غارقون في بحر من المشاكل العالمية.. كيف يدير بايدن وفريقه السياسة الخارجية؟
كتبت- هدى الشيمي:
سيغوص فريق الرئيس الأمريكي المُنتخب جو بايدن قريبًا في بحر من المشاكل، فالعالم الآن أصبح أكثر خطورة عما كان عليه بينما كان الرئيس المُنتهية ولايته دونالد ترامب يستعد لاستلام مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
تستمر كوريا الشمالية في تطوير برنامجها النووي رغم كل رسائل الحب التي تبادلها ترامب مع كيم جونغ أون، وتحظى حركة طالبان بالنفوذ والقوة وتمارس عملها بشكل طبيعي في أفغانستان، رغم محادثات السلام غير المُجدية.
وقالت شبكة سي إن إن الإخبارية إن قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من الخارج وإعادتها إلى الولايات المتحدة قبل أيام من تنصيب جو بايدن رسميًا سيترك خلفيته محاصرًا في العراق وأفغانستان.
وهناك الاتفاق النووي مع إيران، وأسوأ كارثة انسانية في العالم في اليمن، وانتهاكات الصين لحقوق الإنسان بحق مُسلمي الإيغور واعتدائها على الديمقراطية في هونج كونج، علاوة على أزمة وباء كورونا المستجد التي تتفاقم مع الوقت، وفوق هذا وذاك التهديد الذي يشكله تغير المناخ للكوكب بأكمله.
المختارون الستة
في ظل هذه المشاكل المُخيفة يعكس اختيار بايدن للأشخاص الذين يشغلون المناصب الرئيسية للأمن القومي والسياسة الخارجية رغبته في استعادة النظام وتقدير الكفاءة والخبرة، وهم المختارون الستة لمناصب الأمن القومي، الذين قدمهم بايدن رسميًا في فعالية أُقيمت في مدينة ويلمنجتون بولاية ديلاوير، أمس الثلاثاء.
أنتوني بلينكن، الذي وقع عليها الاختيار لتولي حقيبة الخارجية، ديمقراطي معروف بين القادة الأجانب منذ إن كان موظفَا في إدارة أوباما وعمل كنائب لوزير الخارجية ونائب مستشار الأمن القومي.
يعد بلنكين دبلوماسي مُحنّك يتمتع بذكاء كبير، وتتوقع (سي إن إن) أن يكون قادرًا على استعادة الروح المعنوية في وزارة الخارجية، والتي انهارت بسبب سياسات الوزراء السابقين ريكس تيلرسون ومايك بومبيو.
ووقع اختيار بايدن على أفريل هينز لتصبح أول امرأة تتولى إدارة الاستخبارات الوطنية، وهي نائبة سابقة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، مسؤولة سابقة في إدارة أوباما.
وسيشغل جيك سوليفان منصب مستشار الأمن القومي، وهي واحدة من أصعب الوظائف في واشنطن لأنها تتطلب إدارة العمليات المشتركة بين الوكالات المختلفة، وتقديم قائمة بأفضل الخيارات السياسية للرئيس لمساعدته على اتخاذ القرارات الأمنية الصعبة. عيّن بايدن أليخاندرو مايوركا وزير الأمن الداخلي، هو مواطن إسباني وُلد في العاصمة الكوبية هافانا وسيشرف على قضايا الهجرة بشكل خاص.
"الانفصال عن أمريكا أولا"
أكد بايدن أن فريقه المعني بالسياسة الخارجية يسعى للانفصال بشكل تام عن سياسة "أمريكا أولاً" التي يتبعها ترامب.
وقال الرئيس المُنتخب - حسبما نقلت فاينانشال تايمز، - :"إن فريقه الجديد يعكس حقيقة أن أمريكا عادت بقوة، وأصبحت مستعدة لقيادة العالم، لا الابتعاد عنه.. ونحن مستعدون مرة أخرى للجلوس على رأس الطاولة، ومواجهة خصومنا وعدم رفض حلفائنا، فضلا عن الدفاع عن قيمنا".
مشاكل بسيطة
هناك بعض المشاكل التي يبدو أن بايدن قادر على انهائها بسهولة، فقد بدأ حلفاء أمريكا في حلف الناتو بالالتفاف حول بايدن لدعمه. وكذلك أعلن الرئيس المُنتخب أنه سينضم إلى اتفاقية باريس بشأن المناخ، وسيعيد الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية.
"الجنود في العراق وأفغانستان"
ورغم صعود فرع تنظيم داعش في أفغانستان وتحقيق طالبان لتقدم واضح، يدفع ترامب باتجاه سحب القوات الأمريكية والتي يبلغ عددها 2500 من أفغانستان بحلول 15 يناير، دون اعتبار لتدهور الأوضاع على أرض الواقع، وهو الأمر السيء لبايدن.
حسب سي إن إن لا يريد أي رئيس أن يجد نفسه مُضطرًا إلى إعادة المزيد من الأمريكيين إلى أفغانستان، وعارض بايدن الوجود العسكري الأمريكي واسع النطاق عندما بينما كان نائبًا للرئيس، علاوة على ذلك، فإن انسحاب ترامب يُنهي النفوذ الضئيل الذي يتمتع به فريقه التفاوضي مع طالبان، لأن الهدف الرئيسي للحركة هو سحب القوات الأمريكية.
يدفع ترامب تجاه الانسحاب من العراق، ويعرف بايدن- حسب سي إن إن- ما حدث بعدما سحبت إدارة أوباما جميع القوات الأمريكية من العراق في 2011، بعد ثلاثة أعوام تمكن تنظيم داعش من الاستيلاء على جزء كبير من البلاد، واضطر أوباما إلى ارسال آلالاف الجنود إلى هناك مُجددًا، ومن المؤكد أن فريق بايدن لا يريد تكرار نفس الخطأ.
"سنوات صعبة لاردوغان"
توقعت شبكة بلومبرج الإخبارية أن تكون فترة حكم بايدن شديدة الصعوبة بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لاسيما وأن أنقرة تعرف نائب الرئيس الأمريكي السابق ومستشاريه جيدًا.
وصف بايدن اردوغان خلال مقابلة مع نيويورك تايمز نُشرت في يناير الماضي بـ"المستبد"، ودعا إلى دعم معارضيه للإطاحه به من أجل "دفع الثمن".
تتوقع الشبكة الإخبارية أن يكون الثمن باهظًا، وقالت إنه بالإضافة إلى التهديد بفرض عقوبات فمن المحتمل أن تُفرض عقوبات أكثر قسوة على البنوك التركية الحكومية. وكذلك هناك الخلافات التي لم يتم حلها بشأن وضع المقاتلين الأكراد في سوريا، والمشاكل التي أحدثتها البحرية التركية في البحر الأبيض المتوسط ومناطق أخرى فيما يتعلق بعمليات التنقيب عن الغاز والنفط.
مع ذلك ينفي اردوغان ما يتردد عن أن علاقة الصداقة التي تجمع بين أنقرة وموسكو كانت بديلاً للعلاقات مع أمريكا. ودعا الرئيس التركي في اليوم التالي إلى تعاون أوثق مع أوروبا، التي لم يكف عن الجدال معها لعدة أشهر.
خلال حكم ترامب، استطاعت تركيا تحقيق عدة إنجازات ملحوظة فيما يتعلق بسياستها الخارجية لاسيما في سوريا، ليبيا، ومؤخرًا أذربيجان، ولكن الوضع يتغير الآن لأن اردوغان سيفقد صديقه الذي كان يسكن البيت الأبيض.
أوقات صعبة لروسيا
توقعت محللون روس أن وصول بايدن إلى سدة الرئاسة ستواجه العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة أوقاتا صعبة، مع ذلك قال بعض الخبراء لوكالة سبوتنيك الروسية إنه ربما يكون هناك فرصة لتمديد اتفاقية "ستارت-3"، وهي مشكلة مشتركة للبلدين، ولكن ربما تكون هذه هي اللحظة الإيجابية الوحيدة في العلاقات بين موسكو وواشنطن.
وقال عميد كلية السياسة العالمية في جامعة موسكو الحكومية، أندريه سيدوروف، لـ"سبوتنيك"، إن بايدن تحدث عن نيته تمديد المعاهدة الأمريكية-الروسية حول خفض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت-3)، والتي تم توقيعها في عام 2010، عندما كان بايدن، نائب الرئيس في إدارة أوباما.
وحسب سيدوروف فإنه سيكون من الأسهل على الإدارة الجديدة الموافقة على اقتراح الرئيس الروسي حول تمديد كل شيء لمدة عام وإجراء محادثات خلال هذا العام.
يرى فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة روسيا في الشؤون العالمية، أنه لا يهم على الإطلاق من هو رئيس الولايات المتحدة، وقال، في مقال رأي، "إننا نرى مسارا واضحا تماما للعلاقات مع روسيا، والتي تتدهور منذ فترة طويلة في ظل مختلف القادة الأمريكيين".
وقال الكرملين يوم الاثنين إنه سينتظر النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل التعليق عليها، مشيرا إلى أنه يأخذ في الاعتبار إعلان الرئيس الأمريكي الحالي ترامب عن تقديم طعون قانونية في عملية التصويت.
تتوقع روسيا ألا تختلف سياسة بايدن الخارجية كثيرًا عن سياسة باراك أوباما، وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الخميس، "ستكون مشابهة لسياسة الولايات المتحدة خلال حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما خصوصا فيما يتعلق بإيران والمناخ".
قال بايدن في خطاباته الانتخابية إن روسيا "العدو الرئيسي لأمريكا"، ووصف الرئيس المنتخب موسكو بالتهديد الرئيسي للأمن القومي الأمريكي، في مقابلة مع برنامج 60 دقيقة على شبكة سي بي إس الأمريكية عُرضت في أواخر أكتوبر بالماضي.
ورد ديمتري بيسكوف،المتحدث باسم الكرملين، حينها على تصريح بايدن، بالقول إن "روسيا لا توافق عليها"، وإن "مثل هذا الخطاب أدى إلى تضخيم الكراهية تجاه الاتحاد الروسي".
تغيير المسار
تعهد بايدن بتغيير المسار مع طهران، وأظهر استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي الذي أشرفت عليه إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في عام 2015، بشرط احترام إيران الكامل لالتزاماتها النووية.
وجاء ذلك بعد نحو عامين من قرار ترامب الاحادي بالانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية، انعكست سلبا على وضعها الاقتصادي وسعر صرف عملتها المحلية، ما تسبب في بلوغ العلاقات لأقصى مراحل التوتر منذ حوالي أربع عقود، خاصة بعد اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني بضربة جوية قرب مطار بغداد، مطلع العام الجاري.
من جانبه، حث الرئيس الإيراني حسن روحاني بايدن على العودة الى الظروف التي سبقت عهد سلفه المنتهية ولايته، معتبرا أن خطوة كهذه قادرة على تسهيل حل المشاكل.
وقال روحاني، في كلمة متلفزة خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة "يمكن لإيران والولايات المتحدة أن تقررا وتعلن العودة الى ظروف ما قبل 20 يناير 2017"، في إشارة الى تاريخ تنصيب ترامب رئيسا لبلاده.
وأضاف: "سياسة حكومة الجمهورية الإسلامية هي التزام في مقابل التزام، خطوة في مقابل خطوة، خفض التوتر في مقابل خفض التوتر، احترام في مقابل احترام، التزامات دولية في مقابل التزامات دولية".
وتابع "في حال توافرت إرادة مماثلة لدى القادة الأمريكيين الجدد، أعتقد أنه سيكون من السهل حل" الكثير من المشاكل، وأيضا "تغيير المسار بشكل كامل والظروف، وبعدها، يمكن متابعة المراحل التالية في مجالات مختلفة".
يرى روحاني أن فوز بايدن قد يعطي الولايات المتحدة فرصة لتعويض "أخطائها السابقة"، مؤكدا أن بلاده لن تفوّت أي مجال لرفع العقوبات عنها.
فيديو قد يعجبك: