير من الحالات لم يكن لدى بعض المصريين فيزا شنجين، وبعضهم كان لديه صورة من الجواز السفر، والبعض مروا عبر الحدود دون أوراق من الأساس، علاوة على ذلك لم يكن هناك تدقيق في القواعد الخاصة بكوفيد-١٩.
• في توقعاتك ماذا سيحدث بعد مرور ثلاثة أسابيع على اندلاع الحرب؟
ليس لدي أدنى فكرة عما يمكن حدوثه، ولكن بغض النظر عما سيحدث، فقد خسر بوتين الحرب بالفعل، لأننا الآن في الأسبوع الثالث بعد الغزو. لكن الموقف العام يدعو إلى التفاؤل والأمل، لأنه يظهر مدى تضامن واتحاد العالم بأسره ضد عدوان دولة واحدة، رغم أنها عضو دائم في مجلس الأمن.
فيديو قد يعجبك: