ما الذي يُمكن أن تتعلمه أفريقيا من التجربة السودانية؟
كتبت- رنا أسامة:
اعتبرت صحيفة "ميل آند جارديان" الجنوب أفريقية أن ما حدث في السودان يُمثّل سابقة يُمكن أن تسير على خُطاها باقي الدول الأفريقية، لاسيّما التي تجاوز زعماؤها فترة حكمهم، بما في ذلك رئيس غينيا الاستوائية، تيودورو أوبيانج نجويما، الذي تولى السلطة من خلال انقلاب في عام 1979. كما أمضى رؤساء الكاميرون وتشاد وإريتريا ورواندا وأوغندا ما يصل مجموعه إلى 188 عامًا في الحكم.
وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته على موقعها الالكتروني، إن الأفارقة، وبخاصة الشباب الأفريقي، قد سئموا من تطبيع الديكتاتوريات، والوعود الزائفة، وانتهاكات حقوق الإنسان. ورجّحت أن تشهد السنوات المقبلة مزيدًا من الانتفاضات السلمية في هذه البلدان التي تسعى إلى فرض تحولات سياسية.
كان المجلس العسكري الانتقالي في السودان قد وقعّ بصورة نهائية، أمس السبت، اتفاقًا "تاريخيًا" لتقاسم السلطة مع ممثلي المعارضة، بحضور وفود عربية ودولية رفيعة المستوى. وينص الاتفاق على تكوين مجلس حاكم انتقالي من المدنيين والعسكريين، بما يفسح الطريق لانتخاب حكومة مدنية.
فيما يُنتظر الإعلان، اليوم الأحد، عن تشكيل مجلس السيادة الذي سيتولى إدارة مرحلة انتقالية تستمر لثلاث سنوات. وسيقوم مجلس السيادة، وهو يضم مدنيين وعسكريين، بتعيين رئيس للوزراء وتشكيل حكومة جديدة.
ويأتي ذلك بعد 4 أشهر من الإطاحة بعُمر البشير، الرئيس الأطول حكمًا في تاريخ السودان، إثر احتجاجات ومواجهات دامية بين متظاهرين وقوات الأمن أوقعت عشرات القتلى والجرحى.
"ظاهرة جديدة"
وأبرزت التجرية السودانية، بحسب الصحيفة، ظاهرة جديدة يُحتمل أن تغزو القارة. فقد تُصبح سلطة الشعب الاستراتيجية المُثلى للإطاحة بالزعماء الديكتاتوريين. وعندما يحدث ذلك، يُتوقع أن يلعب الجيش والمغتربين والمنظمات الإقليمية دورًا في ضمان حدوث التحوّلات.
الأمر الذي أكّده رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال مراسم توقيع وثائق الفترة الانتقالية، الذي قال إن السودانيين أثبتوا أن الأفارقة يستطيعون حل مشاكلهم بأنفسهم، داعيًا إياهم للحفاظ على الاتفاق وحمايته بوصفه البديل الأوحد لتحقيق وضع يكون الجميع فيه منتصرًا.
ولفت المسؤول الإثيوبي إلى أن بلاده دعمت الانتقال السلمي للسلطة في السودان، واصفًا الرحلة للوصول إلى الاتفاق بأنها "لم تكن سهلة". وأوضح في كلمته أن مبادئ التحول الديمقراطي يجب أن تطبق بحذافيرها، مؤكدا أن "السلام للأجيال القادمة، سيعتمد على ما أنجزناه اليوم".
كما أشارت الصحيفة إلى أن الاحتجاجات المستمرة في السودان ترافقت مع حركة احتجاج عالمية من هونج كونج إلى فنزويلا، ونيكاراجوا وكوستاريكا، إما للمطالبة باحترام حقوق الإنسان، وإحداث إصلاحات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، أو لتغيير حكوماتها التي فقدت الاتصال مع شعبها.
واندلعت احتجاجات السودان بادئ ذي بدء، في نهاية ديسمبر الماضي، تنديدًا بنقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، ثم تحوّلت إلى تظاهرات شعبية تُطالب في المقام الأولى بتنحّي البشير.
"رسالة مدويّة"
علاوة على ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن السودانيين الصامدين يبعثون الآن برسالة مدويّة إلى إخوانهم الأفارقة مُفادها أنه: "عندما يحين الوقت لإحداث تغيير في بلدانهم، لا ينبغي عليهم أن يحتفلوا فقط بالتغييرات في القيادة السياسية التي ينظمها الجيش؛ وعليهم ألا يثقوا في القادة العسكريين لإدارة التحوّلات. بل يجب أن يواصلوا احتجاجاتهم حتى يتم نقل السلطة بالكامل إلى حكومة مدنية، وينبغي على الجيش الالتزام بالدور الرئيسي داخل الدولة والابتعاد عن السياسة".
ورأت الصحيفة أن المؤسسات الإقليمية والقارية يُمكن أن تُساعد أيضًا في هذا الصدد. وهو ما بدا جليًا في جهود الاتحاد الأفريقي المُكثّفة في السودان لضمان نقل السلطة من العسكر إلى المدنيين بشكل سريع، بما في ذلك قراره تعليق عضوية السودان بعد شهرين من الإطاحة بالبشير إلى حين إقامة سلطة انتقالية مدنية إقامة بشكل فعلي.
وجاء ذلك بعد أحداث فض اعتصام المحتجين أمام القيادة العامة بالعاصمة السودانية الخرطوم، في 3 يونيو، موقعًا ما لا يقل عن 120 قتيلًا، بحسب قوى المعارضة. وأقر المجلس العسكري الحاكم بتورط عسكريين في فض الاعتصام.
كما توسّط الاتحاد الأفريقي، إلى جانب إثيوبيا، في المفاوضات بين المجلس العسكري وقادة الاحتجاج في السودان، ونأى بنفسه عن محاولات المجلس العسكري للتشبث بالسلطة، وهو الأمر الذي أشاد به كثيرون في الداخل السوداني وعبر القارة، بحسب الصحيفة.
وخلال مراسم توقيع وثائق المرحلة الانتقالية بالسودان، أكد رئيس الوساطة الافريقية المشتركة، محمد الحسن لبات، أن الاتحاد الأفريقي سيبذل قصارى جهده للدفاع عن السودان في المحافل الإقليمية والدولية، من أجل المساهمة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإعفاء ديون السودان الخارجية.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن "هناك صيحة في أفريقيا للمطالبة بالتغيير والإصلاحات السياسية. ويُمكن للأفارقة بل ينبغي عليهم التعلم من السودان".
فيديو قد يعجبك: