إعلان

بعد الانسحاب الروسي من خيرسون.. هل دقت ساعة المواجهة في شبه جزيرة القرم؟

08:37 م الأربعاء 23 نوفمبر 2022

الانسحاب الروسي من خيرسون أرشيفية

موسكو - (ا ف ب)

يبدو أن عيون الجيش الأوكراني باتت على القرم، بعد أن حقق بدخوله خيرسون في 11 نوفمبر، انتصارا عسكريا هاما أعطاه زخما كبيرا. وفيما تواصل قصف شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا في 2014، خصوصا بالمسيّرات، تسعى قوات كييف لتحقيق توغلات أساسية في هذا المسار كما يحدث في كينبورن قبالة البحر الأسود. مع ذلك، فإن القرم ليست بخيرسون، لعوامل أبرزها موقعها الاستراتيجي الحاسم في الحرب وأهميتها المعنوية والسياسية لموسكو.

شنت القوات الأوكرانية الثلاثاء هجوما بالطائرات بدون طيار على شبه جزيرة القرم وفق ما أعلنت السلطات المعينة من موسكو، فيما باتت القوات الروسية بالمنطقة "في حالة تأهب".

جاءت تلك الهجمات بعد أيام من تحقيق الأوكرانيين انتصارا إقليميا هاما في خيرسون التي دخلوها في 11 نوفمبر بعد انسحاب القوات الروسية، التي تعزز مواقعها في شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو في 2014.

ولعل أهمية شبه الجزيرة التي تؤوي عدة قواعد عسكرية روسية مهمة، هي كونها شكلت منصة لانطلاق الغزو في 24 فبراير/شباط. مع ذلك يخشى الروس اليوم تكرار سيناريو الهزيمة المذلة في خيرسون مع استمرار القوات الأوكرانية في شن هجومها المضاد جنوبا نحو القرم.

وسبق أن شهدت المنطقة انفجارات في منشآت عسكرية روسية أو قربها منذ بدء الحرب، منها هجوم منسق بمسيّرات على ميناء رئيسي في سيفاستوبول خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، وأيضا تفجير جسر القرم في الثامن من نفس الشهر.

تعزيز المواقع الدفاعية في القرم

وقبل أسبوع، قال حاكم المنطقة سيرغي أكسيونوف إنه يتم تعزيز المواقع الدفاعية في القرم. وأوضح: "أعمال التحصين جارية.. بهدف ضمان أمن جميع سكان القرم".

يلحظ أيضا، إعلان أوكرانيا الثلاثاء عن استعادة السيطرة على شبه جزيرة منعزلة قبالة البحر الأسود بشكل شبه كامل فيما القتال كان لا يزال مستمرا فيها. وقال حاكم المنطقة فيتالي كيم: "لا يزال علينا (استعادة) ثلاث بلدات في شبه جزيرة كينبورن" لتحرير منطقة ميكولاييف تماما.

وينقسم الجزء الجنوبي المطل على البحر الأسود إلى قسمين: في الغرب كجزء من منطقة ميكولاييف، وفي الشرق كجزء من منطقة خيرسون. وهو معزول عن الأراضي التي يسيطر عليها الأوكرانيون في نهر دنيبرو الذي يتدفق عبر خيرسون.

"معركة القرم".. ما أهميتها في الحرب الدائرة بأوكرانيا؟

يعتبر الخبير الاستراتيجي د. عمر الرداد بأن "شبه جزيرة القرم تشكل عنوانا استراتيجيا مهما في هذه الحرب، ذلك أنه تم احتلالها في 2014 وضمها إلى الأراضي الروسية. كما أنها تضم قواعد عسكرية روسية بما فيها قيادة البحرية. وهي تعد أيضا من أهم خطوط الإمدادات العسكرية الروسية لقواتها في أوكرانيا. غير أن نقطة الضعف في القرم كونها تعتمد في إمدادات المياه والكهرباء على أراض أوكرانية، لكن الأهم من ذلك كله أن تهديد أوكرانيا باستعادة القرم يشكل ضربة قاصمة لروسيا أهم من استعادة الدونباس والجمهوريات الانفصالية".

في المقابل يرى المحلل السياسي محمود الأفندي بأن "جزيرة القرم هي أراض روسية منذ 2014 ولا يوجد أي حرب فيها، لكن أوكرانيا وعبر وسائلها الإعلامية تحاول القيام بدعاية حول هذه المزاعم. هم يهاجمون أسطول البحر الأسود باستخدام طائرات مسيّرة وقد وقع البارحة هجوم بطائرتين مسيّرتين بعد أن استهدفوا سابقا ممر الحبوب. لا توجد أي حرب في القرم وهذا ليس سوى دعاية إعلامية أوكرانية بامتياز وهي غير دقيقة أبدا هدفها إضعاف المعنويات والقول بأن الجيش الروسي ينسحب بعد أن كان هدفه الاستيلاء على العاصمة كييف، رغم أن 20 بالمئة من الأراضي الأوكرانية لا تزال تحت سيطرة روسيا. قبل التفكير في القرم، عليهم السيطرة على كامل خيرسون وعبور نهر دنيبرو شرقا حتى يمكن لهم توفير قوات قادرة على مهاجمة القرم من خلال الحدود البرية. بالنسبة للحدود البحرية فأوكرانيا لا تملك قوات بحرية أو أسطول قادر على مهاجمة القرم".

أما مينا عادل الباحث المختص في الشؤون العسكرية فهو يرى بأن "معركة القرم لها تأثير نفسي شديد على كلا الجانبين بعد سيطرة الجيش الروسي عليها في 2014، ومن شأنها زيادة الضغط على القيادة الروسية التي لن تتوانى في الاستماتة للدفاع عنها. على الجانب الآخر سيكون لها تأثير محفز للأوكرانيين للقيام بمزيد من الخطوات الجريئة على مختلف الجبهات. أما عسكريا، فإن موقعها الاستراتيجي الحيوي علي البحر الأسود يجعل منها نقطة انطلاق للقوات الروسية البرية والبحرية مستقبلا جنوب أوكرانيا لتحقيق هدف السيطرة على المواقع الحيوية. إذا استعادت أوكرانيا القرم ستصعب كثيرا عملية دعم القوات الروسية لوجستيا في الجنوب وستدفع البحرية الروسية بعيدا نحو الشرق".

يضيف مينا عادل: "يتم التمهيد لهذه المواجهة منذ بداية الهجوم المضاد الأوكراني الأول جنوبا والذي كان هدفه السيطرة على خيرسون مع ما يشكله ذلك من خطوة حيوية لمعركة القرم. لذلك تركزت الدفاعات الجوية والزخم العددي الأكبر من الجيش الروسي لصد هذا الهجوم الذي كان متوقعا، لأن بدخول خيرسون والسيطرة عليها سيتيح ذلك للمدفعية الأوكرانية وبالأخص الموجهة (هيمارس) تسديد ضربات للقوات الروسية في جزيرة القرم، وهو أمر حيوي لتغطية المجهود البري مع قلة نشاط القاذفات الأوكرانية في ظل وجود الدفاعات الجوية ونشاط سلاح الجو هناك من الجانب الروسي".

كيف يمكن تحصين شبه جزيرة القرم ضد أي هجوم أوكراني؟

أوضح الخبير الاستراتيجي د. عمر الرداد بأن "القيادة الروسية ستستخدم كل أسلحتها للحيلولة دون وصول الأوكرانيين إلى القرم، لأن ذلك يعني خسارة روسيا للحرب". ويضيف: "من المؤكد أن الجيش الروسي قد أعد خططا لمواجهة أي تقدم أوكراني من خلال تعزيز القطاعات العسكرية والدفاعات الجوية لمواجهة الصواريخ والطائرات المسيّرة، لكن يجب أن ندرك أن أوكرانيا لن تغامر بالدخول البري للقرم في هذه المرحلة".

ويضيف محمود الأفندي المحلل السياسي وأستاذ الأكاديمية الروسية: "القرم محصنة لأن الحدود البرية بيد روسيا منذ بداية العملية العسكرية. هناك خطأ إعلامي شائع يقول إن روسيا انسحبت من خيرسون، رغم أن قواتها انسحبت فقط من الضفة الغربية منها وهي لا تشكل سوى 15 بالمئة من هذه المنطقة الموصولة مع جزيرة القرم، كما أنها محصنة لأن 85 بالمئة من أراضي خيرسون لا تزال تحت سيطرة روسيا".

يشرح لنا مينا عادل المحرر المتخصص في الطيران الحربي سبل صد الروس للهجوم الأوكراني المحتمل على القرم ويقول: "منذ بداية عملية الانسحاب الروسي جنوبا، كان الروس يجهزون الكثير من العوائق الأرضية على شكل هرمي والتي تعوق حركة الدبابات والعربات فيما عرفت بعد ذلك بـ (أسنان التنين) بجانب الخنادق المعتادة. كما أن هناك المدفعية الروسية التي كانت منذ شهر مارس/آذار أحد أهم الوسائل الناجحة للجيش الروسي من حيث الكثافة والدقة بجانب الربط مع الطائرات بدون طيار. إلى جانب ذلك تحتوي القرم على قوة جوية روسية في قاعده بيليبك تشمل على قاذفات السو 34 و25 بجانب مقاتلات 35 وميج 31، هذه التركيبة ستنشط كثيرا حيث ستحرص على أن تواجه المقاتلات والقاذفات الأوكرانية، بجانب تنفيذ الكثير من المهمات ضد الدفاع الجوي الأوكراني لإفساح المجال لباقي القاذفات أو الصواريخ الجوالة المطلقة من الجو أو البحر أو حتى طائرات بدون طيار لتسديد ضربات للقوات الأوكرانية المتقدمة وللدعم الخلفي القادم لها".

ويتابع الباحث في الشؤون العسكرية: "هناك أيضا الدفاعات الجوية من مختلف الأنواع مثل إس 300/400 وبوك وتور والبانتسير سيكون لديها مهمة كبيرة لصد أي هجوم جوي سواء من صواريخ أو الطائرات بدون طيار الانتحارية أو القاذفات في ترابط تام مع طائرة الإنذار المبكر من طراز (إيه 50). كما هناك المزيد من قدرات التشويش الإلكتروني من المنظومات الأرضية أو من الجو من خلال طائرات (اليوشن 22 بي بي - ميوت) لإحداث إرباك على مستوى منظومات الرصد أو الاتصالات للجيش الأوكراني أو حلفائه".

هل القوات الأوكرانية قادرة على التقدم في القرم؟

بالنسبة للمحلل السياسي د. عمر الرداد فإنه "يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن القرم تشكل نقطة ضعف روسية، خاصة وأن قواعدها العسكرية تعرضت لضربات موجعة خلال الحرب، شكلت انكشاف نقاط الضعف في البحرية الروسية مثل ضرب الطراد مسكوفا. إلا أن تقدم القوات الأوكرانية باتجاه القرم لن يكون قرارا ستصدره كييف بل قرارا أمريكيا أو بريطانيا، وسيكون مرتبطا بحجم الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا". وهو يضيف: "مع ذلك فإن مستويات التصعيد ستبقى مرتبطة ليس بالقيادة الأوكرانية بل بما تخطط له واشنطن ولندن بممارسة أقصى الضغوط على الرئيس بوتين لإجباره على إجراء مفاوضات مع أوكرانيا بدون شروط مسبقة".

أما محمود الأفندي أستاذ الأكاديمية الروسية فهو يرى أن تحقيق القوات الأوكرانية تقدما في شبه جزيرة القرم هو "من سابع المستحيلات لأنها بحاجة إلى أسطول بحري هي لا تملكه. يجب أن يستعملوا أسطول الناتو، لكن هناك قطعة بحرية روسية تحول دون التقدم البحري، أما بريا فيجب أن يسيطر الأوكرانيون على كامل منطقة خيرسون حتى يكون في مقدورهم دخول جزيرة القرم. المنطقة مغلقة بالنسبة لهم ولا يوجد أي خطر على القرم".

من جانبه، يرى الباحث العسكري مينا عادل بأن "كون هذه المعركة ستدور خلال شهور الشتاء فهذا سيجعلها مختلفة، بسبب عرقلة العوامل المناخية وسوء الأحوال الجوية للحركة والمناورة بالقوات في الميدان، ما سيتطلب ابتكار خطط جديدة على المستوي الاستراتيجي والتكتيكي مثلما كان في حرب الشتاء في فنلندا ومعركة الثغرة في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تم الاعتماد على المجموعات الخفيفة والمموهة جيدا لتقوم بعمل أكبر ضرر ممكن، وهو ما يناسب القوات الأوكرانية الآن لاستغلال الزخم القتالي والمعنويات العالية بعد معركة خيرسون لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة قبل فصل الربيع. إلى جانب ذلك يمكن استكمال الاستراتيجية الأساسية من خلال اعتماد كافة الوسائل المتاحة محليا ومن الحلفاء للاستطلاع لرسم صورة واضحة عن الميدان، إضافة إلى إمكانية تحديد مقرات القيادة والمدفعية وخطوط الدعم والنقاط الحصينة والدفاعات الجوية، وتحديد الأسلحة اللازمة للتعامل مع الأهداف باستخدام المدفعية الموجهة أو المسيّرات الانتحارية من الجو أو البحر أو حتى من سلاح الجو. يجب على الأوكرانيين أيضا الحرص على محاولة تقليل التواجد لسلاح الجو الروسي بصفة مستمرة بواسطة وسائل الدفاع الجوي المختلفة".

ما الذي يعنيه قطع أوكرانيا للمياه عن شبه جزيرة القرم؟

قال الخبير الاستراتيجي د. عمر الرداد إن "قطع المياه العذبة من أوكرانيا إلى القرم يعني تحويل شبه الجزيرة إلى منطقة يصعب العيش فيها، وهو ما تدركه القيادة الروسية، خاصة وأنه سيشكل عنوانا لهزيمة مشروع الرئيس بوتين في أوكرانيا. لذا لا يستبعد أن تقدم روسيا على خطوات من بينها تفجير السدود لإغراق خيرسون، بالإضافة لشن ضربات صاروخية تستهدف البنى التحتية وخاصة محطات توليد الكهرباء في المدن الأوكرانية بهدف إجبار كييف على استمرار تأمين المياه للقرم وتقديم تنازلات في المفاوضات".

وأوضح المحلل السياسي محمود الأفندي قائلا: "منذ استقلال جزيرة القرم قام الأوكرانيون بإغلاق السد في خيرسون الذي كان يوفر المياه لشبه الجزيرة وفعليا فالمنطقة هي منذ ثماني سنوات بدون مياه عدا ما توفره روسيا خصوصا من محطات تحلية على البحر الأسود، رغم ذلك هناك أصلا شح بمياه الشرب والمياه المخصصة للري الزراعي. منذ بداية العملية العسكرية واستيلاء الروس على خيرسون أعادوا فتح المياه في 2 مارس/آذار وهي متوفرة بالقرم حاليا ولا خطر على سقاية شبه الجزيرة بالماء إلا في حال قصف الأوكرانيون سد كاخوفكا الذي قد يتسبب في حدوث فيضانات تؤدي فعليا إلى إعطاب السد الموجود في خيرسون لكن لا أعتقد أن هناك خطرا، كل هذا مجرد دعاية أوكرانية".

هذا، واعتبر مينا عادل محرر الطيران الحربي بمجلة Scramble Magazine بأن لجوء الأوكرانيين إلى قطع الماء عن شبه جزيرة القرم "هي كرد انتقامي معنوي على تدمير البنية التحتية للبلاد. وهي وإن تمت لن تكون الأولى فقد قام الأوكرانيون سابقا بقصف محطة كهرباء في بيلغورد كرد على تدمير محطات الكهرباء في البلاد".

ما أهمية شبه جزيرة كينبورن التي تقول القوات الأوكرانية إنها سيطرت عليها؟

يرى د. عمر الرداد بأن "أهمية جنوب خيرسون وشبه جزيرة كينبورن بالنسبة لأوكرانيا هي كون السيطرة على هذه المناطق يعني قطع شرايين الحياة عن القرم. وعلى أية حال يبدو أن الاندفاع الأوكراني باتجاه استعادة المزيد من الأراضي في جنوب خيرسون وميكولاييف يأتي بعد ثبوت حالة الارتباك التي يعيشها الجيش الروسي في أوكرانيا، وتبدل الخطط العسكرية، وشعور الأوكرانيين بنشوة الانتصارات".

ويقول محمود الأفندي إن أهمية شبه جزيرة كينبورن هي أنها "ستصبح منطلق للعمليات العسكرية نحو مناطق جديدة في خيرسون. رغم أنها منطقة خالية ولا تتوفر على أي قوات، فإن من الصعب على القوات الأوكرانية السيطرة عليها، لأنه في حال حصل ذلك، فسيوجه ضربة للقوات الروسية، لكن الأخبار عن السيطرة الأوكرانية عليها هو أيضا مجرد دعاية هم يبحثون عن نصر جديد بعد خيرسون، فيما هي لا تزال تحت سيطرة روسيا".

وبالنسبة إلى الباحث العسكري مينا عادل فإن شبه جزيرة كينبورن هي "نقطة حيوية للتحكم في موانئ خيرسون، وميكولاييف تبعد 4 كيلومترات فقط من أوشاكيف الأوكرانية، وبالسيطرة عليها سيفقد الروس موقع استراتيجي لإطلاق المدفعية باتجاه القوات الأوكرانية في الجنوب وهو أحد أساسيات الاستراتيجية الأوكرانية التي تقضي بحرمان الجانب الروسي من نقطة تفوقه وتخفيف الضغط على قواتها الموجودة في البحر الأسود. كما أن وجود الهيمارس الأوكراني في هذه المنطقة سيعرض الخطوط اللوجستية الروسية في القرم للخطر، وهو أيضا أمر حيوي وكشف للقوات الروسية. يمكن توقع المزيد من الهجمات بواسطة القوارب غير المأهولة على ميناء سيفاستوبول لمحاولة تقليل خطر انخراط البحرية الروسية في المعركة".

هذا المحتوى من

AFP

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان