إعلان

نجاح غير متوقع: كيف نجحت دولة صغيرة فقيرة في تسجيل وفاة واحدة بكورونا؟

11:54 ص الجمعة 26 فبراير 2021

بوتان

كتبت – هدى الشيمي:

في السابع من يناير الماضي سجلت بوتان، دولة صغيرة غير ساحلية واقعة في جنوب آسيا، حالة الوفاة الأولى والوحيدة الناجمة عن فيروس كورونا، وكانت لرجل في الـ٣٤ من عمره، - نُقل إلى المستشفى في العاصمة تيمفو، إثر معاناته من مشاكل في الكبد والكلى نتجت عن إصابته بالفيروس.

وبعد مرور أكثر من عام لم تسجل بوتان حالة وفاة أخرى. كيف حدث ذلك؟ منذ تفشي فيروس كورونا المستجد قبل أكثر من عام عانت الأنظمة الصحية في الدول الغنية والفقيرة من الانهيار ومرّ الاقتصاد العالمي بأزمة عالمية لم يسبق لها مثيل، وأزهق الوباء ملايين الأرواح.

ما يطرح مجموعة من الأسئلة المُلحة: كيف استطاعت دولة صغيرة وفقيرة مثل بوتان تشتهر بسياستها الهادفة إلى تحقيق السعادة الوطنية في تسجيل حالة وفاة واحدة بالفيروس المتحور، وما هي الدروس التي يجب أن تتعلمها بعض الدول كما الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية الكبرى منها؟

"دروس من الدول الفقيرة"

تساءلت مجلة ذي أتلانتيك الامريكية – في تقرير على موقعها الإلكتروني- عما يمكن أن تتعلمه بعض البلاد الغنية مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا من بلاد فقيرة تفتقر إلى الكثير من الموارد، لم تحقق نفس النجاح الذي حققته بوتان ولكن مع ذلك تبقى نماذج مثيرة للإعجاب في تعاملها مع الفيروس، مثل فيتنام سجلت حتى الآن ٣٥ وفاة فقط، رواندا بتسجيل ٢٢٦، والسنغال مع ٧٠٠ وفاة.

0


قدمت هذه الدول العديد من الدروس- حسب المجلة الأمريكية- على رأسها أهمية القيادة اليقظة، وتوفير ضمانات للشعب والتأكيد على أنهم لديهم ما يكفي من الموارد لإقناعهم باتباع إرشادات الصحة العامة.

"مرونة بوتان"

لم تُستعمر بوتان من قبل، ويتسم شعبها – حسبما توضح ذي أتلانتيك- بالمرونة، ولديهم قدرة على تحمل المصاعب وتقديم التضحيات، وربما تكون هذه المقومات التي اعتمدت عليها تلك الدولة الصغيرة في مواجهة الوباء القاتل عندما بدأ بالانتشار أوائل العام الماضي.

في هذا الوقت، بدت بوتان هدفًا ثمينًا للفيروس، فلم يكن لديها إلا ٣٣٧ طبيبًا فقط يعملون لخدمة تعدادها السكاني البالغ ٧٦٠.٠٠٠٠ شخص، والأسوأ من ذلك أن طبيبًا واحدًا من بينهم كان من تلقى التدريب للعناية بالمرضى في الرعاية الحرجة.

٢

علاوة على ذلك كان لديها ٣٠٠٠ عامل صحي، وآلة فحص بي سي آر لاختبار العينات الفيروسية.

أدرجت الأمم المتحدة بوتان في قائمة أقل البلدان نموًا، إذ يبلغ نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي ٣٤٢١ دولار. وبينما أُغلقت حدودها الشمالية مع الصين لعقود من الزمن، إلا أنها تشترك في حدود بطول ٤٣٥ ميلاً مع الهند، التي لديها الآن ثاني أكبر عدد من الحالات المسجلة في العالم، ورابع أكبر نسبة وفيات مبلغ عنها.

"تحركات ذكية"

تحركت بوتان بسرعة وذكاء مع أول انذار، علاوة على أنها اعتمدت في تحركاتها على أحدث العلوم. قالت ذي أتلانتيك إنه في ٣١ ديسمبر عندما أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية للمرة الأولى عن تفشي التهاب رئوي لسبب غير معروف، كانت بوتان قد بدأت في اتخاذ تدابير احترازية.

بحلول ١١ يناير ٢٠٢٠، بدأت بوتان في وضع خطة التأهب والاستجابة الوطنية الخاصة بها، وفي ١٥ يناير بدأت في فحص أعراض أمراض الجهاز التنفسي واستخدمت أجهزة فحص الحمى بالأشعة تحت الحمراء في مطارها الدولي ونقاط الدخول الأخرى.

في منتصف ليل ٦ مارس ٢٠٢٠، أعلنت بوتان أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، سائح أمريكي بالغ من العمر ٧٦ عامًا. وبعد ٦ ساعات و١٨ دقيقة تمكنت السلطات من تعقب ٣٠٠ شخص من الذين تواصلوا معه ومن تواصلوا معهم ووضعوا في الحجر الصحي.

٣_2

وقتها تحدث وزيرة الصحة البوتاني مع وسائل الإعلام بفخر واضح- وهي عالمة أوبئة تلقى تعليمه في جامعة ييل- وقال: "لابد أننا أحرزنا رقمًا قياسيًا".

نُقل السائح الأمريكي إلى الولايات المتحدة جوًا، وكان من المتوقع أن يموت ولكنه نجا. ووفقًا لواشنطن بوست، فإن الأطباء أخبروه بأن ما قام به المسؤولين في بوتان أنقذ حياته.

في بداية مارس، بدأت الحكومة البوتانية في اصدار تحديثات يومية واضحة وموجزة ووفرت أرقام خطوط المساعدة. ومنعت دخول السياح، أغلقت المدارس والصالات الرياضية ودور السينما، واتبعت المؤسسات ساعات العمل المرنة، مع التشديد على كافة المواطنين بارتداء أقنعة الوجه (الكمامات) وغسل اليدين باستمرار والحفاظ على التباعد الاجتماعي.

بعد خمسة أيام فرضت بوتان حجرًا صحيًا إلزاميًا على جميع البوتانيين مع احتمال تعرضهم لفيروس كورونا، بما في ذلك الآلاف من المغتربين الذين عادوا إلى بلادهم في طائرات مستأجرة.

عزلت السلطات في بوتان جميع الحالات الإيجابية، حتى تلك التي لم تظهر عليها أعراض، داخل المؤسسات الطبية، بحيث يمكن معالجة الأعراض المبكرة على الفور، مع تقديم الدعم النفسي لمن يتواجد في العزل والحجر الصحي.

ثم ذهبت بوتان إلى أبعد من ذلك. قالت ذي أتلانتيك إنه في نهاية مارس الماضي أعلن المسؤولون في الصحة عن تمديد فترة الحجر الصحي الإلزامي من ١٤ إلى ٢١ يومًا، وهي فترة تزيد أسبوعًا كاملاً عن المدة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، وبرروا ذلك بأن فترة الحجر التي تستمر ١٤ يومًا قد تترك فرصة بنسبة ١١ ٪ بنقل العدوى من الشخص الذي كان مصابًا لغيره.

"معيار ذهبي"

علاوة على ذلك، اتبعت بوتان نظام اختبارات شامل للأشخاص الخاضعين للحجر الصحي، وهو ما وصفه وزيرة الصحة بـ"المعيار الذهبي".

بينما كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يهاجم السياسات التي تدعو إلى مراقبة فيروس كورونا، أطلقت بوتان برنامجًا ضخمًا للتتبع والمراقبة، وأنشأت تطبيقًا لتتبع الاتصال.

٤_1

وفي أغسطس، عندما أعلن عن إصابة أول امرأة بوتانية بالفيروس المستجد خارج الحجر الصحي، فُرض إغلاق صارم لمدة ثلاثة أسابيع، مع تكثيف الاختبارات وعمليات المراقبة والتتبع، مع توصيل الطعام والدواء والاحتياجات الضرورية الأخرى لكل منزل.

"إيثار وطني"

في تلك الفترة انتشرت حالة من الإيثار، فخلال فترة الإغلاق الصيفي نامت وزيرة الصحة في مكتبها بالوزارة لأسابيع بعيدًا عن ابنها الصغير، فيما واصل رئيس الوزراء لوتاي تشيرينج، الذي يحظى باحترام كبير- إجراء العمليات الجراحية، وكان ينام على مقعد بجوار نافذة في مكتبه، حسبما أوضحت الصور التي نشرتها وسائل الإعلام المحلية.

في الوقت نفسه تنازل أعضاء البرلمان عن مرتباتهم لمدة شهر، وعرض أصحاب الفنادق ممتلكاتهم لاستخدامها في الحجر الصحي، وتبرع المزارعون بالمحاصيل، ونتيجة لذلك تمكنت الدولة الصغيرة من تسجيل أحد أقل حصائل الإصابة بمرض كوفيد-١٩ في العالم، إذ يبلغ عدد الحالات الإيجابية المؤكدة ٨٦٧ تعافى منهم ٨٦٢، وسجلت حالة وفاة وحيدة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان