ماذا نعرف عن "عقار ترامب" الذي حذّرت منه مصر وعلّقته الصحة العالمية؟
كتبت- رنا أسامة:
في خِضم حالة الهلع التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المُستجد سريعة الانتشار على العالم، ظهر الحديث عن عقار "هيدروكسي كلوروكين" وكأنه "الحل السحري" الذي يُعوّل عليه كثيرون أن يكون دِرع حماية من الفيروس الغامض الذي يواصل حصد عشرات آلاف الأرواح، فيما لا تزال محاولات الباحثين جارية على قدمٍ وساق من أجل التوصل إلى لقاح يُعتقد أنه لن يتوافر قبل عام- في أحسن التقديرات.
غير أن هذا "العقار السحري" الذي دأب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الترويج له- بل وشرع في تعاطيه بنفسه- تحوّل بين عشيةٍ وضحاها إلى مصدر تهديد يُمكن أن يُزيد من فداحة كارثة الوباء، وسط تحذيرات عالمية من آثاره الجانبية التي يُمكن أن تفضي إلى وفاة مُصابي "كوفيد 19"، وهو ما أفضى بمنظمة الصحة العالمية في نهاية المطاف لتعليق استخدامه عالميًا.
ما هو عقار "هيدروكسي كلوروكين"؟
يُستخدم بالأساس لعلاج للوقاية من الملاريا وعلاجها، ولكنه ليس فعالًا ضد جميع أنواع الملاريا.
كما يُوصف إلى جانب عقاقير أخرى لعلاج عدد من أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة- وهو مرض جلدي، والتهاب المفاصل الروماتوئيدي. (يعطى لعلاج هذه الأمراض عادة كخط ثانٍ بعد فشل أدوية الخط الأول في معالجة هذه الأمراض).
ويُستخدم هذا العقار أيضًا، لعلاج الأمراض المعدية الأخرى، مثل التهاب الشَّغاف (التهاب عضلة القلب - والحمى "كيو").
الآثار الجانبية الشائعة له: آلام البطن، الغثيان، فقدان الشهية، الإسهال، الدُّوار والصداع، بحسب موقع "ويب طب" المعني بالشؤون الصحية.
لا يُسمح باستخدامه لفترات طويلة لدى الأطفال، فيما يُمكن استخدامه بالنسبة للمرضى الذين يعانون من نقص إنزيم "جي 6 بي دي G6PD"، على أن يُستعمل بحذر لأنه وغيره من الأدوية المضادة للملاريا، يمكن أن يسبب فقر الدم الانحلالي لديهم.
قد يسبب عدم وضوح الرؤية، وفي حالات نادرة يسبب خفض عدد خلايا الدم البيضاء، فقر الدم اللا تَنَسُّجي، وفي حالات نادرة جدًّا يضر بالسمع أو يُحدِث طنينًا في الأذنين.
وفي حال تناول جرعة زائدة من العقار المعروف تجاريًا باسم "البلاكوينيل"، يُمكن أن تحدث أعراض تشمل "عدم وضوح الرؤية، الإغماء، الصُّداع، عدم انتظام ضربات القلب، غياب الوعي، تقلب المزاج، التشنجات، الدوخة والتنفس البطيء والسطحي">
"عقار ترامب" المثير للجدل
رغم عدم وجود دليل علمي قطعي على نجاعة ذلك العقار في علاج مرضى كورونا، بدأ الرئيس الأمريكي يروّج لإمكانات "هيدروكسي كلوروكين" في وقف تكاثر الفيروس التاجي المُسبب لمرض "كوفيد 19" أكثر من 17 مرة منذ أواخر مارس الماضي.
ولم تخلُ مؤتمرات ترامب الصحفية في البيت الأبيض من الإشادة بإمكانات ما وصفه بـ"الدواء السحري" والتوصية باستخدامه. وقال ترامب خلال إحدى هذه المؤتمرات: "ما الذي يمكن أن تخسره؟ تناوله"، في إشارة إلى "هيدروكس كلوروكين".
وقال الدكتور ريك برايت الذي عزله ترامب من منصبه في أبريل الفائت من قيادة جهود تطوير اللقاحات الحكومية ضد كورونا، إن تركيز ترامب على هذه الأدوية "شتت جهود عشرات العلماء الأمريكيين على مستوى البلاد"، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
نتيجة لذلك، ومع التغظية الإعلامية المكثفة لعقار الملاريا، ارتفاع الطلب عليه كعلاج مُحتمل لكورونا على المستوى العالمي.
لكن سُرعان ما ثار الجدل حول فعالية "عقار ترامب" ليتراجع الطلب عليه، لا سيّما بعد تحذير السلطات الصحية الأمريكية والكندية في نهاية أبريل من خطورة استخدامه إذا لم يتم ذلك "في إطار تجارب سريرية تخضع للمراقبة"، وقصره على المستشفيات والدراسات البحثية.
ومع ذلك، أعلن ترامب في 19 مايو أنه يتناول العقار على سبيل الوقاية من الفيروس. وقال: "أعتقد أنه جيد. لقد سمعت أمورا جيدة جدا عنه. أنتم تعرفون عبارة: ما الذي ستخسره؟"، مُتجاهلًا توصيات السلطات الصحية الأمريكية بشأنه.
وأكد ترامب للصحفيين في البيت الأبيض حينها: "أتناوله منذ حوالي أسبوع ونصف... أتناول حبة يوميا"، مثيرا ردود فعل غاضبة في الأوساط العلمية والسياسية التي عدّت الخطوة بأنها "خطيرة" وتمنح الناس "آمالًا زائفة"، وفق فرانس برس.
فيما رأى الرئيس الأمريكي أن تناوله ذلك العقار المُستخدم منذ 40 عامًا "لن يُحدث ضررًا". وأشار إلى أن إقدامه على ذلك جاء بمبادرة شخصية لكنه تلقى الضوء الأخضر من طبيب البيت الأبيض. وقال ترامب "قلت له: ماذا تعتقد؟ وأجاب: إذا شئت ذلك. وأجبته: نعم أود ذلك".
"آثار جانبية خطيرة"
في تلك الأثناء، حذّرت دراسات علمية من تداعيات استخدام ذلك العقار التي قد تصل في أسوأ الأحوال إلى حد الوفاة، كما أظهرت دراسة نُشرت قبل أيام في دورية "لانسيت" الطبية البريطانية، ووجدت أن "احتمال موت المرضى الذين تناولوه في المستشفى أو تعرضهم لمشاكل صحية في القلب أكبر من أولئك الذين لم يتناولوه".
وتجري الآن تجارب لفحص ما إذا كان علاج الملاريا المذكور يمكنه الحماية من الإصابة بالفيروس، حيث سيعطى العلاج لأكثر من 40 ألف عامل في القطاع الصحي في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وفق (بي بي سي).
وحين سئلت منسقة فريق مواجهة ف كورونا في البيت الأبيض عن رأيها في دراسة دورية "لانسيت"، قالت الدكتورة ديبزرا بريكس إن إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية كانت واضحة بخصوص مخاوف من استخدام العقار لمنع الإصابة بالفيروس أو لعلاجه.
وأكد الدكتور ماركوس إسبينال مدير "منظمة عموم أمريكا الصحية"، وهي ملحقة بمنظمة الصحة العالمية، أن استخدام هيدروكسي كلوروكين لم يوص به لعلاج مرضى كوفيد-19 بناء على أي تجارب طبية.
وفي وقت سابق الشهر الماضي، حذّرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية "إف دي إيه" من مخاطره المُحتملة والممثلة في حدوث اضطرابات في ضربات القلب، وانخفاض شديد في ضغط الدم وتلف في العضلات أو الأعصاب، وهو ما يُمكن أن يُزيد طين أزمة الجائحة بلّة.
الأمر الذي حذّرت منه هيئة الدواء المصرية في أواخر مارس الفائت. وقالت إن العقار له العديد من "الآثار العكسية"، ومن ضمنها التأثير السلبي على عضلة القلب، وتلف في الشبكية، كما يتفاعل مع أدوية أخرى كأدوية السكر وبعض أدوية القلب.
كما نوّهت وكالة الصحة العامة الكندية بأنه قد يتسبب بأعراض جانبية خطيرة، موصية بعدم استخدامه بدون "إشراف طب". وكذلك، حذرت هيئة الأبحاث الحكومية الهندية من الاستخدام الواسع للعقار وقالت إنه "تجريبي" وفقط في حالات الطوارئ.
تعليق عالمي "احترازي"
تفاديًا للمخاطر المُحتملة التي أجمعت عليها معظم الدراسات العلمية، أعلنت منظمة الصحة العالمية تعليق تجارب عقار الملاريا المشتق من دواء "كلوروكين" مؤقتًا، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
وقالت المنظمة يوم الاثنين إنّه تم تعليق استخدامه في التجارب السريرية مؤقتًا في عدة دول كإجراء احترازي، انتظارًا لتقييم سلامة استخدامه والمُقرر الإعلان عنه منصف يونيو القادم، بحسب رويترز.
وقالت: "سيُتخذ قرار نهائي بشأن الضرر أو الفائدة أو عدم فائدة العقار بمجرد مراجعة الأدلة من قبل مجلس مراقبة سلامة البيانات. سوف تتضمن هذه المراجعة بيانات من التجربة العالمية (سوليداريتي) وغيرها من التجارب الجارية، بالإضافة إلى أي أدلة منشورة حتى الآن".
بدورها، أعلنت 3دول أوروبية وقف استخدام العقار استنادا لتوصيات المجلس الأعلى للصحة العامة، بما في ذلك فرنسا التي بدأت استخدامه نهاية مارس في المستشفيات فقط ولمعالجة الإصابات الخطرة.
وفي بلجيكا، أوصى المجلس العلمي للصحة العامة بتعليق استخدام "هيدروكسي كلوروكين" لعلاج مرضى كورونا، مُشددًا على ضرورة عدم استخدامه "خارج التجارب السريرية"، استنادًا إلى دراسات وأبحاث أجريت على 96 ألف مريض "لم يظهروا أي تحسن".
كما سجلت الوكالة الفيدرالية للدواء في بلجيكا 8 آثار جانبية ضارة لهذا العقار على مرضى "كوفيد 19"، ثلاثة منها تسببت في الوفاة.
وفي الوقت ذاته، أعلنت إيطاليا تعليق استخدامه. ونوّهت وكالة الأدوية الإيطالية بأن "الأدلة السريرية الجديدة المتعلقة باستخدام هيدروكسي كلوروكوين لدى المُصابين بمرض كوفيد 19، تشير إلى زيادة خطر التفاعلات الضارة مع فائدة ضئيلة أو معدومة"، وفق وكالة أنباء "آكي" الإيطالية.
وفي مصر، يُفترض اتخاذ القرار المناسب بشأن "هيدروكسي كلوروكين" استنادًا إلى نتائج دراسات أُجريت بشأن الأدوية المُستخدمة في علاج مرضى كورونا والمُتوقع إعلانها اليوم الأربعاء أو غدًا الخميس، حسبما صرّح الدكتور حسام حسني، رئيس اللجنة العلمية لمواجهة كورونا بوزارة الصحة.
في المقابل، قررت دول مثل "البرازيل والأردن والجزائر"، استمرار استخدام "هيدروكسي كلوروكوين" لعلاج مرضى كورونا رغم التحذيرات العالمية.
فيديو قد يعجبك: