خبير استراتيجي: الحديث عن استقلال أمريكا في مجال الطاقة "أكذوبة"
واشنطن- (د ب أ):
يروج بعض الساسة الأمريكيين لمقولة إن الولايات المتحدة الأمريكية حققت الاستقلال الكامل في مجال الطاقة ولم تعد تحتاج إلى الخارج في تلبية احتياجاتها. ولكن والخبير الاستراتيجي الأمريكي في مجال الطاقة جوليان لي يرى أن هذا الحديث أكذوبة يروج لها السياسيون، وأن الولايات المتحدة مازالت بعيدة عن تحقيق الاستقلال الحقيقي في مجال الطاقة.
ويقول جوليان لي، المحلل الاستراتيجي في خدمة "بلومبرج فرست وورلد" للاستشارات، إن تعبير الاستقلال في مجال الطاقة بشكل عام يعني أن الدولة تنتج من مصادر الطاقة الأولية أكثر مما تستهلك. وهذا المفهوم البسيط هو ما يستخدمه السياسيون الآن لدعم وجهة نظرهم، لكنه يخفي مجموعة كبيرة من أوجه الاعتماد المتبادل على الخارج والتي لا يمكن تجاهلها. ولذلك يمكن القول إن هذا المفهوم يمكن أن يشير إلى الاكتفاء الذاتي أكثر مما يشير إلى الاستقلال.
وبحسب تحليل جوليان لي الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء فإن الولايات المتحدة استطاعت خلال 2019 إنتاج مصادر الطاقة الأساسية (النفط والغاز الطبيعي والفحم والوقود الحيوي وبعض الكهرباء) أكثر مما استهلكت، وذلك لأول مرة منذ خمسينيات القرن العشرين، وهو ما دفع البعض إلى إدعاء تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة.
والحقيقة أن التقلبات في قطاع الطاقة الأمريكي حادة للغاية. ففي عام 2019 زاد الإنتاج عن الاستهلاك بما يعادل 412 الف برميل نفط مكافئ يوميا بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. و كان الاستهلاك يزيد عن الإنتاج قبل ذلك بعشر سنوات بنحو 10 ملايين برميل يوميا. وفي عام 2005 كانت الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تبلغ 5ر14 مليون برميل يوميا.
ويقول جوليان لي الذي عمل ككبير محللين في مركز دراسات الطاقة العالمية، إن الحديث عن "الطاقة" بشكل عام يسمح للسياسيين بالإدلاء ببعض التصريحات المذهلة ، لكنه لا يساعد حقًا في فهم ما تعنيه ، وربما الأهم من ذلك هو فهم ما لا تعنيه.
وليست كل مصادر الطاقة واحدة. ففي حين يمكن استخدام النفط والفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية والمياه والرياح والشمس لتوليد الكهرباء بدرجات كفاءة متباينة، مازال الوقود المستخرج من النفط هو الأساس في تشغيل السيارات والطائرات. لذلك فالاختلافات بين مصادر الطاقة الأولية مهمة.
وقبل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في العام الماضي كانت الولايات المتحدة مستوردا صافيا لكل من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة. لكن ازدهار إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة أدى إلى تراجع حاد في حاجة البلاد إلى الاستيراد. كما أن تراجع الطلب على الطاقة نتيجة الجائحة سمح بانقلاب الموازين، ولأول مرة منذ 1952 صدرت الولايات المتحدة في العام الماضي كميات من النفط تفوق الكميات التي استوردتها.
ولا يعني انقلاب الموازين أن الولايات المتحدة حققت بالضرورة الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة. فقد استوردت الولايات المتحدة خلال العام الماضي أكثر من 6 ملايين برميل يوميا من النفط الخام وهو ما يزيد عن نصف كمية الإنتاج المحلي من الخام. وفي حين صدرت الولايات المتحدة خلال العام الماضي نحو 5 ملايين برميل من المكررات النفطية، بلغت وارداتها من هذه المكررات حوالي مليوني برميل من الخارج. وهناك مفاجأة عند النظر إلى قائمة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في هذا المجال حيث تعتبر روسيا ثاني أكبر مصدر للمتجات النفطية إلى الولايات المتحدة بعد كندا. كما أنها استحوذت على نحو ربع إجمالي واردات المكررات النفطية الأمريكية خلال أول 11 شهرا من العام الماضي.
ورغم أن بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تشير إلى أن صادرت الولايات المتحدة من النفط كانت تتجاوز بصورة متكررة الواردات خلال العام الماضي. فهذا لا يعني ابدا تحقيق الاكتفاء الذاتي، ناهيك عن تحقيق الاستقلال الحقيقي في مجال الطاقة.
ورغم أن الأحداث في الشرق الأوسط لم تعد حرجة بالنسبة لأمن الطاقة الأمريكي، كما كان الحال قبل ذلك، فإنها مازالت أبعد ما تكون عن القول إنها لم تعد مهمة. وقد تراجعت كميات النفط الخام القادمة من الخليج العربي إلى الولايات المتحدة، بحيث يمكن القول إن توقفها تماما لن تكون له تأثيرات حادة على الصعيد المحلي الأمريكي، كما يمكن تعويضها من دول أخرى، أو حتى بالسحب البطيء من المخزون الاستراتيجي. ورغم ذلك فإن أحداث المنطقة التي تضخ نحو ثلث إنتاج النفط في العالم، يمكن أن تؤثر بشدة على الأسواق وتؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار النفط التي تؤثر على كل شخص في الولايات المتحدة، بدءا من سائق السيارة وحتى العامل في شركات استخراج النفط الصخري.
ويختتم جوليان لي تحليله بالقول إنه إلى أن تتمكن الولايات المتحدة من عزل نفسها عن مثل هذه التأثيرات، لا يمكن القول إنها تتمتع باستقلال حقيقي في مجال الطاقة.
فيديو قد يعجبك: