عجلة التاريخ.. كيف تشابهت أزمة إيران الحالية مع غزو أمريكا للعراق؟
كتبت- هدى الشيمي:
تقف الولايات المتحدة على شفا حرب غير متوقعة في الشرق الأوسط، بعد الغارة الجوية التي شنتها على موكب قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وثاني أهم الرجال في الجمهورية الإسلامية، ما أثار حفيظة إيران، وتعهدت بالانتقام مما اعتبرته "جريمة بشعة وراءها دوافع سياسية".
لا تختلف الأجواء الحالية عما كانت عليه إبان حكم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، لاسيما الفترة ما بين عامي 2002 و2003، ففي هذه الفترة كانت إدارة الرئيس الجمهوري مُتجهة إلى حرب كارثية في العراق، والتي قادت إلى الكارثة الحالية مع إيران، حسب مجلة ذي أتلانتيك، التي أشارت إلى أن كل المعلومات المتعلقة بقرار الرئيس دونالد ترامب لقتل سليماني تُعيد للأذهان الحالة التي عاشتها منطقة الشرق الأوسط قبل 17 عامًا.
لا يتطلب الأمر الكثير لمعرفة أوجه الشبه بين الأزمة الأمريكية الإيرانية الحالية، والأزمة مع العراق قبل غزوها، لاسيما وأن العوامل التي جعلت غزو العراق كارثة متوفر في الأزمة الحالية، والتي من بينها الادعاءات المشكوك فيها، والتفكير المتعصب دون وجود أي خطط مستقبلية، الانقسامات المدنية والعسكرية، وغياب أي استراتيجية عملية.
تغيير النظام
أكد ترامب، في تصريحات أعقبت مقتل سليماني، أن واشنطن لا تسعى إلى تغيير نظام الحكم في طهران، ما يتناقض مع تحركات المُتشددين في إدارته التي تبدو كأنها محاولات لتغيير نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية.
سعي بعض الساسة في إدارة ترامب إلى إحداث تغيير في سياسة الحكم بالجمهورية الإسلامية، لا يختلف شيئاً عما قام به نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، اللذان بذلا كثير من الجهد كي يغيران نظام الحكم في العراق بعد وصولهما إلى المكتب البيضاوي.
بعد فترة وجيزة من حدوث هجمات 11 سبتمبر، بحث رامسفيلد عن ذريعة لبدء حرب في العراق، فيما أعرب بعض القادة العسكريين عن خوفهم إزاء هذا الأمر. وبحلول عام 2002، كانت الولايات المتحدة شنت حربًا في أفغانستان، وفي تلك المرحلة تخلص وزير الدفاع من كل المعارضين لدخول واشنطن حرب أخرى، وكان من بينهم رئيس أركان الجيش إريك شينسيكى.
وبالعودة إلى الأزمة الحالية، ذكرت المجلة أن ترامب تعهد خلال حملته الانتخابية الماضية بإنهاء الحروب التي تشارك فيها بلاده في الخارج، غير أن نائب الرئيس ووزير خارجيته شجعوه إلى القيام بعمل عسكري دون التفكير في عواقبه الخطيرة.
لفتت ذي أتلانتيك إلى أن القادة العسكريين في واشنطن كانوا غير مستعدين ومندهشين من قرار الإدارة باستهداف سليماني، الذي بررته وزارة الدفاع (البنتاجون) بالدفاع عن النفس، بعد حصولها على معلومات استخباراتية سرية تفيد بأن القيادي الإيراني كان يُخطط لعمليات تُضر مصالح الولايات المتحدة ورعاياها في الشرق الأوسط.
فبركة الحقائق
قدمت إدارة بوش مجموعة من المبررات للشعب الأمريكي كي تحصل على دعمهم إزاء الحرب في العراق، وتمثل ذلك في تحريف المعلومات الاستخباراتية، والمبالغة في خطورة صدّام حسين، والترويج إلى أنه يعمل على اعداد برنامج أسلحة دمار شامل.
ادعى بوش وديك تشيني أن صدام حسين كان على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة، ما يعني أنه ربما يكون على علاقة بهجمات 11 سبتمبر.
لم تعثر الولايات المتحدة على أسلحة دمار شامل بعد غزو العراق، اعترف ديك تشيني بالأمر لاحقًا، أكد أن واشنطن لم تجد أي أثر لتلك الأسلحة التي دفعتهم إلى الذهاب إلى هناك.
ورغم احتفاء عدد من المسؤولين العراقيين بالتخلص من صدّام حسين، ولكن الأمور آلت إلى الأسوأ منذ الإطاحة به، إذ انتشر العنف في العراق، وحدثت عمليات نهب وسرقة على نطاق واسع، وزاد الانقسام الطائفي بين الشيعة والسنة، ما قاد في النهاية إلى ظهور تنظيم داعش، ومع مقتل أكثر من 200 ألف مدني عراقي أصبح الحنين إلى فترة حكم صدّام حسين أمرًا شائعًا.
بعد ساعات من مقتل سليماني، صوّت البرلمان العراقي على إخراج القوات الأمريكية من البلاد، مُعتبرين الغارة التي أنهت حياة سليماني انتهاكاً لسيادة العراق.
في كلتا الواقعتين، أكدت أمريكا أنها كانت تدافع عن نفسها، تمامًا كما فعلت إدارة بوش في 2003، وصفت إدارة ترامب هجومها على سليماني بالعملية الدفاعية، مؤكدة أنه كان يُشكل خطرًا كبيرًا على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتعامل ترامب مع عملية القتل على أنها انتصار لبلاده، مُغردًا علم بلاده على تويتر.
روّج الأمريكيون لأنفسهم على أنهم أبطال عقب الواقعتين، بعد دخول القوات الأمريكية العراق في عام 2003، تحدث ديك تشيني عن تهليل العراقيين بمقتل صدّام، وأخبر الصحفيين أنهم يتعاملون مع الجنود باعتبارهم محررين للبلد من سطوة صدام الديكتاتور. وكذلك أعاد وزير الخارجية مايك بومبيو، نشر مقاطع فيديو لعراقيين يحتفلون في الشوارع بمقتل سليماني.
وبصرف النظر عن مبررات واشنطن لحرب العراق أو مقتل سليماني، قالت ذي أتلانتيك إن عدم التخطيط لتبعات القرار العسكري كان السبب الرئيسي في تحول غزو العراق إلى كارثة كبيرة، مُرجحة حدوث كارثة أخرى نظرًا إلى أن ترامب لم يفكر في تبعات قراره المتهور باستهداف القيادي الإيراني.
فيديو قد يعجبك: