بعد عام على التطبيع.. لماذا قطع الصومال علاقته الدبلوماسية مع كينيا؟
كتبت- رنا أسامة:
في تصعيد جديد، قرّر الصومال قطع علاقاته الدبلوماسية مع كينيا، وذلك بعد نحو عام على تطبيع العلاقات بين الدولتين الجارتين اللتين تتنازعان منذ أكثر من نصف قرن على الحدود البحرية.
وأوضحت مقديشو أن قطع العلاقات جاء ردًا على "التجاوزات السياسية المتكررة والتدخل السافر في شؤونها الداخلية وسيادتها" من قِبل نيروبي، حسبما جاء في بيان صادر عن وزير الإعلام الصومالي عثمان دوب.
وأكّد أن "الصومال سحب جميع دبلوماسييه من كينيا وأمر الدبلوماسيين الكينيين بمغادرته في غضون سبعة أيام اعتبارًا من اليوم الثلاثاء، من منطلق سيادتها الوطنية التي يكفلها القانون والنظام الدوليان، ووفاءً بواجبها الدستوري في حماية وحدة وسيادة واستقرار البلاد"، وفق البيان الذي نقلته وكالة الأنباء الصومالية (صونا).
وجاء في البيان "تنظر الحكومة الفيدرالية إلى الشعب الكيني على أنه شعب يحب السلام والتعايش بين شعوب المنطقة، وله علاقات عميقة مع الشعب الصومالي تقوم على حسن الجوار والتعاون، لكن قيادة الحكومة الكينية تعمل اليوم على إبعاد الشعبين التي تربطهم المصالح المشتركة".
وأكدت الحكومة الصومالية، في ختام بيانها، على "ضمان استقلال وسيادة ووحدة الشعب الصومالي وفقًا للدستور الوطني والقوانين الدولية، وعدم تنازلها عن حرية واستقلال وسيادة الشعب الصومالي".
وقبل يومين، وصل رئيس أرض الصومال، موسى عبدي، إلى نيروبي، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، وهو الأمر الذي تسبب في مناوشات على موقع التواصل الإجتماعي، بين المسئولين في الصومال و"أرض الصومال"، وعاصمتها مدينة هرجيسا.
ففي اليوم التالي للزيارة، اتهمت مقديشيو، المسئولين في "أرض الصومال"، بتقويض سيادتها، بعدما التقى موسى بيهي، بالرئيس الكيني أوهورو كينياتا، في العاصمة نيروبي.
وغرّدت وزارة الخارجية الصومالية، عبر تويتر، أن زيارة رئيس أرض الصومال يجب أن تعامل بكل ازدراء تستحقه، قبل أن تحذف التغريدة فيما بعد.
وردّت على ذلك بالقول: "بيان الصومال لم يكن ذا صلة بالموضوع، ولا يظهر سوى الفشل واللامسؤولية"، مؤكدة في الوقت نفسه أن "أرض الصومال دولة مستقلة لها الحق في اتخاذ قرارات لتعزيز علاقاتها المتبادلة مع كينيا، وهي دولة مستقلة أيضًا".
بداية الأزمة
بدأت التوترات تُعاود الظهور على السطح بين البلدين قبل شهر، حيث طرد الصومال السفير الكيني لدى مقديشو، لوكاس تومبو، واستدعى مبعوثه من نيروبي، محمد أحمد نور ترسن، على خلفية اتهامات للأخيرة بالتدخل بالعملية الانتخابية في جوبالاند، إحدى ولايات الصومال الخمس التي تتمتع بحكم شبه ذاتي.
وقالت وزارة الخارجية الصومالية في بيان، وقتذاك: "نتيجة التدخلات السياسية للحكومة الكينية في الشؤون الداخلية للصومال، تراجع الرئيس الإقليمي في جوبالاند عن اتفاق الانتخابات الذي تم التوصل إليه في 17 سبتمبر 2020 في مقديشو".
في المقابل، نفت كينيا ارتكاب أي خطأ، ورفضت ما وصفته بـ "المزاعم الواهية التي لا أساس لها". ووصفت الخطوة الصومالية بطرد السفير الكيني بـ"المؤسفة".
وفي فبراير من العام الماضي، استدعت كينيا سفيرها من الصومال وطلبت من سفير الأخيرة المغادرة، بسبب نزاع على مناطق تنقيب على النفط.
برّرت كينيا الخطوة بأنها ردّ على "طرح الحكومة الصومالية عطاءات تنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية الكينية الواقعة على الحدود مع الصومال"، وهي منطقة متنازع عليها بين البلدين، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية.
وفي العام نفسه، اتهمت مقديشو، نيروبي، توقيف وزراء صوماليين ومصادرة جوازاتهم لدى محاولتهم دخول أراضيها.
بالتوازي، تواردت تقارير في ذلك الحين تُفيد بأن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو يعتزم بيع 50 حقلًا نفطيًا، يقع بعضها في المنطقة المتنازع عليها لشركات عالمية في مزاد علني أثناء مؤتمر لندن الذي عُقِد في فبراير 2019، في وقت لا تزال المحكمة الدولية تنظر في ملف النزاع الحدودي البحري بين البلدين.
ووجهت نيروبي - وقتذاك - اتهامات لمقديشو بتجاهل المعايير الدولية في حل النزاعات الحدودية والخلافات السياسية، من خلال بيع حقول نفطية في المناطق المتنازع عليها بين الدولتين، دون البتّ في أمر هذه الحقول.
النزاع على الحدود البحرية
تُمثّل الحدود البحرية أبرز القضايا الخلافة بين البلدين. تطل كل من الصومال وكينيا على المحيط الهندي وتتنازعان على منطقة بحرية غنية بحقول النفط والغاز وتبلغ مساحتها حوالي 142 ألف كم مربع.
وبدأت ملامح الأزمة عام 1979 عندما أعلن الرئيس الكيني الأسبق دانييل موي من جانبه المنطقة البحرية باعتبارها تابعة لكينيا.
وفي عام 2009، وبينما كان الصومال فر ملحة انتقالية على خلفية الحرب الأهلية التي حدثت آنذاك، وقّع البلدان مذكرة تفاهم تقضي بإعادة ترسيم الحدود البحرية مع كينيا، وكانت هذه القضية جزءًا من وثيقة "خارطة الطريق لإنهاء المرحلة الانتقالية الصومالية"، بحسب تقرير سابق لمجموعة الأزمات الدولية.
غير أن البرلمان الصومالي رفض في عام 2011 التصديق على مذكرة تفاهم تم التوصل لها بين قادة البلدين لحل الخلاف وديًا. واعتبر أنها "أداة كينية لنهب مناطق بحرية صومالية، وتهديد لسيادة الصومال.. لما ورد فيها من تحديد سير الحدود البحرية إلى الشرق، وذلك بمحاذاة خط العرض من النقطة التي يلتقي فيها البلدان على الأرض..".
هذا الرفض الصومالي أعقب تدخل كينيا عسكريًا في جنوب الصومال في العام نفسه، ضمن قوات بعثة الاتحاد الأفريقي لمكافحة الإرهاب.
وفي عام 2014، لجأت الصومال إلى محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع الحدود بين البلدين، في خطوة رفضت كينيا الاعتداد بها، واعتبرت أن المحكمة "غير معنيّة في ذلك الأمر"، بيد أن الأخيرة أصدرت حكمًا في عام 2016 بأحقيتها في نظر القضية، وفق "الأزمات الدولية".
ومنذ يوليو 2015 وحتى ديسمبر 2018، تبادل الطرفان إيداع المذكرات لدى "العدل الدولية"، قبل أن تحدد أخيرًا في يونيو 2019 موعدًا لعقد جلسات الاستماع العلنية في مقر المحكمة بمدينة لاهاي الهولندية.
وفي خِضم هذه النزاعات، أسفرت جهود الوساطة الدولية لفرض تهدئة واحتواء الأزمة، عن توقيع اتفاق بين الصومال وكينيا في نوفمبر 2019.
ونص الاتفاق على تطبيع العلاقات، والبحث عن سبل تعزيز العلاقات الثنائية والدبلوماسية بين البلدين، دون التطرق للتفاصيل الخلافية أو ذكر ملامح لحلها، وفق وكالة "فرانس برس".
فيديو قد يعجبك: