"الحرب السيبرانية".. كيف تحمي الولايات المتحدة أمنها القومي دون أسلحة؟
كتبت - إيمان محمود:
في الشهر الماضي، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرًا يتهم واشنطن بـ"تصعيد هجماتها الإلكترونية على شبكة الكهرباء الروسية"، وهو ما أغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي نفى وأدان الصحفيين بوصفهم "أعداء الشعب".
كتب ترامب آنذاك على حسابه بـ"تويتر" أن "هذا عمل قد يرتقي إلى الخيانة من قبل صحيفة كانت عظيمة فيما مضى، تسعى يائسة لقصة، أي قصة حتى لو كانت تضر ببلادنا".
وبعد فترة وجيزة، غضب ترامب مرة أخرى بعد إسقاط إيران طائرة عسكرية أمريكية دون طيار، بعد أن زعمت طهران أن الطائرة اخترقت مجالها الجوي، وعلى الفور أمر بشن هجوم على أهداف عسكرية في إيران، لكنه ألغى ذلك في اللحظة الأخيرة، قائلاً إنه سيتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا.
وترى صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن ترامب اختار بديلاً عن الهجوم العسكري المباشر، الهجوم الإلكتروني على نظام الصواريخ الإيراني ووحدة الاستخبارات الإيرانية، التي تقول واشنطن إنها ساعدت في التخطيط للهجمات على ناقلات النفط النرويجية واليابانية في مضيق هرمز الشهر الماضي. ولم يصدر ترامب أي نفي لهذا الهجوم السيبراني.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أرسلت بعد الهجوم تحذيرًا إلى صناعة الطاقة في البلاد بشأن الهجمات الإلكترونية الإيرانية المُحتملة، قائلة إن طهران يمكن أن تستهدف المصانع ومواقع النفط والغاز الحكومية وأهدافًا مماثلة.
ونقلت الصحيفة أيضًا عن نيل جيلر أحد مؤسسي ورئيس قسم التكنولوجيا في شركة "سايبر إكس"، وهي شركة ناشئة متخصصة في الهجمات الإلكترونية التي تلحق الضرر بالبنية التحتية المادية، قوله: "من المثير للاهتمام للغاية رؤية بلد يستجيب لهجوم إلكتروني".
وأضاف جيلر أن "الهجوم الإلكتروني لا يتبع قواعد ومعايير الحرب، ويمكن أن يكون له تأثير واسع النطاق للغاية.. وعلى عكس القصف الجوي الذي يُنظر إليه كإعلان حرب، يمكن للهجوم الإلكتروني أن يتسبب في أضرار جسيمة دون أن يكون ذريعة فورية لاندلاع حرب حقيقية وفعلية".
وأكدت "هآرتس" أن خطوات واشنطن الأخيرة ضد إيران سبقت سنوات من سباق التسلّح عبر الإنترنت والحرب الباردة بين القوى العالمية، إذ تم تنفيذ أول هجوم سيبراني كبير عام 2009، حينما قامت شركة "ستاكسنت" -التي طورتها وكالة الأمن القومي الأمريكية ووحدة الجيش الإسرائيلي 8200- بنشر فيروس في أجهزة الطرد المركزي بمصنع لتخصيب اليورانيوم في نطنز بإيران، ما تسبب في حدوث نكسة في البرنامج النووي الإيراني.
ومن المعتقد أن جميع النسخ التي اكتشفت في السابق من فيروس "ستاكسنت" استخدمت لتخريب عملية التخصيب عن طريق تغيير سرعات أجهزة الطرد المركزي دون علم القائمين عليها.
ومنذ ذلك الهجوم الإلكتروني، تعمل القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة وروسيا على تحسين قدراتها السيبرانية الهجومية باستمرار، ويمكنها الآن أن تشل دولة بأكملها، بحسب "هآرتس".
ونقلت الصحيفة عن نيل جيلر قوله جيلر: "الهجمات الإلكترونية لم تعد نادرة، إذ يوجد اليوم العديد من الهجمات على البنية التحتية في الدول، إما ردًا على الاستفزازات أو يبدأها مختلف الأطراف الفاعلة. إنها أداة يمكن استخدامها من قبل الدول بالإضافة إلى مجموعات أخرى من المهاجمين المحتملين. تعتبر الهجمات على البنية التحتية عبر الأسلحة الرقمية جزءًا من العالم الذي نعيش فيه الآن".
"لا يخافون منا"
وكانت الهجمات الإلكترونية عبر فيروسات الكمبيوتر موجودة منذ سنوات، ولكن حدثت نقطة تحول عندما اخترقت روسيا نظام اتصالات البنتاجون في عام 2008، ما أدى إلى إنشاء القيادة الإلكترونية الأمريكية.
ومنذ ذلك الحين، استمرت الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأمريكية الحيوية، مع تواصل تحذيرات مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي من أن الروس أدخلوا برامج ضارة في محطات الطاقة وشركات النفط والغاز الطبيعي والمياه جاهزة للتفعيل عند اختيارهم.
وترى الصحيفة الإسرائيلية أن إدارة أوباما اختارت سياسة سلبية فقط لمراقبة النشاط السيبراني الروسي مع الامتناع عن أي هجمات إلكترونية يمكن أن تكشف عن قدرات أمريكا.
وقالت الصحيفة إن ترامب لم يتردد في تصعيد هذا النوع من الحرب، إذ قال بول ناكاسوني مدير الأمن القومي ورئيس قيادة الولايات المتحدة السيبرانية منذ عام 2016، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ في العام الماضي: "إنهم ليسوا خائفين منا"، في إشارة إلى الروس. وأضافت أن ناكسوني اتبع نهج "الدفاع الأمامي" لتوضيح أن الولايات المتحدة سترد بقوة على أي هجوم.
وبالنظر في الهجمات الإلكترونية على إيران عندما كان باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، فإن إدارته أعدت خطة في حال فشلت المحادثات النووية مع طهران، ورتبت هذه الخطة لشن هجمات إلكترونية على المنشآت الإيرانية بما في ذلك الدفاعات الجوية وأنظمة الاتصالات وشبكة الطاقة، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن وكالة الاستخبارات الأمريكية وضعت آنذاك خطة لتحييد محطة فوردو النووية الإيرانية.
ونقلت "هآرتس" عن مصادر في المخابرات الأمريكية قولها إن الهجمات الأمريكية على الشبكة الكهربائية الروسية أصبحت أكثر عدوانية في العام الماضي.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في فبراير الماضي، أنه خلال انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة التي جرت في نوفمبر، هاجمت القيادة السيبرانية الأمريكية شركة أبحاث الإنترنت الروسية، والتي قال الأمريكيون إنها تنشر معلومات مضللة في الولايات المتحدة، بما في ذلك خلال الحملة الانتخابية لعام 2016.
وقال مستشار الأمن القومي جون بولتون، الشهر الماضي، إن واشنطن توسع تعريفاتها للأهداف الرقمية المحتملة من أجل إرسال رسالة إلى روسيا وغيرها ممن يمكن أن يشاركوا في الحرب الإلكترونية ضد الولايات المتحدة.
فيديو قد يعجبك: