إعلان

35 عاما على تشيرنوبل: الحادث النووي يثقل كاهل الشهود المعاصرين والسياسة

12:31 م السبت 24 أبريل 2021

تشيرنوبل

تشيرنوبل- (د ب أ):

غطاء فولاذي لامع يمتد على أنقاض كتلة المفاعل المنفجر في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية في أوكرانيا. ويغطي البناء الحديث الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 100 متر، والذي اقيم منذ أكثر من أربع سنوات صورة الغطاء الخرساني الرمادي القاتم المطبوعة في الذاكرة . ولكن حتى بعد 35 عاما من وقوع أسوأ كارثة نووية في الاستخدام المدني للطاقة النووية، لا تزال ذكريات الشهود المعاصرين يقظة على نطاق واسع. يقول نيكولاي ستيبانينكو، النائب السابق لرئيس الإدارة الإقليمية للمنطقة متحدثا بعاطفية قبل حلول الذكرى بقليل عن الفوضى في ذلك الوقت: "خطوط الهاتف انقطعت".

كان ذلك في 26 نيسان/أبريل 1986 عندما خرج الاختبار عن السيطرة في الساعة 23ر1 صباحا في المفاعل رقم 4 بمحطة الطاقة النووية فيما كان يعرف آنذاك بالجمهورية السوفيتية. يقول ستيبانينكو: "كان الجو حارا في الصيف. كان القيظ سائدا". كان الحديث في أول الأمرعن حريق، لكن تدريجيا اتضح أنه السيناريو الأسوأ لحادثة نووية، الحادث الأكبر على الأرجح.

الانفجار الذي ليس له مثيل حتى اليوم، والذي تلاه حريق كبير، أدى إلى تناثر جزيئات مشعة في الهواء. 190 طنا إجمالا، بحسب تقديرات خبراء روس في موسكو بمناسبة الذكرى السنوية. انتشرت السحب محملة بالإشعاع الخطير إلى شمال وغرب أوروبا. بالإضافة إلى شمال أوكرانيا، فقد أثر بشكل أساسي على بيلاروس وغرب روسيا. 160 ألف كيلومتر مربع تعتبر ملوثة - مساحة تبلغ ضعف مساحة النمسا. ويقدر خبراء غربيون وقوع عشرات الآلاف من القتلى.

"توسل القرويون القدامى للسماح لهم بالبقاء: لا يهم ما إذا كنت أموت هنا أو في مكان ما في بلد أجنبي"، يقول ستيبانينكو متذكرا الأيام المأساوية بمثل هذه الكلمات التي كان يرددها مواطنون في ذلك الوقت. حينها كان عليه أن ينظم إخلاء المنطقة في دائرة نصف قطرها عشرة كيلومترات في البداية ثم 30 كيلومترا. يقول الرجل البالغ من العمر 88 عاما في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ): "تم قياس الإشعاع واتضح أن مستويات النشاط الإشعاعي تستمر في الارتفاع في كل مكان".

وجرى إخلاء مدينة بريبيات النموذجية، التي صممها الشيوعيون كرمز للتقدم في ذلك الوقت، بسكانها البالغ عددهم 50 ألف نسمة، على نحو سلس نسبيا. مئات الحافلات والشاحنات نقلت المواطنين ومتعلقاتهم. واتبع المسؤولون خطة دفاع مدني خاصة بحالة نشوب حرب نووية. وتم نقل العائلات الشابة بالكامل تقريبا أولا غربا إلى منطقة مجاورة، وانتقل البعض على الفور إلى مساكن أقاربهم. ومنذ ذلك الحين أصبحت بريبيات مدينة أشباح.

لكن في مدينة تشيرنوبل، التي تبعد اثني عشر كيلومترا، بتاريخها الممتد ألف عام وقراها الـ 27 المحيطة بها، واجهت العديد من العائلات البالغ عددها 19 ألف عائلة صعوبات. يقول ستيبانينكو وهو يعقد يديه فوق رأسه: "تمت إزالة مزارع كاملة من القرى". وقامت شاحنات بتحميل أكثر من 50 ألف ماشية من الأبقار والخنازير والماعز والخيول، وتم ترك الدواجن والكلاب.

ونظرا لعدم وجود خطة لما يتعلق بالمكان الذي يجب أن يذهب إليه المعاد توطينهم، تعين على المناطق المجاورة لكييف المساعدة. لكن كان السؤال عن كيفية التعامل مع الخراب النووي شديد الإشعاع يطرح نفسه على وجه الخصوص في ذلك الحين. عمل عشرات الآلاف ممن يسمون بـ"المُصفيين" دون حماية تقريبا في الأيام والأسابيع الأولى لإزالة الأنقاض - بعضهم بأيديهم العارية. كان المطلوب في هذه المهمة أبطال.

في ذلك الوقت، سافر إيليا سوسلوف إلى أوكرانيا من أوزبكستان في آسيا الوسطى في سن الخامسة والعشرين. ومن منتصف آب/أغسطس حتى منتصف تشرين أول/أكتوبر، شارك في بناء غطاء خرساني للركام. يتذكر الرجل البالغ حاليا من العمر 60 عاما قائلا: "لقد كان شعورا غريبا وغير مريح". لم يهتم أي من المسؤولين تقريبا بجرعة الإشعاع التي يتلقاها العمال. في الدراسات الحالية، يفترض خبراء روس أن تعرض السكان للإشعاع كان 90 مرة أعلى مما كان عليه في اليابان بعد إلقاء القنبلة الذرية الأمريكية في هيروشيما في عام 1945.

يقول سوسلوف، وهو متقاعد معاق بسبب مرض ناجم عن الإشعاع: "لقد قمنا بعملنا ببساطة". حتى يومنا هذا لا يمكنه أن يفسر ما دفعه للتطوع للمشاركة في هذا العمل. ربما رغبة في تجريب القليل من المغامرة، موضحا أن المال لم يكن الدافع على الرغم من الأجور الإضافية المرتفعة بشكل غير عادي. الغطاء الجديد، الذي تم بناؤه بأكثر من ملياري يورو وسيستمر 100 عام، عرفه فقط من الصور.

ينظم مقدمو خدمات السفر الماهرون الآن جولات في منطقة الحظر. تتسبب حرائق الغابات والمساحات الخضراء المتكررة هناك في ضجة، حيث تتطاير جسيمات مشعة مرة أخرى من الأرض. تسعى أوكرانيا لاستخدام المنطقة اقتصاديا بشكل متزايد. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل منشأة تخزين مؤقتة للنفايات النووية هناك في تموز/يوليو المقبل. وهذا من شأنه أن يجعل التصدير الحالي للنفايات المشعة وعناصر الوقود المستهلكة إلى روسيا غير ضروري.

واليوم - وبعد 30 عاما من انهيار الاتحاد السوفيتي - أصبحت الدولتان عدوتين بشدة بسبب العدوان الروسي على أوكرانيا. لم يكن التوقف عن استخدام الطاقة النووية، رغم الكارثة الخطيرة، قضية رئيسية في أوكرانيا أو روسيا. ولا تزال محطات الطاقة النووية الأربعة في أوكرانيا تنتج أكثر من 50 في المئة من كهرباء البلاد.

ويعتزم الرئيس الأوكراني افتتاح معرض مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، في الذكرى الخامسة والثلاثين - "كمرحلة تمهيدية"، حيث تُحظر حركة المرور العامة بسبب الحجر الصحي. وفي غضون ذلك يعتزم علماء في روسيا الإشارة في المقام الأول إلى التقدم المحرز في سلامة محطات الطاقة النووية يوم الاثنين المقبل. وتقوم شركة "روساتوم" النووية الروسية ببناء مفاعلات جديدة في العديد من البلدان، كما قامت بتشغيل محطة طاقة نووية عائمة.

وتناولت السينما مجددا الحادثة مؤخرا: "تشيرنوبل" هو اسم الفيلم الأول للمخرج والممثل دانيلا كوسلوفسكي، الذي يلعب دور البطولة في مزيج من دراما الكوارث والدراما الرومانسية. ويجسد الممثل الروسي دور رجل إطفاء يساعد في منع وقوع الأسوأ. الملحمة البطولية هي رد روسيا على المسلسل القصير "تشيرنوبل" من إنتاج شبكة "إتش بي أو" الأمريكية التليفزيونية، الذي حقق نجاحا دوليا. وفي أوكرانيا تم حظر المسلسل منذ البداية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان