كوريا الجنوبية حائرة بين أمريكا والصين.. أيهما تختار؟
واشنطن - (د ب أ):
في خضم تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وسعي كل طرف إلى حشد حلفاء لتعزيز موقفه أمام الآخر، هناك دول تقف في المنتصف، وتواجه ضغوطا تفرضها عليها مصالحها المرتبطة بالجانبين، ومن تلك الدول كوريا الجنوبية.
ويقول الكاتب السياسي الأمريكي، دوجلاس باندو، الزميل البارز بمعهد كاتو، والذي كان مساعدا خاصا للرئيس الراحل رونالد ريجان، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن الولايات المتحدة والصين تتجهان على ما يبدو، وعلى نحو متزايد، إلى حرب باردة جديدة.
ويضيف باندو أن ذلك لن يكون تكرارا لدراما واشنطن مع الاتحاد السوفييتي، فلا أحد يتصور اليوم الانفصال الكامل بين اقتصادين متماسكين بإحكام . ومع ذلك، تبدو الشكوك والعداء والصراع، على نحو متزايد، هي المعايير الأساسية للعلاقات الصينية الأمريكية.
ويتساءل باندو عن مصير الحكومات العالقة بين العملاقين، ويقول إنه لطالما اعتبرت "المملكة الكورية" القديمة نفسها سمكة صغيرة بين الحيتان، بالنظر إلى إمبراطوريات اليابان وروسيا والصين. لكن كوريا الجنوبية اليوم تواجه ضغوطا متزايدة لتختار بين اثنين من "الحيتان الضخمة"، وهما الصين والولايات المتحدة.
وعلى مدار سنوات الحرب الباردة، لم يكن هناك حاجة للاختيار، فكوريا الشمالية كانت تحظى بدعم الاتحاد السوفيتي والصين، في حين كانت أمريكا واليابان تدعمان كوريا الجنوبية. وتم اقتراح "الاعتراف المتبادل" بين مختلف الأطراف للحد من التوترات الإقليمية. وأدت نهاية الحرب الباردة إلى اعتراف روسيا بجمهورية كوريا في عام 1990، ثم جاء الاعتراف الصيني بعد ذلك بعامين. لكن لم يتم اتخاذ أي تحرك مماثل من قبل الحلفاء تجاه "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية)".
وتختلف بكين وواشنطن بشكل واضح فى وجهة نظر كل منهما تجاه كوريا الشمالية، ولكنهما تعارضان البرنامج النووي لبيونج يانج. وكانت علاقة كوريا الشمالية بالصين فاترة، مجرد قضية سياسة عملية، وليست أيديولوجية متحمسة. وعلاوة على ذلك، سعت الصين إلى خطب ود كوريا الجنوبية، بقدر ما سعت سول إلى خطب ود بكين. ومع تركيز بكين على الاقتصاد، فإنها تعتزم فتح علاقة اقتصادية مع كوريا الجنوبية، واعتبرت الأخيرة الصين قوة للاعتدال في التعامل مع كوريا الشمالية.
ورغم مذبحة ساحة تيانانمين، ظلت العلاقات بين الصين وأمريكا قوية . وبقيت الطموحات السياسية الصينية متواضعة، ولذلك لم يحدث سوى القليل من الصراعات الخطيرة بين الحكومتين. ولو كان على سول أن تختار، لاختارت أمريكا، التي كانت أكثر أهمية لها لأسباب أمنية واقتصادية.
وبحسب باندو، تغيرت البيئة الدولية منذ ذلك الحين بشكل كبير. وتدهورت العلاقات كثيرا بين الولايات المتحدة والصين على مدى العقد الماضي، وخاصة في العامين الماضيين. وتعمل بكين عادة من دون حلفاء، لكنها مستعدة بشكل متزايد لمعاقبة الحكومات التي تتبنى سياسات تعتبر معادية لها. وتضغط الولايات المتحدة على حلفائها وأصدقائها، حتى أولئك الذين هم خارج آسيا، للانضمام إلى تحالف مناهض للصين.
وفي عام 2017، شنت بكين بشكل أساسي حربا اقتصادية ضد كوريا الجنوبية لسماحها بنشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي "ثاد". ودفعت واشنطن سول إلى انتقاد حكومة الرئيس الصيني شي جين بينج علنا لحظرها الفعلي للمعارضة السياسية وحرية التعبير في هونج كونج. ولكن كوريا الجنوبية حاولت في الآونة الأخيرة أن تقول ما يكفي بشأن تايوان لإرضاء واشنطن، وبقدر لا يزعج بكين، ولكن دون نجاح في الحالة الأخيرة.
ويرى باندو أن الحفاظ على علاقات مع القوتين الكبيرتين دون التسبب في إساءة سوف يكون صعبا على نحو متزايد بالنسبة لسول، حيث يهيمن شبح الصراعات والمواجهة العسكرية بشكل متنام على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. ومع انتقال تايوان إلى صدارة المشهد، ستجد دول أخرى صعوبة في الحفاظ على الحياد بين القوتين.
ولسوء الحظ بالنسبة لكوريا الجنوبية، فإن التحالف الذي لا يتفق مع أولويات واشنطن لا يهم الولايات المتحدة بنفس القدر.
ولا تهدد كوريا الشمالية الولايات المتحدة إلا بشكل غير مباشر، بسبب تحالف واشنطن مع سول. ومع ذلك، تعد كوريا الجنوبية أقوى من خصمها في كل قدر من القوة تقريبا. وعلى النقيض من ذلك، تشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء تايوان، الأضعف بكثير من الصين. وتسعى واشنطن إلى إيجاد حلفاء لمواجهة هذا التحدي الخطير، وتأمل في الاعتماد على سول، التي استفادت كثيرا وعلى مدار فترة طويلة من الدعم الأمريكي.
والواقع أن هذا يشير إلى تهديد أكبر للتحالف، وهو الرأي العام. وعلى الرغم من أن معاهدة الدفاع المشترك لا تتطلب مشاركة كوريا الجنوبية في صراع بشأن تايوان، من شأن قرار سول عدم المشاركة في مثل هذه الحرب أن يقوض الدعم الشعبي لما تقدمه الولايات المتحدة من ضمان ضد كوريا الشمالية. ويتساءل باندو، لماذا يتعين على الأمريكيين أن يدافعوا عن الكوريين الجنوبيين إذا كان هؤلاء لن يقاتلوا مع الأمريكيين؟
والواقع أن كوريا الجنوبية سوف تكون أيضا في خطر متزايد لأن اليابان تقترب من أمريكا، وضد الصين. وبالرغم من أنه لا يوجد شىء مؤكد فى زمن الحرب، فان شخصيات بارزة داخل الحزب الديمقراطى الليبرالى الحاكم في اليابان تمارس ضغوطا من أجل زيادة الانفاق العسكري والانحياز الى الولايات المتحدة ضد الصين حال اندلاع صراع بشأن تايوان . ولن ينسى الرأي العام الأمريكي قريبا التناقض بين حكومة يابانية تدعم أمريكا وحكومة كورية جنوبية ترفض أن تفعل ذلك.
وفي ظل تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، يرجح أن تصبح المزيد من الدول عالقة بين الطرفين، ومن المرجح أن تعاني سول إذا ما تقاتل الحوت الأمريكي والحوت الصيني.وماذا سيكون قرار سول إذا ما أجبرت على الاختيار؟
فيديو قد يعجبك: