شاب سوري وزوجته المصرية يبحثان عن مأوى بين العواصم العربية
(بي بي سي):
دلفت شابة عشرينية مصرية تحمل طفلا صغيرا نائما على كتفها بينما تدفع أمامها عربة تحمل ثلاث حقائب في مطار القاهرة في الصباح الباكر.
ارتبكت قليلا وهي تحاول وضع الحقائب على حزام التفتيش، قبل أن تمتد إليها يد المساعدة. بعد إجراءات التفتيش العادية، توجهت فاطمة إلى ضابط الجوازات، حيث قدمت إليه جوازي سفر مصريين لها ولابنها، الذي قبَّلته ووجهت وجهه نحو الضابط ليراه قبل أن يمنحهما ختم المغادرة إلى بيروت.
بدأت الشمس تداعب عيني الطفل الصغير محمود وهو في الحافلة المتجهة إلى الطائرة، وقد بدأ يتطلع ببصره ليرى عددا من الناس يقفون بالقرب منه في الحافلة، بينما تطمئنه أمه وتتحدث إليه بلهجة حانية عن قرب اللقاء مع أبيه في بيروت.
طلبت فاطمة منا أخذ بعض الصور عند الطائرة قائلة "أريد أن يشترك معنا محمود في ذكريات اجتماع العائلة بعد فراق".
على باب الخروج من مطار رفيق الحريري ببيروت، يقف شاب عشريني نحيف ملوحا بشوق كبير، حتى انطلق بالأحضان والقبلات لطفله الصغير وزوجته المصرية.
فهذه أول مرة يرى محمود أبيه منذ ولادته في أغسطس/ آب الماضي، وأول مرة يلتقي الزوجان بعد نحو 6 أشهر.
بعدها بعدة أيام وأنا في الطريق إلى وسط بيروت حيث تنتشر المنازل على الجبل، نزلت من التاكسي في منطقة بجانب شارع الحمرا الشهير، ودلفت إلى منزل قديم حيث استقبلني على بابه الزوج حسام.
وقفت فاطمة ترحب بفريق بي بي سي وهي تحمل صغيرها محمود، فقد خصصت عائلة زوجها غرفة لهما في البيت المتواضع.
جلست على أريكة في وسط الصالة التي تطل من شباكها على مسجد في بيروت، أتحدث مع الأسرة.
بادرني الشاب بلهجته العربية الواضحة "هل ستساعدنا في حل مشكلتنا يا أستاذ؟". ضحكت وقلت: ربما.
قصة حب رغم الصعاب
روت فاطمة قائلة: "كنا سنتزوج بعد شهر في مصر قبل أن تبدأ رحلة لم تتوقف حتى الآن"، ثم نظرت إلى السقف وأكملت حديثا بابتسامة خجولة لتحكي لنا كيف التقت زوجها في مدينة الرحاب شرقي القاهرة، حيث وقع إعجاب متبادل منذ اللقاء الأول.
أضافت فاطمة أن موافقة أهلها على الزواج بعد ذلك لم تكن سهلة، خاصة أن والدتها كانت قلقة للغاية من زواجها من لاجئ سوري. وقالت الأم: "هل تتزوجين من سوري؟ هذه بداية طريق ليس هينا يا ابنتي".
الموافقة أتت بعد أن بارك والد فاطمة، طبيب الأطفال، الزواج، وبدأت رحلة إتمام إجراءات الزواج وسط فرحة من الشابين.
نظر الموظف في وزارة العدل المصرية في الأوراق وسأل حسام: أين الإقامة السارية؟.
قال له حسام إنه دخل البلاد قبل أيام من الإغلاق بسبب كورونا في مارس 2020، ونسي في خضم العمل تجديد الإقامة.
قال الموظف إن الأمر يحتاج فقط لإثبات إقامته في مصر سواء في شقة أو عقار عن طريق عقد إيجار موثق، قبل أن تمنح الإقامة بعد زواجه من مصرية، إلا أن المؤجر رفض إعطاءه عقدا موثقا يفيد بإيجار الشقة، وذلك خوفا من دفع مزيد من الضرائب.
لجأ حسام إلى محام سوري مقيم في مصر، وفر له عقدا موثقا بختم الدولة المصرية، اتضح بعد ذلك أن العقد مزور، ليدخل الشاب في دوامة مخيفة، لكن النيابة المصرية أفرجت عنه وعاد إلى قسم الشرطة لإتمام إجراءات الإفراج الذي لم يتم، بل بدأت على الفور إجراءات ترحيل الشاب من مصر بعد أخذ رأي الأجهزة الأمنية.
رأت والدة فاطمة أن ذلك ربما يعتبر إشارة من الله بعدم إتمام الزواج وقالت لها "ربنا لا يريد إتمام الزواج. لا يوجد نصيب يا ابنتي".
لكن فاطمة ركبت سيارتها وبدأت رحلة طويلة تجوب خلالها سفارات دول عربية كثيرة، في محاولة للحصول على تأشيرة دخول لحسام، لإنهاء حجزه لدى الشرطة المصرية، وحتى لا يُرحل لبلده سوريا خوفا من تعرضه لمشاكل.
بعد أيام من البحث المتواصل، فشلت فاطمة في الحصول على تأشيرة لأي من الدول العربية، فلم يكن من السهل الحصول على تأشيرة دخول لمواطن سوري.
تواصلت فاطمة مع عائلة حسام اللاجئة في لبنان، واستطاع أخوه استخراج تأشيرة له للسفر إلى أربيل شمالي العراق، حيث لم يكن بمقدورهم إدخاله إلى لبنان في ذلك الوقت، لوجود غرامات تأخير كان ملزما بدفعها خلال إقامته السابقة في لبنان.
في كل يوم من أيام احتجازه في قسم الشرطة في مصر، كانت الشابة المصرية تقف بالمأكل والمشرب للاطمئنان على حسام ورؤيته.
بعد أيام طويلة في السجن، تم الترحيل إلى أربيل، وبدأ الشاب السوري اليافع من فوره البحث عن عمل، ولأنه يعمل في إصلاح الهواتف المحمولة وجد عملا بشكل سريع.
قالت فاطمة: "تم ترحيله إلى أربيل بعدما انتهينا من تجهيز الشقة واشترينا الأثاث. كل شيء كان جاهزا حتى الفرح (الزواج) حددنا موعده، لكن الأمور تطورت بشكل درامي، ومع ذلك أصررت على إكمال الطريق".
زواج عن بعد
يقول حسام إنه لم يستطع الذهاب إلى سوريا خوفا من التجنيد الذي يمتد لثماني سنوات كاملة، وإنه كان لاجئا في لبنان ثم مصر، إضافة إلى الخطر الداهم الذي يهدد حياته في كل لحظة إذا التحق بالجيش.
نظر حسام إلى الأرض وأكمل: "أرسلت التوكيلات التي جاءتني من فاطمة ووالدها من القاهرة إلى محام موكل مني، وذلك لإتمام إجراءات الزواج في سوريا، وأنا مازلت في العراق".
تم الزواج على الورق. بعدها بعث الزوج بالأوراق إلى زوجته فاطمة في مصر وعلى الفور وثقته في الخارجية المصرية وحصلت على قسيمة زواج موثقة أرسلتها إلى حسام في أربيل ليبدأ إجراءات استقدام زوجته.
رفضت سلطات إقليم كردستان العراق استقدام الزوجة إلى أربيل، وذهب حسام للسفارة المصرية في أربيل وحصل على تأشيرة باعتباره متزوجا من مصرية.
وفي مطار القاهرة، وقف حسام أمام ضابط الجوازات فرحا بدخول مصر، لكنه احتجز مرة ثانية في المطار ، بعدما رفضت السلطات إدخاله إلى البلاد، وأعادوه إلى أربيل بعد أن مكث في المطار ثلاثة أيام متتالية، لتبدأ محطة جديدة في حياة الشابين.
البحث عن عاصمة عربية
"كنا نسمع إطلاق النار بالليل، ولم نكن نشعر بالأمان الكامل، رغم الترحيب بنا هناك في بنغازي. إنه بلد جميل، لكنك انخلعت من مجتمعك وأصدقائك وأهلك، وزرعت نفسك في أرض تحتاج إلى وقت ورعاية وري حتى تنبت هناك".
ستة أشهر قضاها حسام وفاطمة في المدينة العربية الوحيدة التي قبلتهما، بنغازي ليبيا.
يقول حسام: "سألت كثيرا في عدة سفارات، لكني لم أستطع إتمام الزواج أو لقاء فاطمة في أي من البلدان العربية".
تضيف فاطمة: "لم أتوان لحظة واحدة في أن أنضم إلى زوجي في بنغازي بعد أن وجد عملا وجهز شقة، لكننا كنا نخرج ونحن خائفان، فالسلاح هناك منتشر بشكل كبير رغم أن المدينة مستقرة إلى حد ما".
بابتسامه جادة قالت فاطمة: "في يوم، كنا متجهين إلى حي قريب منا للقاء محام لرفع قضية حتى نعود للقاهرة، وكنا نسمع أصوات الرصاص، واتضح أننا دخلنا بالسيارة بين فريقين من المسلحين يتراشقان بالرصاص الحي. كان يوما مخيفا وصعبا للغاية".
وتضيف "لم يطل بي المقام هناك أكثر من ستة أشهر، بعد أن بدأ الحمل يثقل كاهلي. عدت مرة أخرى إلى أمي في مصر في أبريل الماضي. ليأتي للحياة ابننا محمود".
إلى عاصمة عربية جديدة
قال حسام إنه خاف على العائلة من العيش في بنغازي. فقرر العودة إلى بيروت بعد أن زال سبب المنع من دخول البلاد.
تقييم فاطمة مع زوجها في غرفة من غرف البيت الذي تقطن فيه عائلة حسام اللاجئة في لبنان. وقالت بلغة واثقة "لو ذهب إلى كوالالمبور سأذهب معه، لقد تركت عملي في مصر، وشقتي وأهلي وأصحابي، وجئت إلى هنا واثقة في حياة سعيدة مع زوجي رغم الصعاب، لكن أتمنى أن نعود إلى مصر".
وأضافت: "الحياة هنا في لبنان صعبة وغالية. الأزمة الاقتصادية تعصر الناس عصرا، والرواتب ليست كبيرة".
نظر حسام إليّ، ثم قال: "لا يزال يحدوني الأمل، فمصر بلد جميل رغم كل ما رأيته فيه. فقد استضافتني وملايين من بني وطني، وعشنا بين جنباتها كالمواطنين، والآن، كلي أمل أن أستطيع أن أعود وزوجتي لعملنا وحياتنا وشقتنا في القاهرة".
فيديو قد يعجبك: