لماذا تتحرك روسيا تجاه أوكرانيا الآن؟
كتبت - هدى الشيمي:
للشهر الثالث على التوالي، تواصل روسيا حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا. أكثر من ١٠٠ ألف جندي يحاصرون أوكرانيا من ثلاث جهات. لكن ليس من الواضح سبب حدوث ذلك، حسب تحليل ماريا سنغوفايا، الباحثة في جامعة جورج واشنطن، في مجلة فورين بوليسي، لاسيما وأن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتصعيد لا يبدو وأنه ناتج عن وقوع أي حدث معين.
ونقلت صحيفة بولتيكو، اليوم السبت، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، حدد في مؤتمر عبر الفيديو مع زعماء دول الغرب والاتحاد الأوروبي والناتو، 16 فبراير الجاري، موعدًا للغزو الروسي على أوكرانيا، واختلف معه القادة الأوروبيين في تقدير التوقيت وحتمية التصعيد.
ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين أمريكيين، إن روسيا ستشن غزوها لأوكرانيا وربما يسبق ذلك سلسلة من الضربات الصاروخية والهجمات الإلكترونية.
غير أن الموقف الروسي الحالي يتناقض مع تعزيزات موسكو العسكرية لعام ٢٠٠٨ وحربها مع جورجيا والتي تلت قمة بوخارست لحلف الناتو، حيث وُعدت أوكرانيا وجورجيا بإمكانية انضمامها للحلف يومًا ما.
أما الآن، فعوضًا عن وقوع حدث معين، يبدو أن هناك العديد من التطورات الأخيرة التي تحرك مناورة بوتين، على حد قول سنغوفايا.
"خوف من الخسارة"
في خطاباته العامة ومقابلاته ومقالاته، أعرب بوتين عن قلقه المستمر إزاء خسارة أوكرانيا. وقال في مايو ٢٠٢١ بجلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن أوكرانيا تحولت ببطء وثبات إلى دولة مناهضة لروسيا.
في الواقع، انحسر النفوذ الروسي على أوكرانيا وبات في تراجع سريع ومستمر على مدار السنوات العديدة الماضية، خاصة مع زيادة التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو مع كييف.
يظهر ذلك في حزم المساعدات العسكرية التي تتلقاها كييف، وتدريب الجيش الأوكراني، ودعم عملية مكافحة التهديدات الالكترونية الروسية، بموجب حزمة المساعدة الشاملة التي مُررت في عام ٢٠١٦.
يدعم الناتو أوكرانيا من خلال ١٦ برنامجًا مختلفًا تهدف إلى تعزيز الدفاع والأمن في أوكرانيا.
في إطار مبادرة المساعدة الأمنية الأوكرانية، كثفت واشنطن جهودها لتعزيز القوات البرية والعمليات الخاصة في أوكرانيا منذ عام ٢٠١٦.
في عام ٢٠١٨، أرسلت الولايات المتحدة أسلحة فتاكة لأوكرانيا مثل صواريخ جافلين المضادة للدروع، وقاذفات الصواريخ. وفي خريف ٢٠٢١، باعت تركيا طائرات بدون طيار قتالية من طراز بيراكتار تي بي ٢ إلى كييف، وهو ما يعتبره الكرملين تهديدًا لأمن روسيا، والإخلال بالتوازن الأمني في المنطقة.
"أوكرانيا تحب الغرب"
ولكن الأمر لا يتعلق بالتعاون العسكري وحسب، مع تزايد التأييد الشعبي الأوكراني للغرب تدريجيًا وإظهار استطلاعات الرأي تأييد المواطنين للانضمام كييف إلى الناتو، تعمق التعاون بين الدولة السوفيتية السابقة والغرب في مجالات أخرى مثل مبادرات مكافحة الفساد وبناء المؤسسات.
زاد الطين بلة، عندما شنت كييف حملة ضد عملاء روسيا على أراضيها، وفرض مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني عقوبات على حليف بوتين المقرب فيكتور ميدفيدشوك وزوجته والعديد من الأفراد والكيانات الأخرى
طالما تفاخر ميدفيدشوك بعلاقته المقربة ببوتين، وهو أيضًا الأب الروحي لابنة ميدفيدشوك، وطالما انحاز إلى الجانب الروسي، وله الكثير من المواقف الداعمة لموسكو، حتى أن واشنطن فرضت عليه عقوبات لإذكاء النزعة الانفصالية في أوكرانيا.
علاوة على ذلك، جمدت أوكرانيا عقوبات أصول ميدفيدشوك لمدة ٣ سنوات ومنعته من ممارسة أعماله في أراضيها، في الوقت نفسه- حسب التحليل- أمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بإغلاق ثلاث قنوات تلفزيونية يملكها بتهمة نشر دعاية موالية لروسيا.
جاء ذلك بعد مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره دميترو كوليبا، وهو ما أثار قلق الكرملين وشككه في حجم نفوذ الولايات المتحدة وسيطرته على الإعلام الأوكراني.
ومنذ مايو ٢٠٢١، وُضع ميدفيدشوك قيد الإقامة الجبرية في أوكرانيا بتهمة الخيانة، وحسب التحليل، فإن هذا التحرك أغضب بوتين، وأعقب حملة القمع التي شنتها كييف على صديقه المقرب أول حشد عسكري روسي على الحدود الأوكرانية في أبريل ٢٠٢١.
وبالنظر إلى ما حدث خلال الفترة الماضية استنتج بوتين أنه أفلت قبضته على أوكرانيا، ولكن المشهد الجيوسياسي يقدم له فرصة ذهبية لتعزيز نفوذه على أوكرانيا، خاصة وأن هناك العديد من الفرص التي يستطيع اغتنامها من أجل تحقيق ما يريد، وأولها: انقسام الاتحاد الأوروبي بشأن روسيا.
"انقسام اوروبي"
بينما يميل الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي في أوروبا الشرقية إلى دعم اتخاذ إجراءات أقوى ضد روسيا، فإن القوتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا في صراع بشأن تحركات موسكو.
تشتت انتباه فرنسا بسبب الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في أبريل ٢٠٢٢، وأثار إصرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حاجة الاتحاد الأوروبي على مواصلة الاتحاد الأوروبي محادثاته مع الكرملين بمعزل عن واشنطن، ربما كجزء من حملته الانتخابية، مخاوف من زيادة الانقسام في الغرب.
أما ألمانيا التي تحلم بأن تكون مركز الغاز الأوروبي بعد الانتهاء من نورد ستريم 2، فربما تكون مستعدة لتقديم التنازلات إلى الكرملين، كما اتضح من رفضها منح تصاريح أسلحة لإستونيا لتوصيل الإمدادات لأوكرانيا.
علاوة على ذلك، اتخذ الكرملين منذ أبريل ٢٠٢١، عدة خطوات- من المحتمل أن تكون متعمدة، أدت إلى خفض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وزيادة الأسعار غير المسبوقة ونقص الغاز في دول الاتحاد الأوروبي.
وقد يتسبب اعتماد أوروبا المستمر على الغاز الروسي، إذ تتلقى حوالي ٤٠ ٪ من واردات الغاز من روسيا، في الحد من قدرتها على مواجهة الإجراءات والتحركات الروسية في أوكرانيا.
"تراجع مكانة أمريكا"
كذلك تستغل روسيا التراجع النسبي في المكانة الدولية للولايات المتحدة، خاصة بعد انسحابها الفوضوي من أفغانستان.
في الوقت نفسه، تبدو سياسة إدارة الرئيس الأمريكي إزاء روسيا ضعيفة إلى حد ما، فقد رفعت العقوبات المفروضة على نورد ستريم ٢، وأصدرت عقوبات رمزية إلى حد كبير على تسميم روسيا لسياسي المعارض إليكسي نافالني، والأهم من ذلك- حسب تحليل فورين بوليسي- هو أن الكرملين لديه فرصة للتصرف بحرية حتى انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، فقد تنقلب الموازين إذا فاز الجمهوريون بلجان الشؤون الخارجية الرئيسية في الكونجرس وزادوا الضغط على الإدارة بشأن روسيا.
وبالنظر إلى هذه الاعتبارات يمكن معرفة لماذا يتحرك بوتين الآن نحو أوكرانيا، فهذه الظروف توفر اللحظة المثالية لبوتين للضغط على الغرب والولايات المتحدة من أجل المزيد من التنازلات بشأن أوكرانيا.
فيديو قد يعجبك: