إعلان

أزمة أوكرانيا.. نقطة ضعف أم فرصة جيوسياسية للاتحاد الأوروبي؟

06:23 م السبت 15 يناير 2022

الاتحاد الأوروبي

(دويتشه فيله)

مع اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لإيجاد موقف مشترك حيال الأزمة في شرق أوكرانيا، ورغم تضاؤل الدور الجيوسياسي للتكتل في المواجهة مع روسيا، إلا أن مراقبين يرون أن الأزمة قد توفر حافزا لتقوية الوحدة الأوروبية.

يرى مراقبون أن القوة السياسية للاتحاد الأوروبي لم تظهر بشكل ملحوظ فيما يتعلق الأزمة في شرق أوكرانيا خلال الأسبوع الجاري إذ أجرى مسؤولون كبار من الولايات المتحدة وروسيا مباحثات في جنيف حول الأزمة الأوكرانية دون تخصيص مقعد للتكتل الأوروبي على طاولة المفاوضات، ولم يشارك أي مسؤول من الاتحاد الأوروبي في المباحثات، ما دفع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للمطالبة بإشراك أوروبا في المفاوضات.

وفي بروكسل، عُقدت مباحثات ثنائية الأربعاء الماضي في إطار مجلس الناتو-روسيا في مقر حلف شمال الأطلسي وليس داخل مقر المجلس الأوروبي الذي يجمع رؤساء دول وحكومات التكتل. والخميس الماضي، اختتمت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الجهود والمباحثات الدبلوماسية بين الدول الغربية وموسكو في مقر المنظمة في فيينا.

وكان المجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا قد بدأ محادثات في فيينا في إطار جولة الحوار الدبلوماسي الثالثة والأخيرة بعد جنيف وبروكسل لنزع فتيل الأزمة في أوكرانيا.

وجاءت الاجتماعات على وقع اتهامات الدول الغربية لروسيا بحشد 100 ألف جندي قرب حدود أوكرانيا، إذ تطالب الدول الغربية بانسحاب القوات الروسية وسط مخاوف من غزو روسي لأوكرانيا.

في المقابل، تطالب روسيا حلف الناتو بسحب قواته من بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة ووقف أي خطط للتمدد شرقا بل واستبعاد انضمام أوكرانيا إلى الحلف وهي مطالب تعتبرها واشنطن غير واقعية فيما تؤكد على ضرورة المضي قدما في المحادثات مع موسكو.

وفي ضوء كل هذه المتغيرات والمباحثات، يبدو أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يجلس في مقعد المتفرجين ويراقب الأزمة من بعيد.

"عودة لفترة ما بعد الحرب الباردة"

وفي إطار أسبوع مزدحم بالتحركات الدبلوماسية، اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يومي الخميس والجمعة في مدينة بريست الفرنسية لمناقشة التوترات في المنطقة.

وقبل انطلاق المباحثات غير الرسمية، قال مصدر دبلوماسي فرنسي للصحفيين إن الاتحاد الأوروبي "منخرط بشدة في المناقشات الجارية بشأن أوكرانيا. نحن ننسق بشكل وثيق مع الولايات المتحدة حيث يطلعنا الجانب الأمريكي على نتائج المباحثات (مع الجانب الروسي)".

ورغم ذلك، يتساءل المراقبون عن الأسباب وراء ضآلة الدور الذي يلعبه التكتل الأوروبي في أزمة تقع على أعتاب حدوده.

وفي ذلك، قال جاك روبنيك – رئيس قسم الأبحاث في معهد الدراسات السياسية بباريس- "تتشابه الفترة الحالية مع الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث كان يقرر الأمريكيون والروس مصير أوروبا". وفي مقابلة مع DW، أضاف أن "الوضع الحالي يظهر مدى تعقيد الأمور ما يمثل تحديا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تعهد بمنح أوروبا استقلالية استراتيجية".

وتتولى فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي منذ يناير ولمدة ستة أشهر.

وكان ماكرون المؤيد للاتحاد الأوروبي قد حدد في ديسمبر الماضي هدف الرئاسة الفرنسية للتكتل الأوروبي في جعل "أوروبا قوية في العالم وذات سيادة كاملة وحرة في خياراتها وسيدة لمصيرها".

وفي هذا السياق، أعلن ماكرون عن أجندة طموحة تشمل إصلاح منطقة شنغن مع تشديد الرقابة على الحدود الخارجية لأوروبا وتعزيز التعاون بين أجهزة الأمن والشرطة بين بلدان الاتحاد وعقد صفقة اقتصادية جديدة مع إفريقيا فضلا عن إيجاد سياسة دفاع أوروبية مشتركة.

الوحدة الأوروبية "حاسمة"

بدوره، يرى روبنيك أن المعطيات الجارية تفرض على الاتحاد الأوروبي الخروج من عباءة "القوة الناعمة" التي تقتصر على الجوانب الاقتصادية والتجارية إلى أن يصبح "قوة صلبة" من الناحية الجيوسياسية. بيد أن هذا التحول يتطلب الوصول إلى إجماع أوروبي بالغ أهمية وتجاوز الخلافات بين بلدان الاتحاد. وأضاف روبنيك "لا يزال هناك تباينا في رؤى دول الاتحاد الأوروبي حيال التهديدات التي يواجهها التكتل فعلى سبيل المثال لا يساور إيطاليا نفس القلق الذي ينتاب بولندا حيال الوضع الأمني شرقا". وأشار إلى أن فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت قاسية بالنسبة للتحالف الأمريكي-الأوروبي، مضيفا "كان ترامب أول رئيس أمريكي يصف الاتحاد الأوروبي بـالعدو". وأكد على أنه عقب حقبة ترامب عمد التكتل الأوروبي على تقييم مواقف الولايات المتحدة بشكل مختلف.

ويتفق في هذا الرأي بريندان سيمز - مدير مركز الجغرافيا السياسية في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة.

وفي مقابلة مع DW، قال "يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى التحول إلى أن يكون دولة واحدة برئيس واحد وبرلمان واحد حتى يصبح لاعبا جيوسياسيا قويا. فعن طريق الوحدة تمكنت الولايات المتحدة التي كانت تتألف من خمسين ولاية في تشكيل دولة واحدة وتجميع قوتها." بيد أن سيمز أقر بأن تحقيق بلدان الاتحاد الأوروبي هذه الوحدة الكاملة يعد أمرا غير مرجح حدوثه حاليا، مضيفا "للأسف مع استمرار هذا الوضع ، لن يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على فعل ما يريد إذ ستظل قوته مشتتة".

"من رحم الانقسام تولد الوحدة"

ورغم هذه النظرة التشاؤمية حيال إمكانية تحقيق وحدة أوروبية كاملة، إلا أن بعض المراقبين للشأن الأوروبي يرون أن الأمر يحمل في طياته بعض الجوانب الإيجابية. "رب ضارة نافعة"، بهذه العبارة وصفت صوفي بورنشليغل - المحللة السياسية في مركز السياسات الأوروبي ومقره بروكسل – الوضع داخل الاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع DW، قالت "إن الوضع الحالي يُظهر أن الولايات المتحدة لا تتردد في تجاوز أوروبا حتى عندما يتعلق الأمر بصراع يحدث في دولة تقع في الجوار الأوروبي". وشددت أن هذا الأمر قد يدفع بلدان الاتحاد الأوروبي إلى التوصل إلى موقف دفاعي مشترك بشكل أكثر إلحاحا.

وفي هذا السياق، أضافت "يتعين على أوروبا في الوقت الحالي الاعتراف بأن العالم تهيمن عليه قوى متنافسة مثل الصين والولايات المتحدة، لذا يتعين علينا التحرك قبل أن نفقد زمام الأمور في المستقبل ويتم تجاوزنا".

وفي هذا الصدد، يحدو بورنشليغل الأمل في أن يجد الاتحاد الأوروبي المزيد من القواسم المشتركة في مارس المقبل عندما تتبنى البلدان الأوروبية ما يعرف بـ "البوصلة الاستراتيجية" التي من شأنها أن تحدد توجهات التكتل في المجالين الدفاعي والأمني للعقود المقبلة في إطار طموحات ماكرون. وذهبت الباحثة السياسية إلى القول بأن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بريست قد يمهد الطريق جزئيا أمام إبرام مثل هذا الاتفاق.

من جانبه، يرى جاك روبنيك – رئيس قسم الأبحاث في معهد الدراسات السياسية بباريس- أن الفترة المقبلة ستشهد تقاربا أكبر وأكبر بين بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة في قضايا الهجرة. وأضاف "في الوقت الحالي هناك إجماع على ضرورة أن تستعيد البلدان الأوروبية السيطرة على حدودها الخارجي في حالة استمرار الوحدة بين هذه الدول، وإلا ستزداد وتيرة القومية أكثر داخلها". وقال "وفي هذا السياق، يمكن أن يشكل الاتحاد الأوروبي تكتلا موحدا أكثر في المستقبل."

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: