إعلان

كورونا.. قصة مدينتين أمريكيتين تخوضان معركتين مختلفتين مع الوباء

10:37 ص الإثنين 13 أبريل 2020

ناب وابتنه شيري

نيويورك- (بي بي سي):

بعد مروره بنيويورك ومدن أخرى، يضرب كوفيد 19 الآن المدن الصغيرة والبلدات الأمريكية بطرق مختلفة. وفيما يلي تجربتان لمدينتين صغيرتين.. إحداهما في ولاية أوهايو والأخرى في ولاية أركنساس.

كان وليام ناب، رئيس الهيئة الصحة المحلية بمدينة نيو لندن الصغيرة في أوهايو، قد تحدث في اجتماع عقد في فبراير الماضي عن احتمال تفشي فيروس كورونا في منطقة هورون.

وبعد بضعة أيام بدت عليه أعراض حيث "بدأ الأمر بالسعال"، بحسب ما تقوله ابنته، شيري غافاليا "سعال جاف متواصل".

وتوفي ناب، البالغ من العمر 79 عاما، متأثرا بالمرض في 29 مارس الماضي، لينضم لقائمة الخسائر الفادحة في الولاية، والتي تقدر بـ 65 حالة وفاة من كوفيد 19.

وأغلب متاجر بلدة نيو لندن مغلقة، مما يجعل هدوء هذه المدينة النائمة أكثر من المعتاد. ويقول عمدة المدينة تومي توماس إنه صمت من "نوع من غريب".

أما في ولاية أركنساس، فأعداد الضحايا تنذر بالخطر، ولكن الوضع ليس سيئا كما هو الحال في ولاية أوهايو وغيرها من الولايات، فحصيلة الإصابات هناك 625 حالة فضلا عن 10 وفيات.

غير أن حاكم أركنساس قرر عدم إصدار أمر بالتزام البيوت.

وفي ديس آرك، وهي بلدة بأركنساس يبلغ عدد سكانها 1800 نسمة، محاسبة تدعى آشلي برشمان مشغولة جداً هذا الربيع، فالمزيد من الناس يقدمون الإقرارات الضريبية بشكل أكثر من المعتاد، حتى يتمكنوا من تلقي مدفوعات من حزمة التعافي الاقتصادي التي أقرها الكونغرس.

تصل برشمان إلى مكتبها في التاسعة صباحا كل يوم، ومازالت المتاجر في البلدة مفتوحة.

وتقول برشمان: "الحياة يجب أن تستمر، وأنا فقط أحاول أن أبقيها طبيعية قدر الإمكان".

وهكذا تخوض بلدتان صغيرتان تجربتين مختلفتين بشكل كبير مع الوباء.

وبعد مرور أكثر من شهرين على الأزمة في الولايات المتحدة، من المفيد معرفة كيفية مواجهة أولئك الذين هم في المدن والبلدات الصغيرة، وهي فئة تضم 30 مليون شخص، لفيروس كورونا. وتعكس حياتهم القصة الأكبر لأمة في مواجهة الوباء، وهي قصة يمتزج فيها الخوف بالمرض والسياسة.

التفاوت في العدوى

تعد نيويورك وديترويت وغيرها من المدن الكبيرة هي البؤر الساخنة لكوفيد 19. لكن المدن الصغيرة في جميع أنحاء البلاد تمر بموجتها الخاصة من العدوى. ويقول خبراء طبيون إن المرض قد يكون مدمرا في المناطق الريفية حيث العديد من السكان من كبار السن الذين يعيشون بعيدا عن المستشفيات والعيادات.

وتحدد عدة عوامل حدة التفشي في المدن الصغيرة، فتلك الموجودة في الولايات القليلة السكان مثل أركنساس وداكوتا الجنوبية ووايومنغ قد تأثرت بشكل طفيف، في حين أن تلك الموجودة في ولايات أوهايو وميشيغان وإلينوي المكتظة بالسكان ذات المطارات الكبيرة والطرق السريعة، كانت أكثر معاناة.

وقبل قرن من الزمان، شهد الناس في الولايات المتحدة أيضا نمطا متفاوتا من العدوى.

الحمى الاسبانية

فقد توفى أكثر من 675 ألف شخص بسبب الانفلونزا الإسبانية في الولايات المتحدة بين عامي 1918و 1920، غير أن الوفيات تفاوتت في أنحاء البلاد. ويقول اليكس نافارو الباحث بجامعة ميشيغان، الذي شارك في تأليف ورقة بحثية عن مئوية وباء عام 1918: "إن بعض المجتمعات محظوظة". فقد فرضت بعض المدن التباعد الاجتماعي أو حتى أقامت المتاريس، ولكن البعض الآخر كان ببساطة محظوظا.

ومازالت ترجع جزئيا أسباب التفاوت اليوم بين المدن الصغيرة، حيث الشعور بالآثار أكثر حدة في ولاية أوهايو من تلك الموجودة في ولاية أركانساس، للحظ.

ولكن الطريقة التي يعيش بها الناس في المدن الصغيرة لا تتحدد فقط بالجغرافيا، وإنما للسياسة دورها أيضا.

إذ لم يصدر الحكام الجمهوريين المحافظون في عدد من الولايات، بما فيها وايومنغ وأركانساس، أوامر بالبقاء في المنازل، بينما أصدرها معظم الحكام الديمقراطيين وبعض الجمهوريين المعتدلين. وكان حاكم ولاية أوهايو ديواين، وهو جمهوري، من أوائل الذين تبنوا إجراء البقاء في المنزل.

وقد مدد الرئيس ترامب مؤخرا الجدول الزمني لتوصياته بشأن التباعد الاجتماعي والتدابير الأخرى لاحتواء الفيروس. ويقول خبراء طبيون إن هذه الخطوات ستساعد في منع انتشار المرض.

وكان ترامب قد هون في وقت سابق من أمر هذه الأزمة الصحية، وقال إن فيروس كورونا يشبه الإنفلونزا العادية.

وقد أكد الحكام المحافظون لأركنساس وداكوتا الشمالية والعديد من الولايات الأخرى رسالة ترامب هذه باختيارهم عدم إصدار أوامر البقاء في المنزل، فمطالبة الناس بالبقاء في منازلهم يساعد على احتواء المرض، ولكن هذا الإجراء يلحق الضرر باقتصاد البلاد.

وكنتيجة لذلك برز واقعان، فالناس في نيو لندن وغيرها من المدن الصغيرة في ولاية أوهايو يعملون من المنزل أو لا يعملون على الإطلاق، في محاولة لتسطيح المنحنى. ففي دانفيل، على سبيل المثال، أقيمت جنازة افتراضية لمزارع، هو جيمس لي كولوبي، البالغ من العمر 82 عاما، والذي توفي بالسكتة القلبية، حتى لا يتعرض أفراد الأسرة لخطر العدوى.

ومع ذلك، فإن أولئك الذين يعيشون في رقعة أخرى من البلاد يعيشون بنفس الطريقة التي كانوا يعيشون بها من قبل. ويقول وليام كالهون، وهو رجل أعمال من بلدة ديس آرك ويعمل في مجال بناء المزارع، إنه يسافر أقل ويقضي المزيد من الوقت مع كلابه. ولكن المبيعات لا تزال قوية: "إنها لا تؤثر فينا حقا".

دراسة التناقض

كانت القطارات تنطلق في انحاء بلدة نيو لندن، الواقعة في الغرب الأوسط والبالغ عدد سكانها 2400 نسمة و تحيط بها حقول الرعي. وخلال فصل الربيع، وفي عطلة نهاية الأسبوع يتوقف السكان المحليون لتناول الآيس كريم في الشارع الشمالي الرئيسي ويذهبون إلى الكنيسة. ولكن الوضع مختلف في هذه الأيام، حيث يلتزم الناس بيوتهم.

وتنظر غافاليا، وهي ممرضة قيد العزلة الذاتية، في الصور القديمة لوالدها الراحل بينما تخوض معركتها ضد "ما يشبه الانفلونزا"، وتقول يبدو أن السعال قد ذهب، و"أعتقد أنني واحدة من المحظوظين".

وليس بعيدا، يعمل العمدة توماس، البالغ من العمر 68 عاما، وآخرون من المنزل. وخلال فترات الراحة، يقوم وزوجته بالتمشية، وهما متشابكي اليدين، وبصحبتهما كلبيهما، كيكو وهوب، ويصف توماس هذه النزهات بأنها " حلوى اليوم".

وفي الوقت نفسه، في بلدة ديس آرك بولاية أركنساس، وهي ولاية تقع في جنوب الولايات المتحدة، تذهب المحاسبة بارشمان إلى مكتبها كل يوم.

ويعمل بشكل معتاد أيضا متجر للمعدات يمتلكه رئيس البلدية جيمس غارث، البالغ من العمر 63 عاما، والذي يدير أيضا أعمال الجنازات ودفن الموتى في المدينة. ويقول مزارع وآخرون في المدينة إنهم يسيرون قدما في خططهم لبناء موقف للسيارات.

وتمت تسمية بلدة ديس آرك على اسم ممر مائي في النهر الأبيض، كان يمتلئ بالقوارب البخارية. ويزرع المزارعون المحليون الأرز، وهو المحصول الرئيسي للولاية، ويصطادون الغزلان والسناجب، والأسماك من البحيرات.

ومعظم الشركات في المدينة مستمرة في العمل، وكذلك بنك، ومعرض سيارات مستعملة، والمطاعم، وهذا الزخم يمثل النقيض للمكاتب الفارغة في نيو لندن وغيرها من مدن أوهايو.

وحتى الآن أصيب شخص واحد فقط في ديس آرك بالفيروس، بحسب العمدة غارث. وخضع المريض للحجر الصحي، وسرعان ما تم تجاوز الأمر، ويفخر سكان المدينة بقدرتهم على الاستمرار.

ويقول جون غوس، البالغ من العمر 26 وهو مدير عام Car City، وهي شركة لتجارة السيارات تعمل في موقعين، أحدهما في المدينة والآخر في سيرسي التي تبعد 30 ميلا: "إنه على الرغم من إغلاق البلاد، ما زلنا منفتحين للأعمال التجارية، فنحن لم نبطئ حقا".

لقد غير العديد من التجار في المدينة الطرق التي يديرون بها أعمالهم، ولكن بشكل طفيف فقط، حيث باتت المطاعم تقدم الوجبات السريعة بدلا من خدمة المائدة.

ويقول تاجر السيارات غوس: "إن الناس يحاولون فقط أن تكون حياتهم أقرب للحياة الطبيعية التي يعرفونها". ويضيف مازحا: "انهم يحاولون عدم ترويع الأطفال".

ويقول المزارع هارفي جو سانر، البالغ من العمر 77 عاما، إنهم اجتازوا "بعض الأوقات الصعبة جدا " في الماضي، فعندما كان صبيا كان يجمع محصول البامية حتى تنزف أصابعه.

ويتذكر وليام كالهون، البالغ من العمر 62 عاما والذي يعمل في بناء المزارع، المواسم السيئة والجفاف، ويقول إنه كاد أن يفلس من قبل مرة واحدة على الأقل. وهم يعملون بجد لضمان أنهم وغيرهم في المدينة سيجتازون هذا الوقت السيئ أيضا.

ويقول سانر: "نعمل على ذلك يوما بيوم".

ويمكنه وآخرون من سكان أركنساس التحرك بحرية وإيجاد حل للاضطرابات في حياتهم اليومية.

ويتناول سانر الإفطار عادة في TJ، وهو مطعم محلي، حيث يعمل على حل الكلمات المتقاطعة. ولكنه بدلا من ذلك، طلب يوم الاثنين فطائر النقانق وقاد سيارته إلى منزل والدته غلاديس، التي تبلغ من العمر 93 عاما، والتي صنعت القهوة، وتحدثا في مطبخها.

كان صباحاً مزدحماً للعمدة غارث، الذي أجرى أيضا بعض التعديلات على حياته. فقد كانت لديه جنازة في وقت مبكر من اليوم لوفاة لا علاقة لها بالفيروس.

ثم ذهب لمبنى البلدية وتوجه إلى متجر الأجهزة. ويتبادل هو وموظفوه أيام العمل، مما يسمح بالتباعد الاجتماعي، ونتيجة لذلك يعملون جميعا بجد عندما يكونون في المتجر.

ويقول: "يجعلنا ذلك أكثر انشغالا بكثير".

ومازال أولئك الذين يعملون في متجر الأجهزة يحتفظون بوظائفهم، على عكس الملايين من الآخرين في أنحاء أخرى من البلاد من الذين أجبروا على الإغلاق أو أقيلوا بسبب اضطرار الشركات إلى إغلاق أبوابها.

وعلى الرغم من أن حاكم ولاية أركنساس لم يصدر أمرا رسميا، إلا أن العديد من الموجودين في ديس آرك يقولون إنهم تبنوا تدابيرهم الخاصة للحفاظ على العمل والبقاء آمنين.

ولا تقع بارشمان، البالغة من العمر 31 عاما، في الفئة الأكثر تعرضا للخطر.

ومع ذلك تقول إن رأيها حول المرض قد تغير: "اعتقدت في البداية أنه أمر سياسي"

وفي هذه الأيام، تشعر بعدم الارتياح. وهي لا تزال تعمل في مكتبها، وتتلقى المكالمات، ولكن بخلاف ذلك تتجنب الناس، مضيفة: "أبقي بابي مغلقا".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان