إعلان

المواجهات القبلية في السودان تلقي بظلالها على مرحلة انتقالية هشة

12:51 م الجمعة 22 مايو 2020

أفراد قبيلة من الرحل في جنوب السودان

الخرطوم- (أ ف ب):

شهد السودان خلال الأسابيع الأخيرة تصعيدا في الصراعات بين القبائل وسقط قتلى وجرحى في معارك بينها في مناطق مختلفة، في خضم فترة انتقالية تواجه تحديات على أكثر من صعيد.

ومن شأن هذه الصراعات أن تعقد مهمة السلطات الانتقالية التي تحاول حل كل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية ووضع حد لنزاعات مع مجموعات عدة.

وخلال الأسابيع الماضية، قُتل 59 شخصا وجُرح العشرات نتيجة اشتباكات قبلية، بعد أن ساد اعتقاد بأن مثل هذه المواجهات انتهت مع الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير ونظامه قبل أكثر من سنة.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني البارز محجوب محمد صالح لوكالة فرانس برس مستعيدا بداية الصراعات القبلية، "بعد انفصال الجنوب، أصبحت الصراعات تدور في دولة تتجاذبها حروب في ثلث عدد ولاياتها ولا تبسط سيطرتها على كافة أراضيها".

ويضيف أنه، مع ضعف سيطرة الدولة، "تصاعدت ثقافة الحرب وانتشر السلاح غير القانوني وزاد عدد الميليشيات وتدهور الاقتصاد وزاد الغبن الاجتماعي وإحساس الأقاليم بالظلم والتهميش".

وأطاح الجيش السوداني بالبشير في ابريل 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية. وتسلمت الحكومة السودانية المؤلفة من عسكريين ومدنيين الحكم في صيف 2019 بعد مفاوضات شاقة مع المحتجين تخللتها عملية دامية لفض اعتصام يطالب بالديموقراطية، ولفترة انتقالية من ثلاث سنوات.

ووضع رئيس الحكومة عبدالله حمدوك على سلم أولوياته إنجاز المصالحة الوطنية في البلاد، فأطلق مفاوضات سلام مع المجموعات المتمردة التي قاتلت نظام البشير لسنوات.

ودعت الأمم المتحدة في مارس الى وقف المواجهات بين المناطق، ولو أن وتيرتها أقل من السابق.

وفي السابع من مايو، قُتل ثلاثون شخصاً في نزاع بين قبيلة الرزيقات العربية والفلاّتة الإفريقية في ولاية جنوب دارفور في غرب البلاد بسبب سرقة أبقار.

في شرق البلاد، شهدت مدينة كسلا في التاسع من الشهر نفسه نزاعا بين أفراد قبيلتَي البني عامر والنوبة أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص من البني عامر، وبلغ عدد الجرحى والمصابين 79، وأحرقت منازل.

وفي 13 مايو، قتل 26 شخصا وجرح 19 آخرون في اشتباكات على خلفية سرقة أبقار في مدينة كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان.

تهديد

ويحفل تاريخ السودان بالصراعات الإتنية والقبلية منذ استقلاله في 1956.

ومنذ 2003، يشهد إقليم دارفور نزاعا بدأ حين حملت مجموعات تنتمي إلى أقليات أفريقية السلاح ضدّ حكومة الخرطوم، متّهمة إياها بتهميش المنطقة اقتصادياً وسياسياً. ووفقاً للأمم المتّحدة، تسبّب النزاع بمقتل 300 ألف شخص ونزوح 2,5 مليون آخرين.

ويشير خبير أمني لم يرغب في ذكر اسمه، إلى اختلاف طبيعة الصراع القبلي الحالي عن الماضي.

ويقول لوكالة فرانس برس "في السابق، كانت النزاعات القبلية في مناطق ريفية نائية وتتركز حول المرعى أو مورد المياه أو حتى الأرض، ولكنها الآن وصلت إلى مناطق حضرية لم تعتد على مثل هذه الصراعات من قبل".

ويضيف أن هذا الأمر قد يمثّل "تهديدا" للفترة الانتقالية، موضحا أنه "عندما كانت الصراعات تجري في مناطق الرعاة، كانت آليات حلها سهلة، لكن الأمر تعقد وأصبح مهددا حقيقيا للفترة الانتقالية إذا لم تعالج جذور هذه الصراعات".

ويشير الى أن القبائل تتسلح عبر تجارة السلاح المزدهرة عبر الحدود مع أريتريا وإثيوبيا، في ظل عدم سيطرة السلطات على كل الأراضي السودانية.

ويرى الصحافي المتخصص في النزاعات الإتنية في شرق إفريقيا عارف الصاوي أن هناك استخداما أيضا في الصراعات الحالية "لبندقية إما حكومية أو مدعومة من الحكومة"، معتبرا أن هذا "سيؤثر في تركيبة المنظومة الأمنية نفسها"، وذلك في إشارة إلى مشاركة أفراد من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في اشتباكات كادقلي.

طرف ثالث

ويذهب آخرون الى حد اعتبار أن هناك "طرفا ثالثا" يدفع في اتجاه عرقلة جهود الحكومة الانتقالية.

ويقول زعيم قبيلة الفلاتة يوسف السماني لفرانس برس "نحن والرزيقات علاقتنا وثيقة على مدى عقود من الزمن، لكن جهات أشعلت هذه الفتنة بيننا".

ونقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عن عضو مجلس السيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قوله عقب اشتباكات كادقلي "ظلت قوات الدعم السريع منذ حدوث التغيير في البلاد تواجه كثيرا من التحديات وتتعرض لغدر واستهداف مخطط ومرتب تقف وراءه أياد خفية".

وأضاف حميدتي الذي يقود "قوات الدعم السريع" المتهمة بارتكاب انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان في دارفور خصوصا عبر قوة "الجنجويد"، "هذه الأيادي لا تدمّر الدعم السريع فقط بل تعمل على تدمير السودان، لذلك سنقوم بكشفها في القريب العاجل".

ويربط المحلل السياسي النور حمد هذا "الطرف الثالث" بنظام البشير السابق.

ويقول "واضح لكل من راقب الحالة الأمنية في البلاد في الشهور الماضية، أن هناك أيادي تعبث بأمن البلاد واستقرارها وتمثلها جهات أعلنت عن نفسها بنفسها".

ويوضح أنه قبل بضعة أشهر انتشر مقطع فيديو تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه قيادي إسلامي "لن ندع حكومة حمدوك تشتغل".

وكان الإسلاميون داعمين إجمالا لنظام البشير.

وأفاد شهود في كسلا أنهم رأوا سيارات خلال الاشتباكات كانت تحرق المنازل وتطلق النار، ومن فيها لم يكونوا من طرفي النزاع.

وقال المواطن السوداني حسين صالح عبر الهاتف من كسلا "قطعا هناك طرف ثالث من مصلحته خلق حالة اضطراب وتأجيج النزاع".

هذا المحتوى من

AFP

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان