بعد 100 يوم من تسجيل أول إصابة .. كيف انتصرت نيوزيلندا على كورونا؟
كتبت- هدى الشيمي:
زفّت جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا، خبر سار لكل مواطنيها بالإعلان عن نجاح بلادها في القضاء على فيروس كورونا المُستجد المُسبب لمرض كوفيد-19، ورفع جميع التدابير الاحترازية باستثناء تلك المفروضة على الحدود، اعتبارًا من منتصف ليل الاثنين، وذلك بعد تسجيل أول حالة مُصابة بالفيروس التاجي في 28 فبراير الماضي.
شكرت أرديرن، في كلمة ألقتها أمام الصحفيين اليوم الاثنين، شعبها، وقالت: "في حين أن المهمة لم تنته بعد، ولكن لا يمكن انكار أنها خطوة كبيرة"، ذلك بعد إعلان وزارة الصحة النيوزيلندية أنه لم يتم تسجيل حالات إصابة نشطة بالفيروس للمرة الأولى منذ ظهوره في أواخر فبراير الماضي، مُشيرًا إلى أن الحالة الأخيرة كانت لامرأة من أوكلاند، وهي الآن لا تعاني من أعراض منذ 48 ساعة وتعتبر تعافت.
احتفلت ارديرين بعدم وجود حالات نشطة بكورونا في بلدها على طريقتها خاصة، قالت، للصحفيين، إنها بمجرد أن تلقت الخبر رقصت في غرفة معيشتها أمام ابنتها نيف، عامين، التي انضمت إليها رغم عدم إدراكها بما يحدث حولها.
ووفقًا لأرديرن فإن النيوزيلنديين بات بإمكانهم حضور المناسبات العامة والخاصة، وكذلك سيسمح لقطاعي التجزئة والفندقة وجميع وسائل النقل العام أعمالها دون قواعد التباعد الاجتماعي المفروضة في أغلب بلاد العالم لمنع تفشي الفيروس المُستجد.
القضاء على فيروس كورونا ليس مرحلة زمنية ولكنه جهد مستمر حسب رئيسة الوزراء، التي أعلنت أن بلادها ستنتقل إلى المستوى الأول من حالة التأهب العام، بعدما بلغ إجمالي عدد الإصابات فيها 1154، و22 وفاة.
كيف إذا تمكنت الدولة الواقعة في جنوب المحيط الهادي البالغ عدد سكانها خمسة مليون نسمة تقريبًا من القضاء على الوباء الذي حيّر العالم، وضربت اقتصادات كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين في مقتل؟
استراتيجية صعبة وسريعة
بعد تأكيد أول حالة إصابة بفيروس كورونا في فبراير الماضي، وضعت الحكومة النيوزيلندية خطة للاستجابة للوباء، ومع ارتفاع عدد الإصابات ورغم أن أغلبها كان من الوافدين من الخارج، إلا أن أعداد الإصابات المحلية كانت مُقلقة.
قالت وسائل الإعلام النيوزيلندية إنه في هذه المرحلة واجهت رئيسة الوزراء وحكومتها والخبراء الطبيين مُعضلة، فكان بإمكانهم اتباع الاستراتيجية نفسها التي تتبعها أغلب دول العالم، أو أن تلجأ إلى استراتيجية أخرى أكثر تطرفًا وقسوة.
بحلول منتصف مارس الماضي، كان هناك دعم قوي لاعتماد استراتيجية عزل شامل، وجرى الإعلان عن نظام مكوّن من 4 مراحل لاحتواء فيروس كورونا، ودخلت ويلنجتون المرحلة الثانية في 21 مارس، وخلال هذه الفترة جرى حظر التجمعات الكبيرة، مع تعزيز تدابير الصحة والنظافة وتشجيع المواطنين على الالتزام بالتباعد الاجتماعي والبقاء في منازلهم قدر الإمكان.
مع ذلك، أظهرت التقارير الطبية أن مُعدل انتشار العدوى لا يشهد أي تحُسن، ولا يتباطئ كما المتوقع، عوضًا عن ذلك حذر الأطباء من انتشار المرض بين المواطنين، وأعربوا عن مخاوفهم من أن يتضاعف عدد الحالات كل أربعة أو خمسة أيام.
وبناءً على هذه المعلومات المثيرة للقلق، دخلت نيوزيلندا إغلاق كامل في 26 مارس الماضي، اُغلقت المدارس، وكذلك توقفت كافة الأعمال غير الضرورية، واضطر الناس إلى العمل من المنزل، مع تقييد السفر وحظر أي نوع من التجمعات الجماهيرية، وكذلك أغلقت ويلنجتون الحدود بالكامل، وهي خطوة غير مسبوقة قامت بها أستراليا المجاورة فيما بعد.
أعلنت أرديرن حالة طوارئ وطنية، ومنحت القيادات والمسؤولين سلطات جديدة لفرض تدابير الرقابة الصارمة، وبموجب هذه الإجراءات اتبعت نيوزيلندا استراتيجية قوية وجريئة لم تطبقها أي حكومة أخرى في العالم.
ضربة اقتصادية مؤلمة
ألحقت استراتيجية نيوزيلندا لاحتواء كورونا أضرارًا جسيمة بالاقتصاد، وشهدت ويلنجتون، كما أستراليا المجاورة، تباطؤ في النمو وارتفاع معدّل البطالة والكثير من العواقب الاقتصادية التي لا تعد ولا تحصى، والتي تتطلب تحرك سريع الآن.
لكن مع بدء تخفيف القيود المفروضة على البلاد في 27 أبريل، ومُجددّا في 13 مايو بالانتقال إلى المرحلة الثانية، كان هناك إشارات على أن التضحية التي قام بها النيوزيلنديون تؤتي ثمارها، حسبما أفادت وسائل الإعلام المحلية.
واليوم قال اثنان من علماء الأوبئة الذين شاركوا في وضع استراتيجية مواجهة الفيروس، هما الدكتور مايكل بيكر والدكتور نيك ويلسون، إن الألم قصير المدى ساعد على تحقيق مكاسب هائلة.
قال الدكتور يلسون، للصحفيين،: "بينما نعمل على إعادة بناء الاقتصاد، هناك العديد من التحديات المتوقع أن تقابلها نيوزيلندا إذا رغبت في الحفاظ على وضعها الحالي، والبقاء بدون إصابات جديدة بكوفيد-19، بينما يستمر انتشاره في العالم".
الفوز بمعركة لم تنتهِ
ورغم هذه الأخبار السارة، إلا أن نيوزيلندا ستتبنى وضع طبيعي جديد يبقى بعض الوقت منعًا لظهور الفيروس مُجددّا، قالت الدكتورة أماندا كالسفيج، الباحثة البارزة في جامعة أوتاجو،: "إذا سجلنا إصابة جديدة بالفيروس التاجي، فإنه من المرجح أن يكون مصدره وافدين جاءوا من الخارج، لذلك علينا إبقاء الحدود مُغلقة".
والآن، تجري نيوزيلندا وأستراليا مفاوضات بشأن ما يُسمى "فقاعة السفر" والتي تسمح بعودة حركة الطيران والسفر بين البلدين.
شددت الدكتورة كالسفيج على أهمية سن قوانين وفرض ضوابط صارمة على الحدود لفترة طويلة، وكذلك حثت المواطنين على الالتزام بتدابير مكافحة العدوى الرئيسية بما في ذلك غسل اليدين وتغطية الفم أثناء السعال، والبقاء في المنزل حال الشعور بأي توعك، مع أهمية وضرورة ارتداء قناع الوجه أثناء الانتقال في وسائل النقل العامة.
فيديو قد يعجبك: