سفير نيوزيلندا يكشف: كيف تصدرت بلده العالم في احتواء كورونا- حوار
كتبت- هدى الشيمي:
تصوير - محود بكار:
داخل السفارة النيوزيلندية بالقاهرة، يرتدي الموظفون حول رقابهم رابطة تحمل بطاقات تعريفية كُتب عليها بالماورية، لغة سكان نيوزيلندا الأصليين، Kotahitanga" و Manaakitanga"ومعناهما "العمل معًا، والاعتناء بالآخر". ربما تكون هاتان الكلمتان ملخصًا لاستراتيجية ويلنجتون في التعامل مع أزمة وباء كورونا، وكونها صاحبة أحد أفضل الاستراتيجيات في احتواء الفيروس التاجي المُسبب لمرض كوفيد-19.
وقفة الشعب النيوزيلندي أمام الأزمة وقفة رجل واحد ساهمت في التصدي للفيروس التاجي، على حد قول جريج لويس، السفير النيوزلندي لدى القاهرة، الأمر الذي عززته اللغة الودية التي خاطبت بها رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، النيوزيلنديين، كأنهم فريق مكوّن من خمسة ملايين شخص، وهو التعداد السكاني للدولة الواقعة في جنوب غرب المحيط الهادئ.
"استراتيجية مُشددة"
قال لويس، في حوار مع مصراوي، إن اللغة التي استخدمتها رئيسة الوزراء في التعامل مع الأزمة "جعلت الناس يشعرون بأنهم جزء من شيء أكبر، وبأنهم متّحدون في مواجهة ما يحدث، والكل مسؤول عن حماية الآخر".
ناشدت أرديرن الشعب النيوزيلندي بالجمع بين "القوة والتعاطف"، وفي 17 مارس الماضي، ودعت مواطنيها إلى أن يكونوا أقوياء وعطوفين في الوقت نفسه، محاولة طمأنتهم مؤكدة أنهم سينجون من الوباء.
جريج لويس يتحدث عن الجانب المشرق من أزمة كورونا.. ومجالات التعاون مع مصر
اتبعت نيوزيلندا استراتيجية مُشددة وسريعة للتعامل مع كوفيد-19، وفرضت إغلاقا كاملا قبل تسجيل حالات وفاة. يقول لويس: "راقبنا الوضع مع أخذ التطورات (المتعلقة بالفيروس) في عين الاعتبار".
في 24 يناير، شُكل فريق خاص من وزارة الصحة النيوزيلندية لمراقبة تطور الوضع في مدينة ووهان الصينية، حيث ظهر الفيروس لأول مرة، وفي نهاية الشهر أجلت ويلنجتون رعاياها ووهان.
في إطار استراتيجياتها المُشددة، فرضت نيوزيلندا قيودًا جديدة على دخول الأجانب الذين يسافرون إليها أو يهبطون في البر الرئيسي الصيني، أما أولئك المضطرين للدخول فعليهم عزل أنفسهم لمدة 14 يومًا.
سجلت نيوزيلندا أول حالة وفاة جراء كوفيد-19 في 29 مارس الماضي، وبعد حوالي شهر انتقلت إلى مرحلة الإنذار الثالثة، ولكنها عادت إلى مرحلة الإنذار الأولى في 8 يونيو، وفي منتصف الشهر احتفلت بمرور 102 يوم بدون حالة انتقال محلي للفيروس.
تحدٍ كبير
شكّلت استراتيجية نيوزيلندا القاسية في التعامل مع كورونا تحديًا كبيرًا للشعب، الذين لم يواجهوا ظروفا مشابهة على الإطلاق منذ تفشي الإنفلونزا الإسبانية في 1918-1920، لاسيما بالنسبة لأصحاب الأعمال التجارية والعائلات والأشخاص الذين وجدوا أنفسهم يعملون فجأة من المنازل، وكبار السن، حسب لويس، غير أن حالة التفاهم والتعاضد بين المواطنين هوّنت من وقع الأزمة.
إلا أن الفيروس وجد طريقة للتسلل إلى نيوزيلندا مرة أخرى، حسب السفير النيوزيلندي، عاود كوفيد- 19 التفشي "لسبب لا يزال مجهولاً"، إلا أن ويلنجتون قررت إعادة فرض بعض التدابير الاحترازية التي رفعتها في يونيو الماضي، وكان من بينها ضرورة ارتداء أقنعة الوقاية (الكمامات).
سجلت نيوزيلندا، الثلاثاء، 14 إصابة جديدة بمرض "كوفيد-19"، ارتفاعًا عن 9 حالات مسجلة يوم الاثنين، في أعلى حصيلة إصابات يومية بالفيروس منذ منتصف أبريل الماضي.
الجانب المُشرق من الأزمة
بعد تفشي الفيروس، عاد لويس إلى نيوزيلندا وقضى هناك ثمانية أسابيع لمساعدة وزارة الخارجية على التعامل مع الجنسيات الأجنبية في ويلنجتون، وكان يمارس مهام عمله كمسؤول دبلوماسي من المنزل مثل الملايين في جميع أنحاء العالم.
وبينما يستمر الإغلاق ويواصل الجميع ملازمة منازلهم، استطاع المسؤول النيوزلندي رؤية الجانب المُشرق من الأزمة: "أعتقد أن الإغلاق منحنا فرصة لالتقاط أنفاسنا، والتعامل مع الأمور بطريقة أكثر هدوءًا"، يقول لويس الذي قضى أغلب أيام العزل يشاهد أفلامًا ويتابع أعمالا درامية مثل مئات الآلاف الذين وجدوا في شبكات البث كما نتفليكس وسيلة تُهون عليهم ما يجري في العالم الخارجي.
وتواصل لويس مع بعض أصدقائه القدامى، وأفراد عائلته الذين لم ينقطع عنهم منذ فترة طويلة، وتناول معهم القهوة في لقاءات "افتراضية".
لكن يبقى تأثير الأزمة الإيجابي على البيئة والطبيعة أحد أكثر الجوانب إشراقًا لأزمة كوفيد-19، حسب لويس. وقال: "لقد دبت الحياة في الطبيعة مرة أخرى أثناء عمليات الإغلاق، انخفضت مستويات التلوث، عادت الطيور مُجددًا إلى المدن الداخلية، وأعتقد أن هذا يكشف تأثيرنا جميعًا على البيئة وكيف يمكن للتغييرات البسيطة والصغيرة إحداث فروق كبيرة".
طالما كانت نيوزيلندا صوتًا قويًا يدافع عن حماية البيئة قبل أزمة الوباء. وقعت ويلنجتون على اتفاقية باريس للمناخ، وكانت داعمًا قويًا لرفع دعم الوقود الأحفوري، وشاركت سفارة نيوزيلندا في وقت سابق من هذا العام مع بعض الجماعات في برنامج "جرينيش" للمساعدة على تعزيز الوعي البيئي في مصر، واستخدمت أحد صناديق السفارة لرعاية برنامج للمساعدة على تنظيف مياه النيل.
رغم البعد الجغرافي بين نيوزيلندا ومصر، إلا أن البلدين تتعاونان في مجالات شتّى، بما في ذلك مبادرة الأمم المتحدة لنزع السلاح. أعرب المسؤول الدبلوماسي عن تقدير بلاده لدعوة مصر لنيوزيلندا لقيادة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء للإشراف على معاهدة السلام مع إسرائيل. وقال لويس: "أقدّر ثقة الحكومة المصرية وإيمانها بقوة الدفاع النيوزلندية والسماح لها بالقيام بهذا الدور المهم".
السفير: اللبنانيون يشبهون طائر الفينيق وسينهضون من الدمار.. وعلى العالم ترك ليبيا لليبيين
النهوض من الدمار
بجانب تمثيله الدبلوماسي لبلاده في مصر منذ 2019، يشغل لويس أيضًا منصب سفير نيوزيلندا في الجزائر ولبنان وليبيا وتونس والممثل الخاص لدى السلطة الفلسطينية. وتشغله الأوضاع الحالية التي يعيشها لبنان، ويتابع ما يجري بقلق وحذر لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس الماضي.
يعيش اللبنانيون الآن في أوضاع لا يحسدون عليها، يقول لويس: "أقدر التحديات التي يواجهونها، والتي زادها الانفجار صعوبة، لكن الشعب اللبناني كان دائمًا مدافعًا عن حقوقه خاصة فيما يتعلق بأهمية إحداث تغيير وإصلاح سياسي واقتصادي"، مع ذلك يبقى ما يحدث في لبنان شأنًا داخليًا، يؤكد لويس: "تحتاج بيروت إلى حلول داخلية، وعلى المجتمع الدولي تقديم يد العون لها خلال هذه المرحلة الانتقالية".
تعيش لبنان أوضاع ضبابية ولكن ثقة لويس في الشعب اللبناني كبيرة، يقول : "طالما كان مرنًا، أثق أن اللبنانيين سيجدون طريقهم، فهم أشبه بالطائر الفينيقي الذي ينهض من الدمار".
على عكس لبنان التي يزورها بانتظام، لم يذهب لويس إلى ليبيا منذ فترة طويلة، إلا أن تشابك الأزمة الليبية يثير اهتمامه، ويقول: "الوضع في ليبيا مُعقد، نظرًا إلى تدخل بعض الدول الأجنبية في الصراع، مع ذلك يجب أن نترك الأمر لليبيين".
فيديو قد يعجبك: