عضو "لجان الموت" ومقرب من خامنئي.. من هو رئيس إيران الجديد إبراهيم رئيسي؟
كتبت- رنا أسامة:
في نتيجة كانت شبه محسومة، أعلنت إيران فوز المرشح المتشدد والخاضع للعقوبات الأمريكية، إبراهيم رئيسي، برئاسة البلاد بعد أن حصد 62 بالمائة من أصوات الناخبين، خلفًا للرئيس الإصلاحي حسن روحاني الذي قضى فترتي رئاسة، ليُصبح بذلك ثامن رئيس منذ الثورة التي أطاحت بنظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979.
ولم تُعرف حتى الآن بدقة نسبة الإقبال على التصويت، فيما يبلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت 59 مليونا و310 الاف و307 أشخاص.
وهذه المرة الثانية في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يطمح فيها رئيس السلطة القضائية أن يصبح رئيسًا منتخبًا على رأس السلطة التنفيذية، بعد علي أكبر ناطق نوري.. فماذا نعرف عن الرئيس الإيراني الجديد؟
مُقرب من خامنئي ومتصل بمراكز القوى
إبراهيم رئيسي المرتبط بانتهاكات حقوقية جسيمة، لم يكن معروفًا تقريبًا بالنسبة لغالبية الإيرانيين لسنوات، إلى أن أصبح واحدًا من أبرز الشخصيات في إيران، وحلّ في صدارة الخلفاء المُحتملين للمرشد الأعلى آية الله خامنئي ذي الـ82 عامًا.
ووفق موقع "إذاعة أوروبا الحرة"، فإن السبب الرئيس وراء شهرة رجل الدين الإيراني المتشدد البالغ من العمر 60 عامًا يعود إلى كونه أحد المقربين الأكثر ثقة من خامنئي، الأمر الذي دفع لتعيينه في عام 2016 رئيسًا لإحدى المؤسسات الدينية الأكثر ثراءً في البلاد، ورئيسًا للسلطة القضائية القوية بعدها بـ3 أعوام.
وكخامنئي، يؤمن رئيسي بتفسير صارم للفقه الإسلامي كأساس للدولة والحكومة. وفضلاً عن كونه يُعارض فتح إيران أمام المستثمرين الأجانب، ويكيل الانتقادات للولايات المتحدة، فإنه يدعم فكرة المحادثات بشأن الاتفاق النووي، التي قد تُفضي إلى إزالة العقوبات عن طهران، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وعلاوة على ثقة خامنئي، يُمكن أن يتباهي رئيسي أيضًا بصلاته بالشخصيات المؤثرة ومراكز القوى، بما في ذلك فيلق الحرس الثوري الإيراني، الذي أشاد قائده اللواء حسين سلامي به العام الماضي لمحاربته الفساد، قائلا إن جهوده "بعثت روح الأمل والثقة" في المجتمع.
قال سعيد جولكار، محلل الشؤون الإيرانية المقيم في الولايات المتحدة، لـ"إذاعة أوروبا الحرة"، إن "انتخاب رئيسي من شأنه أن يُعزز ثقة خامنئي به"، مُضيفًا أن السنوات الأربع المقبلة قد تُمثل "فترة تدريب" بالنسبة لرئيسي.
وتابع: "يبحث خامنئي عن مساعد تنفيذي لإدارة السياسة اليومية، وليس ممثلاً سياسيًا مستقلاً قادرًا على تحدّيه أو تحدّي سياسته".
محافظ متشدد
وُلد رئيسي الحائز على شهادة دكتوراه في الفقه الإسلامي، لعائلة من رجال الدين في شمال شرق مدينة مشهد، ثاني أكبر مدينة بإيران. كان والده رجل دين من منطقة دشتك في مدينة زابُل بمحافظة سيستان وبلوشستان.
سجله الدراسي التفصيلي غير واضح إلى حدٍ ما، رغم أنه من المعروف أنه التحق لأول مرة في سن الـ15 عامًا بمدرسة قم، سابع أكبر مدن البلاد على بعد 140 كيلومترًا جنوبي طهران.
يُعرف باسم "حجة الإسلام"، أو "سلطة الإسلام"، فيما تُشير إليه بعض وسائل الإعلام الإيرانية على أنه "آية الله"، وهي أعلى رتبة لرجال الدين الشيعة. ويدّعي أن نسبه يعود إلى النبي محمد، بحسب صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية.
بدأ رئيسي حياته المهنية بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية عام 1979، حينما تقلد منصب المدعي العام لمدينة كرج، خارج طهران، بعُمر العشرين.
انتقل إلى العاصمة الإيرانية في عام 1985، حيث عُيّن نائبًا للمدعي العام، ثم رئيسًا للادعاء العام في طهران. كما شغل منصب نائب رئيس القضاء والمدعي العام.
ولا يزال رئيسي يشغل منصب رئيس السلطة القضائية القوية- وهي أداة تستخدمها المؤسسة الإيرانية لإسكات المعارضة. كما أنه نائب رئيس مجلس الخبراء المُكلف بمراقبة عمل المرشد الأعلى واختيار المرشد القادم.
لجان الموت
بصفته المدعي العام في طهران، لعب رئيسي دورًا في أحد أحلك فصول الجمهورية الإسلامية: الإعدام الجماعي للسجناء السياسيين عام 1988 بعد فتوى لمؤسس الجمهورية آية الله روح الله الخميني.
في ذلك الوقت، كان رئيسي قاضيًا في محكمة طهران الثورية، التي كانت تخضع لعملية تطهير ضد المعارضين، بعد استيلاء المتشددين على السلطة عام 1979.
وكان عضوًا فيما يسمى بـ"لجنة الموت"، التي جرى تشكيلها لاستجواب السجناء حول معتقداتهم الدينية وانتماءاتهم السياسية وأرسلت آلاف الإيرانيين لتنفيذ عمليات إعدام بحقهم، غالبًا بعد محاكمات دامت بضع دقائق. وأُعدِم وقتذاك نحو 30 ألف شخص في أقل من شهرين فيما أُطلق عليها "مذبحة إيران".
وفي مقابلة عام 2017 مع مركز حقوق الإنسان بإيران، قال المؤرخ إرفاند أبراهاميان الذي كتب بإسهاب عن تلك الإعدامات: "أصدر الخميني فتوتين بضرورة معاقبة كل المعارضين للنظام الإيراني في المعتقلات والسجون بالقتل، وتشكيل لجان معنيّة بذلك (لجان الموت). ويبدو أنه أراد إعدامهم. لا بد أنه كان يعتقد أن رئيسي كان شخصًا مناسبًا لذلك".
ولم يعترف رئيسي قط علنًا بدوره في عمليات الإعدام، حتى أثناء حملته الانتخابية للرئاسة في عام 2017.
وأصدرت "لجان الموت" أحكامًا جماعية بالإعدام ضد سجناء سياسيين معظمهم في الدرجة الأولى من "مجاهدي خلق" وأيضّا من التنظيمات اليسارية، وأصدرت بحقهم أحكامًا بالإعدام، في حين كانوا يقضون وقتها أحكاما سابقة بالسجن، وكان الكثير منهم على وشك التسريح من السجن بعد انتهاء فترة الحكم.
"شخصية خطيرة"
ومع فوزه بالرئاسة، ينظر كثيرون إلى رئيسي باعتباره "شخصية خطيرة" قد تساعد في تعزيز قوة المتشددين والأجهزة الأمنية المخيفة في إيران، بما في ذلك فرع المخابرات في الحرس الثوري الإيراني، الذي كان وراء اعتقال عشرات النشطاء وعلماء البيئة ومزدوجي الجنسية، بحسب "إذاعة أوروبا الحرة".
قال علي فتح الله نجاد، الباحث المنتسب إلى جامعة برلين الحرة، لإذاعة أوروبا الحرة: "بالرغم من أن رئيسي هو رجل الدين الوحيد من بين المرشحين المعتمدين، يُتوقع أن يزداد ثقل الحرس الثوري الإيراني في ظل رئاسته".
في عام 2017، قال إيرانيون عِدة إنهم صوتوا للرئيس روحاني لحيلولة رئيسي دون أن يصبح رئيسًا، لكن هذه المرة، أُصيب الإيرانيون بخيبة أمل شديدة أفضت إلى مقاطعة واسعة للانتخابات. ومع ذلك، حلّ في الصدارة بعدما أقصى "مجلس صيانة الدستور" عددًا من المرشحين الإصلاحيين الأقوياء مثل، رئيس البرلمان الإيراني السابق، علي لاريجاني.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أقدم عدد من الإيرانيين في مدن مختلفة، على حرق وتمزيق الصور الدعائية له، تنديدًا بالوضع المعيشي المُتردّي والاقتصادي المزري.
بزوغ نجمه بعد الهزيمة الرئاسية لعام 2017
ترشّح رئيسي سابقًا في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2017 ضد روحاني، لكنه فشل بعد أن حصد 38 بالمائة فقط من أصوات الناخبين.
بيد أن الهزيمة الرئاسية لرئيسي لم تقضِ على طموحه السياسي، إذ استغل فترة ولايته في القضاء لتلميع صورته، لا سيّما من خلال حملة "لمكافحة الفساد"، يقول بعض النقاد إنه استخدمها لـ"تهميش منافسيه المُحتملين"، وعلى رأسهم، رئيس القضاء السابق، صادق أمولي لاريجاني- شقيق رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني- الذي حوكم نائبه أحمد الطبري بتهمة الفساد.
حيازة قمعية
خلال الفترة التي قضاها رئيسي في القضاء، واجه علماء البيئة والنشطاء وغيرهم أحكامًا قاسية بالسجن، بينما استمر الضغط على وسائل الإعلام، لا سيّما مؤخرًا مع تعرض عدة صحفيين للتهديد بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد رئيسي.
وفي أواخر العام الماضي، أُعدم المصارع الشاب نويد أفكاري، على خلفية الاشتباه بمشاركته في الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية عام 2018. ووصفت جماعات حقوق الإنسان ما حدث بأنه "استهزاء بالعدالة".
وفي حملته، يواصل رئيسي تصوير نفسه على أنه "مناضل صليبي" ضد الفساد والفقر، بينما يعد بمكافحة "اليأس" في وقت سخط على الاقتصاد المتعثر، الذي سحقته العقوبات الأمريكية وخيبة الأمل واسعة النطاق في البلاد حول حالة سياستها وضعف احتمالات التغيير.
"مُرشح الفقراء"
وحاول رئيسي العزف على وتر مطالب الشعب الإيراني، فوعد بتشكيل "حكومة شعبية" و"إيران قوية"، وإجراء تغيير جوهري في الإدارة التنفيذية، وخلق مليون فرصة عمل في العام، والمساعدة لتحقيق 700 ألف زواج في السنة، مع إبراز أصوله المتواضعة.
كتب في أحد ملصقات حملته: "لقد ذقت الفقر، ولم أسمع عنه فقط". ويقول رئيسي في أحد ملصقات حملته الانتخابية: "لقد ذقت الفقر، ولم أسمع عنه فقط"، في إشارة إلى أنه "مرشح الفقراء".
وقال في فيديو حملته على الإنترنت: "أعزائي الشباب، إذا شعرتم بالإحباط لأي سبب من الأسباب، فعليكم أن تعلموا أنه في ظل الحضور النشط في الساحة الانتخابية، يمكن تشكيل حكومة شعبية قوية".
View this post on Instagram
فيديو قد يعجبك: