من الجِمال إلى السلطة.. هل يصبح حميدتي "رجل السودان القوي" الجديد؟
كتبت- رنا أسامة:
سلّطت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية الضوء على صعود نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم في السودان، الفريق محمد حمدان دقلو، ليتحوّل إلى "رجل قوي" جديد خلفًا للرئيس المعزول عُمر البشير، فيما تدور شُبهات حول ارتكابه انتهاكات حقوقية بدارفور، ووقوفه وراء سقوط عشرات القتلى خلال فضّ اعتصام الخرطوم.
وقالت الوكالة في تقريرها المنشور على موقعها الالكتروني، الثلاثاء، إن قادة الاحتجاج في السودان عندما وقّعوا اتفاقًا أوليًا لتقاسم السلطة مع المجلس العسكري الحاكم في وقت مبكر من يوليو الماضي، لم يكن لديهم خيارًا سوى مصافحة الرجل الذي يتهمه الكثير منهم بالوقوف وراء مجزرة فضّ اعتصام الخرطوم التي وقعت قبل شهر من التوقيع.
وأشارت إلى أن اسم الجنرال محمد حمدان دقلو، القائد شبه العسكري من دارفور والمعروف على نطاق واسع بـ"حميدتي"، برز باعتباره وسيط السلطة الرئيسي في السودان خلال الأشهر التالية لعزل الرئيس عمر البشير.
ويتباهي حميدتي بعشرات الآلاف من القوات شبه العسكرية التي أمضت سنوات تقاتل المتمردين في جميع أنحاء السودان، وكذلك المتمردين في اليمن نيابة عن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ويقول خبراء إن بإمكانه الاستفادة من عائدات قطعان الماشية الكبيرة لعائلته وعمليات تعدين الذهب في دارفور، فضلًا عن التمويل الذي يتلقّاه من دول الخليج، من أجل شراء ذِمم زعماء القبائل والنُخب المحلية الأخرى. الأمر الذي عدّته الوكالة بأنه "وصفة لنظام محسوبية جديد مُماثل لذلك الذي أبقى البشير في السلطة لمدة ثلاثة عقود".
ولكنه في الوقت نفسه يواجه رياحًا مُعاكسة: من الحركة المُطالبة بالديمقراطية التي حشدت عشرات الآلاف وهمّت بهم إلى الشوارع؛ ومن القبائل المُتنافسة والجماعات المتمردة التي حاربت قواته؛ ومن النُخب في الخرطوم، الذين ينظرون إلى من كان ذات يوم تاجر جِمال قادِم من إقليم دارفور البعيد باعتباره "دخيلًا".
وهذا الأسبوع، أعلن المتظاهرون والقادة العسكريون في السودان عن تحقيق تقدّم جديد في جهودهم الرامية لتشكيل حكومة مشتركة تُمهّد الطريق لحكم مدني. بيد أن التحول الديمقراطي لا يزال هشًا، ويمكن لصعود حميدتي- إلى جانب المقاومة المتزايدة له- أن يُغرِق البلاد في مزيد من الفوضى، بحسب الوكالة.
راعٍ جديد
يقود حميدتي قوات الدعم السريع، التي تشكّلت من ميليشيات الجنجويد المُرعبة التي تم حشدها لإخماد التمرد في دارفور في أوائل العقد الأول من القرن العشرين. غير أن المحكمة الجنائية الدولية، التي اتهمت البشير وغيره من كبار المسؤولين بالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، لم توجّه أصابع الاتهام لحميدتي. فيما تقول جماعات حقوق الإنسان إن قواته أقدمت على حرق القرى واغتصاب وقتل المدنيين خلال سلسلة من حملات مكافحة التمرد على مدار العقد الماضي.
وفي هذا الصدد، ذكرت الوكالة أن المتحدثين باسم الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لم يردّوا على طلبات متعددة للتعليق على تصرفات حميدتي السابقة أو طموحاته الحالية.
وأشارت إلى أن قوات حميدتي حقّقت انتصارات عسكرية على متمردين وقبائل عربية متنافسة، ما سمح لعائلته بتوسيع أعمالها في مجال الثروة الحيوانية وتعدين الذهب، الذي أصبح أكبر صادرات السودان بعد انفصال الجنوب الغني بالنفط عام 2011.
ولا يتوافر سِوى عدد قليل من الأرقام المُتاحة للجمهور، إن وُجِدت، للثروة الموجودة تحت تصرف حميدتي وقوات الدعم السريع. ولكنه تباهى في الأشهر الماضية بإيداع مليار دولار في البنك المركزي ودفع رواتب المعلمين ورجال الشرطة.
ونقلت الوكالة عن سليمان بالدو، الباحث في منظمة (إناف بروجيكت)، قوله: "كل الدلائل تشير إلى أنه (حميدتي) شخص يحاول أن يكون الديكتاتور العسكري القادم للسودان".
لكنه شكّك في قدرة حميدتي على الحفاظ على نظام المحسوبية الذي أبقى البشير في السلطة، وأضاف: "السودان مُنهك تمامًا، والاقتصاد الوطني في حالة انهيار تام بسبب كل هذا، ولا توجد وسيلة تُمكّن حميدتي من الحفاظ على الاقتصاد".
عدم ثقة في الخرطوم
خلال الأشهر التي تلت الإطاحة بالبشير، عمل حميدتي في مكتب بمقر الرئاسة، حيث استقبل مبعوثين أجانب ومسؤولين آخرين. لكن في العاصمة، لا يزال يُنظر إليه باعتباره دخيلًا.
وقال أليكس دي وال، خبير الشؤون السودانية في جامعة تافتس، إن "هناك إجماع بين النُخب في الخرطوم على أن حميدتي لا يمكن أن يكون حاكم السودان، لأنه كدارفوري غير متعلم جاء من الطبقة الخطأ والمكان الخطأ، ويفتقر إلى المؤهلات الرسمية كالتعليم أو المؤهلات العليا".
وأشارت الوكالة إلى أن المتظاهرين يتهمون وحدات الدعم السريع بالوقوف وراء فض الاعتصام الرئيسي خارج مقر وزارة الدفاع في الخرطوم في 3 يونيو الماضي، عندما قتلت قوات الأمن عشرات الأشخاص. لكن النيابة العامة السودانية اتهمت 8 من ضباط وحدات الدعم السريع، بينهم جنرال كبير، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكنهم قالوا إن المجلس العسكري لم يأمر بذلك.
ودعا بعض قادة الاحتجاج إلى حل وحدات الدعم السريع، وقال تجمع المهنيين السودانيين -الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير- والحزب الشيوعي إنه يجب محاكمة حميدتي على جرائمه المزعومة في دارفور.
لكن في النهاية، وتحت ضغط دولي، عاد المحتجون إلى طاولة المفاوضات مع الجيش بشأن اتفاق تقاسم السلطة. ووقّع الجانبان وثيقة مبدئية الشهر الماضي. وحضر حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري مراسم التوقيع.
كما وُقّعت الوثيقة الدستورية، الأحد الماضي، والتي من شأنها أن تضع قوات الدعم السريع تحت قيادة الجيش. وقال المحتجون إن ذلك سيتيح محاكمة قادة الجيش أو القادة المدنيين إذا ثبت ضلوعهم في أعمال عنف ضد المحتجين. وأشاد حميدتي بالاتفاق ووصفه بأنه انتصار للطرفين.
المقاومة في الولايات
وأبرزت الوكالة الأمريكية سبيلًا آخر رُبما يُمكّن حميدتي من الصعود إلى السلطة، وهو الولايات، حيث أثار إهمال الحكومة المركزية وتهميشها تمرّدات تعود إلى عقود مضت.
وقال دي وال إن "الاحتمال الأكبر اليوم هو استغلال حميدتي لمؤهلاته كرجل المناطق النائية وبنائه قاعدة دعم تتضمن إبرام اتفاقات مع الجماعات المسلحة"، مُضيفًا أن حميدتي يعلم ثمن الولاء من تجارب سابقة، وأن قوات الدعم السريع بإمكانها دمج الجماعات المسلحة.
كما أكّد ناشط من قبيلة حميدتي -الرزيقات- أنه سدّد "الكثير من الأموال لزعماء قبليين" ومنح وظائف وقدّم خدمات أخرى لشراء ولائهم. وأضاف، مُشترطًا تكتم هويته خشية الانتقام، أن "المعارضة ضده صامتة لأنهم يخشون الملاحقة".
كما التقى حميدتي أيضًا قادة عدة جماعات متمردة-منهم جماعات حاربها هو شخصيا- في تشاد وجنوب السودان والإمارات. ومع ذلك يقول خبراء أنه لازال لديه عدد كبير من الأعداء من حملاته السابقة، وفق الأسوشيتد برس.
وقال جيروم توبيانا، وهو باحث آخر في شؤون السودان، إن حميدتي "فشل بالفعل في تأمين قاعدة قوية في وسط البلاد، ورهانه على تمثيل جميع المناطق النائية، او حتى كل درافور، لن يكون سهلًا بالنظر إلى ماضيه العنيف."
كما تشكّك بالدو أيضًا، وقال: "في دارفور لديه ضحايا بالملايين، ولا اعتقد أنهم سيحتشدون خلفه".
فيديو قد يعجبك: