بنظام صحي قوي و"عزلة قسرية".. كيف انتصرت كوبا على كورونا؟
كتبت- هدى الشيمي:
غالبًا ما يكون الحديث حول كوبا، البلدة الكاريبية الصغيرة البالغ عدد سكانها حوالي 12 مليون نسمة وتقع في منطقة جيوسياسية مُعقدة، مُتعلقًا بنزاعها المستمر مع الولايات المتحدة، وعلاقتها بالقوى الأوروبية الكبرى مثل إيطاليا وفرنسا، وغالبًا ما يُنظر إليها من خلال صور نمطية باعتبارها موطن تشي جيفارا، ومركز السيجار الكوبي الشهير، ولكن الآن توجهت أنظار العالم نحو هافانا باعتبارها نموذج مثالي لاحتواء فيروس كورونا المُستجد المُسبب لمرض كوفيد-19.
رغم إعلان منظمة الصحة العالمية أن أمريكا اللاتينية بؤرة جديدة للوباء، إلا أن عدد الإصابات انخفض بصورة ملحوظة في كوبا خلال الشهر الماضيين، وأصبح الكوبيون أقل عرضة للإصابة بالفيروس بمقدار 24 مرة عن أهل الدومنييكان، و27 مرة عن المكسيكيين بـ27 مرة، و70 مرة عن البرازيليين. إذن، كيف نجحت كوبا في فعل ذلك؟
نظام صحي قوي
لعل النظام الصحي القوي الذي تتمتع كوبا، رغم كونها بلد صغير وفقير، أحد العوامل الرئيسية التي ساعدتها على السيطرة على الوباء، حيث يضم أطباء ذوي كفاءة عالية، وتوفر لسكانها نظامًا صحيًا مجانيًا يسمح للمواطنين بزيارة الأطباء بشكل مستمر.
بإمكان الكوبيين دراسة الطب مجانًا في الجامعات المرموقة في أمريكا اللاتينية، ولكنهم لا يستطيعون الحصول على الأدوية الأساسية بسبب بعض العقوبات التي تفرضها عليها الولايات المتحدة، لذا دعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الرئيسة التشيلية السابقة ميتشل باشيليت، إلى تخفيف القيود والعقوبات المفروضة على كوبا، بهدف مساعدتها على تطوير اللقاح الأساسي لعلاج المرض.
يعتمد النظام الصحي الكوبي، حسب تقرير أوردته إذاعة مونت كارلو الدولية، على مبدأ "الوقاية خير من العلاج" للحد من انتشار الأوبئة والأمراض في البلاد. ووفق التقرير، توفر هافانا لكل 150 مريضا، طبيبا، وهي نسبة عالية لا توجد حتى في دول متقدمة.
ووفقًا لمنظمة الصحة الأمريكية فإن كافة مواطني كوبا يحصلون على رعاية صحية شاملة، بينما لا يحصل 30% من بين 630 مليون مواطن في أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي على الرعاية الصحية لأسباب مالية.
حملات فحص المواطنين
في تمام الساعة الثامنة صباح كل يوم تبدأ الطبيبة ليز كاباليرو وفريقها حملة التفتيش عن أعراض الإصابة بفيروس كورونا في منطقة فيداو في العاصمة الكوبية هافانا، تُجري مقابلات مع العائلات أمام المنازل وتتحدث إليهم للتأكد من أنهم ليسوا مُصابين بكوفيد-19. لا تعتبر هذه الحملات أمرًا غريبًا على الأطباء الكوبيين، فهم سبق أن قاموا بذلك للتأكد من أن المواطنين غير مصابين بحمى الضنك.
بعد إغلاق حدودها بالكامل في مارس الماضي، أمرت الحكومة الكوبية عشرات الآلاف من الأطباء والممرضات والطلاب في كليات الطب بالقيام بحملات فحص شامل لجميع المنازلة بحثًا عن حالات كوفيد-19، على أن يفعلوا ذلك بصورة يومية ومستمرة.
قال ويليام ليوجراند، أستاذ في الجامعة الأمريكية في العاصمة واشنطن، إنه لا يوجد دولة واحدة في نصف الكرة الأرضية تقوم بحملات تفتيش منزلية كتلك التي في كوبا، وتابع: "من خلالها استطاعوا البقاء على تواصل وثيق بالسكان، وتحديد المشاكل الصحية فور ظهورها، وتعاملوا معها فورًا".
حسب ليوجراند، فإن أفضل طريقة لاحتواء كورونا في ظل غياب لقاح هي التتبع والحجر الصحي والاكتشاف السريع للحالات، لذلك أصبح النظام الصحي الكوبي مناسب تمامًا لتنفيذ هذه الاستراتيجية التي مكنته من السيطرة على مُعدّل الإصابات والوفيات جراء كوفيد-19.
تجاوز عدد الإصابات بكورونا في كوبا حتى الآن 2310 حالة، و83 حالة وفاة بسبب الفيروس، اُحتجز كل من كانت نتائج اختباره إيجابية في المستشفيات، فيما وضعت حالات الاشتباه في مراكز العزل التي تديرها الدولة لمدة 14 يومًا.
عزلة قسرية
قالت صحيفة الجارديان البريطانية، إن تعامل كوبا مع الفيروس كان يعتمد بصورة رئيسية على الإكراه، وحسب دراسة نُشرت مؤخرًا في مجلة "لانسيت" الطبية فإن العزلة المؤسسية أكثر فعالية في احتواء كوفيد-19 من العزلة المنزلية.
حسب "لانسيت"، فإنه في الوقت الذي تعاني فيه الدول المتقدمة في أوروبا أو الولايات المتحدة لإنشاء مراكز العزل بسبب رفض المجتمع لها، استطاعت كوبا احتواء الفيروس من خلال العزلة القسرية، وإلزام الجميع بارتداء أقنعة الوجه، وفرض غرامات مالية كبيرة على من يرفضون ارتدائها وحتى سجنهم.
وكذلك أصدرت الحكومة قرارًا يلزم أطباء كليات الطب البالغ عددهم 28 ألف طالب بمساعدة الأطباء والممرضين على اكتشاف الإصابات بكوفيد-19، وتتبع الحالات إذا كانوا يريدون التخرج والحصول على شهادتهم الجامعية.
أمة مُستعدة
رغم أن أزمة وباء كورونا لم يكن لها مثيل، إلا أن الكوبيين المعتادين على العيش في ظل الاضطرابات العنيفة كانوا مُستعدين جيدًا. فمع بدء انتشار الفيروس وتسجيل عشرات الحالات اعتبارًا من مارس الماضي، أدركوا أنهم أمام معركة ضد عدو خفي، لذلك تقبلوا قرار حكومتهم بإغلاق الحدود ومنع دخول الأجانب. رغم أن الاقتصاد الكوبي يعتمد بصورة رئيسية على السياحة، كذلك وضع السياح الموجودين في البلاد في الحجر الصحي.
وأعلن الرئيس الكوبي ميجيل دياز كانيل إغلاق المدارس لمدة شهر، لافتًا إلى أن كافة العائلات عليها تحمل مسؤولية إبقاء الأطفال بسلام داخل المنزل، وشدد على أهمية الالتزام بالتباعد الاجتماعي، بما في ذلك احترام الطوابير أمام المتاجر والمؤسسات المختلفة، وهو ما نفذه المواطنون بالفعل.
نُشر أكبر قدر من المعلومات والنصائح المُتعلقة بفيروس كورونا على وسائل الإعلام الرسمية، وعملت الحكومة على حصول كافة المواطنين على قدر كافي من البيانات، حتى يصلوا إلى درجة الوعي المطلوبة التي تمكنهم من مواجهة الفيروس.
خلال هذه الفترة، عمل الجميع على تصنيع أقنعة الوقاية من القماش، لأن الامدادات الجراحية لم تكن كافية، وقامت لجان الدفاع عن الثورة بنشر التعليمات التي تصدرها الحكومة، وراقبوا المواطنين للتأكد من عدم ظهور أي أعراض.
تاريخ طويل من المساعدات الطبية
قبل ذهابهم إلى إقليم لومبارديا، أحد اكثر الأماكن تضررًا جراء الفيروس في إيطاليا في 22 مارس الماضي، شارك بعض أفراد الفريق الطبي المكوّن من 53 فردًا في مكافحة فيروس إيبولا في أفريقيا عام 2014. قالت التقارير الإعلامية الصادرة وقتذاك إن القارة السمراء استفادت كثيرًا من المساعدات اللوجستية والعسكرية الكوبية.
كذلك، ساعدت مساهمة علماء الأوبئة والفيروسات الكوبيين على مكافحة وباء الكوليرا في هايتي بعد زلزال 2010.
في خضم الأزمة الصحة الحالية لم تتوقف كوبا عن تقديم يد العون للبلاد في جميع أنحاء العالم، من خلال تصدير أطبائها إلى المناطق الأكثر تضررًا بالفيروس، لمساعدة الفرق الصحية بها على مكافحة المرض مثل البرازيل وإيطاليا، وكذلك استعان الكويت بأطباء كوبيين لمساعدتها على مواجهة الفيروس، كما أنهم يتعاونون مع نظرائهم الصينيين لتطوير علاج لكوفيد-19 يُطلق عليه اسم "انترفيرون الفا-2 ب ريكومبينانت".
فيديو قد يعجبك: