محلل بريطاني: انسحاب بايدن من أفغانستان يقوض استراتيجيته العالمية
واشنطن-(د ب أ):
أثار قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول سبتمبر المقبل، مخاوف أمنية على أصعدة مختلفة بشأن إمكانية عودة طالبان للسيطرة على البلاد، وما لذلك من تداعيات ليس فقط على الأفغان ولكن المحيط المجاور وربما ما هو أوسع من ذلك.
وقال المحلل البريطاني، ريتشارد كيمب، القائد السابق في الجيش البريطاني، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، إن سحب بايدن غير المشروط للقوات الأمريكية من أفغانستان قد تكون له عواقب وخيمة وخطيرة أوسع بكثير من إمكانية أن يقوض ذلك البلد استراتيجية الأمن القومي التي كشف عنها بفخر قبل أيام فقط من الإعلان عن انسحابه.
وأضاف كيمب، الذي يعمل حاليا كاتبا وباحثا في الشؤون الدولية والعسكرية، إنه في عام 1982، قال الأدميرال السير هنري ليتش، قائد البحرية الملكية، لرئيسة وزراء بريطانيا سابقا، مارجريت تاتشر إنه إذا لم تسترد بريطانيا جزر فوكلاند عندما غزت الأرجنتين، "سنعيش في غضون بضعة أشهر أخرى في بلد آخر لا تهم كلمته إلا القليل". وكان يعلم أن الفشل في مقاومة ديكتاتور استولى بالقوة على الأراضي ذات السيادة سيكون ضوءا أخضر لمثل هذا العدوان في كل مكان.
وكانت نفس الحسابات أساس قرار الرئيس جورج بوش الأب بإطلاق العنان لأحد أقوى الجيوش في التاريخ في أعقاب غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت في عام 1990.
والأسوأ بكثير من عدم التدخل هو التدخل الذي يبوء بالفشل. والانسحاب من أفغانستان هو مجرد انعكاس لذلك. ولم يأمر بايدن القوات الأمريكية بالذهاب إلى هناك في عام 2001، لكنه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في ذلك الوقت، أيد ذلك بقوة. وفي وقت لاحق قال: "سيحكم علينا التاريخ بقسوة إذا سمحنا لأمل أفغانستان المحررة بأن يتبخر لأننا فشلنا في البقاء على المسار".
ويقول كيمب: "لن يكون التاريخ وحده هو الذي يحكم على فشل بايدن في البقاء على المسار الآن، بل على حلفاء أمريكا وأعدائها ومنافسيها في مختلف أنحاء العالم".
وجاء في توجيهات بايدن الاستراتيجية للأمن القومي في مارس 2021: "إن السلطوية تمضي في مسيرة عالمية، ويجب أن ننضم إلى الحلفاء والشركاء ذوي التفكير المماثل لتنشيط الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. وسنعمل جنبا إلى جنب مع الديمقراطيات الزميلة في جميع أنحاء العالم لردع وصد العدوان من جانب الخصوم المعادين. وسنقف إلى جانب حلفائنا وشركائنا لمكافحة التهديدات الجديدة التي تستهدف ديمقراطياتنا".
ويؤكد بايدن على ضرورة العمل مع حلف شمال الأطلسي وغيره من الحلفاء، وهو ما يصفه بأنه "أعظم رصيد استراتيجي لأمريكا".
لكن الكاتب يقول إن انسحاب بايدن غير المشروط من أفغانستان أثار أول بيان علني للمعارضة ضد السياسة الأمنية الأمريكية كان من بريطانيا، أقرب حليف عسكري لأمريكا والعضو التالي الأقوى في حلف شمال الأطلسي. وقبل قرار بايدن، عارضت كل من فرنسا وألمانيا، الانسحاب في الظروف الحالية، وردد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج وجهات نظرهما.
ويخشى حلفاء الولايات المتحدة الذين استثمروا هم أنفسهم موارد عسكرية واقتصادية ضخمة في أفغانستان من عودة طالبان إلى السلطة ومن حمام الدم الذي من المرجح أن يصاحب ذلك. ويشاطرهم مخاوفهم الجنرال كينيث ماكينزى قائد القيادة المركزية الأمريكية المسؤول عن أفغانستان الذى ابلغ لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضى أن القوات الأفغانية قد تنهار بعد الانسحاب الأمريكى .
ويخشى شركاء الولايات المتحدة أيضا من تهديد مكثف من الجهاديين العالميين. ومن شأن تنظيم القاعدة - إلى جانب تنظيم داعش- خراسان، الذي يتعاون معه في بعض الأحيان، أن يستعيد قاعدته المفضلة للهجوم على الغرب. وكما كان الحال من قبل، سوف يتدفق مواطنون غربيون على أفغانستان للتدريب على الإرهاب.
وبرر بايدن انسحابه بالحاجة إلى مواجهة التحديات من الصين وروسيا وتعزيز الحلفاء والشركاء الديمقراطيين ضد الاستبداد. ومن المرجح أن يكون لأفعاله تأثير عكسي.
ويقول الكاتب إن التخلي عن أفغانستان سوف تتذكره الدول في مختلف أنحاء العالم لفترة طويلة وهي تدرس خياراتها بين الولايات المتحدة والأنظمة الاستبدادية.
وقد اعترفت المملكة العربية السعودية بالفعل بأن بايدن لن يحميها من إيران، مع اندفاع إدارته بتهور للانضمام إلى الاتفاق النووي الكارثي وسحب الدعم للمملكة في حربها ضد وكلاء إيران في اليمن. وخوفا على مستقبلهم، يعرف السعوديون أنهم لا يستطيعون الوقوف بمفردهم ضد إيران، وقد فتحوا باب المحادثات مع طهران، وهي خطوة لا يمكن إلا أن تضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة.
وعبر المحيط الهادئ، تعاني تايوان بشكل متزايد من اقتحام القاذفات الصينية لمجالها الجوي، بكثافة أكبر منذ تولي بايدن منصبه. وقال الرئيس الصيني شي جين بينج إن تايوان يجب أن تكون "موحدة" مع الصين، وسوف تكون كذلك، بالقوة إذا لزم الأمر.
ويتساءل الكاتب: ما مدى ثقة تايوان الآن في أن الولايات المتحدة سوف تساعدها بنشاط على المقاومة في حالة غزو الصين؟ والأهم من ذلك أن شي سوف يطرح نفس السؤال في حين أنه يحسب التكلفة المحتملة للتحرك ضد تايوان التي يعتبرها قطعة من بلاده.
ومع حشد القوات الروسية على طول الحدود مع أوكرانيا الشهر الماضي، سيكون شي قد لاحظ أيضا أن بايدن ألغى عبورا للبحر الأسود من قبل سفينتين حربيتين أمريكيتين بعد أن طلبت روسيا من واشنطن الابتعاد، واصفا نشرها البحري المزمع بأنه استفزاز غير ودي.
وعلى غرار سرب من النسور، فإن باكستان وإيران والصين وروسيا سوف تتداعى النسور على الذبيحة الأفغانية بعد انسحاب الولايات المتحدة، على حد وصف الكاتب.
ويرى الكاتب أن كل هذا هو ثمن باهظ لإنهاء ما يسميه بايدن "الحرب الأبدية" في أفغانستان. ولا تزال القوات الأفغانية تعاني من مستويات مروعة من الاستنزاف. وإذا كان الصراع يحتاج إلى خوضه في المقام الأول، فقد يتطلب وجودا دائما، وأحيانا لعقود .
ويمكن النظر على سبيل المثال إلى القوات الأمريكية التي لا تزال منتشرة حتى اليوم في كوريا الجنوبية وألمانيا واليابان. كما يمكن النظر أيضا إلى عواقب انسحاب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما المتعجل من العراق في عام 2011 – الذي أدى إلى صعود تنظيم داعش وعودة القوات الأمريكية المكلفة لما يقرب من عقد آخر وربما أكثر.
فيديو قد يعجبك: