بعد مليونية "30 يونيو".. أسوشيتد برس: السودانيون في مُفترق طرق
كتبت - رنا أسامة:
قالت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية إن المسيرات الحاشدة التي نُظّمت في السودان هذا الأسبوع بثّت روحًا جديدة في الثورة التي أطاحت بالرئيس الاستبدادي صاحب أطول فترة حكم في السودان، عُمر البشير، فيما لا يزال المُتظاهرون والمجلس العسكري الحاكم في مُفترق طرق وسط مخاوف من انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى.
احتشد عشرات الآلاف في شوارع العاصمة السودانية، الخرطوم، ومناطق أخرى يوم الأحد، مُتعهدين بإكمال الثورة التي اشتعلت شرارتها الأولى في نهاية ديسمبر الماضي. قُتِل ما يقرب من 10 أشخاص في اشتباكات جرت أثناء محاولة قوات الأمن منع المُتظاهرين من الوصول إلى مقرات القيادة العامة للقوات المُسلحة والقصر الرئاسي على ضِفاف النيل.
وكانت هذه أكبر مسيرة احتجاج يُنظّمها المتظاهرون، منذ تفريق قوات الأمن بعُنف اعتصامهم الرئيسي خارج مقر قيادة الجيش السوداني بالخرطوم في 3 يونيو الماضي، والذي أوقع ما لا يقل عن 128 قتيلًا. وأدى ذلك إلى تعليق المُحادثات بين المجلس العسكري الحاكِم وقِوى الحرية والتغيير المُعارضة حول تشكيل حكومة انتقالية، حينما بدا أن الجانبين على وشك التوصّل إلى اتفاق.
وفي هذه الأثناء، يحاول الوسطاء من إثيوبيا والاتحاد الأفريقي استئناف المُحادثات، لكن كِلا الجانبين شدّدا مطالبهما منذ أحداث فضّ اعتصام الخرطوم الشهر الماضي، فمن جهة قال المجلس العسكري إن المُقترحات السابقة لم تعُد مطروحة على طاولة النِقاش، ومن جهةٍ أخرى يواصل المتظاهرون دعواتهم للانتقال الفوري إلى الحُكم المدني وإجراء تحقيق في عمليات قتل المُتظاهرين.
وفيما يلي ترصد "أسوشيتد برس" ما يُمكن أن تؤول إليه الأمور في السودان.
من النصر إلى المأساة
اندلعت الاحتجاجات الشعبية في السودان لأول مرة في ديسمبر الماضي تنديدًا برفع الأسعار، لكنها تصاعدت بسرعة لتتحوّل إلى مسيرات شبه يومية تطالب بإنهاء حكم البشير الذي دام قُرابة 30 عامًا. ورفضت قوات الأمن إلى حدٍ كبير أوامر البشير بإطلاق النار على المتظاهرين، حتى عزله الجيش من السلطة في 11 أبريل.
والبشير، المطلوب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم إبادة جماعية في دارفور وجرائم حرب أخرى خلال الصراع في دارفور في أوائل عام 2000، يقبع الآن في سجن كوبر بالخرطوم، حيث قامت قواته في السابق بسجن وتعذيب مُعارضيه.
بيد أن المُتظاهرين ما زالوا في الشوارع خِشية بقاء الجيش في السُلطة أو تنصيبهم حاكِم مُستبد جديد. وعندما أعلن الجيش السوداني أنه سيحكم البلاد مؤقتًا لمدة تصل إلى عامين لحين عقد انتخابات، طالب المتظاهرون بالانتقال الفوري إلى سُلطة مدنية تحكم البلاد لمدة 4 سنوات.
وبعد عدة جولات من المُحادثات، بدا أن كِلا الجانبين أوشكا على الوصول إلى اتفاق لتقاسُم السلطة، تشغل بموجبه قِوى إعلان الحرية والتغيير، التي تُمثّل المتظاهرين، 67 بالمائة من المقاعد في هيئة تشريعية مؤقتة وتقوم بتشكيل مجلس الوزراء. لكن الجانبين ظلوا مُنقسمين بشأن تشكيل مجلس سيادي يتولّى زمام السلطة التنفيذية لمدة 3 سنوات.
توقفت المُباحثات في 3 يونيو الماضي بعد أن هاجمت قوات الأمن مقرّ الاعتصام. ثم فرض الجيش قطع الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، ما جعل من الصعب تنظيم أي شيء أكثر من التظاهرات المُتفرّقة، ومعظمها تُجرى ليلًا. وألغى المجلس العسكري جميع الاتفاقات السابقة وهدّدوا بإجراء انتخابات بعد 9 أشهر.
ائتلاف غير عملي
وجاءت مسيرات الأحد، التي عُرِفت بـ"مليونية 30 يونيو"، كعرض قوي للوحدة، لكن الانقسامات الداخلية بين المُحتجين تُهدّد بتقويض نضالهم بالاستمرار.
وقاد الانتفاضة الأولى تجمّع المهنيين السودانيين، وهو مجموعة كبيرة من النِقابات المُستقلة التي تعاونت لاحقًا مع مختلف أحزاب المعارضة في البلاد.
ويبدو أن الأحزاب المُعارضة توّاقة لإبرام صفقة مع الجيش؛ إذ عارض الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة وآخر رئيس وزراء مُنتخب ديمقراطيًا في السودان، الدعوات إلى إضراب عام بعد حملة القمع التي أُجريت في 3 يونيو. كما اتفق مع الجيش على توسيع المُفاوضات لتضم مجموعات سياسية أخرى يرى العديد من المُحتجين أنها قريبة جدًا من البشير.
وكانت الجبهة الثورية السودانية، وهي جماعة متمردة ضمن حركة الاحتجاج، هدّدت في الوقت نفسه بالتفاوض بشكل منفصل مع المجلس العسكري، حسبما أفادت صحيفة "سودان تريبيون" في نسختها الإنجليزية يوم الاثنين.
ونقلت الصحيفة عن جبريل إبراهيم، أحد قادة قوات الدعم السريع، قوله إن عملية صنع القرار داخل التحالف "مُختطفة" من قِبل لجنة صغيرة "تشكّلت في ظروف غامضة ذات تمثيل محدود".
جهود الوساطة
التقى رئيس الوزراء الإثيوبي الإصلاحي، أبي أحمد، مع كِلا الأطراف في الخرطوم الشهر الماضي، وسعت إدارته إلى جانب الاتحاد الأفريقي للتوسّط في الأزمة. وقد أعرب البيت الأبيض عن دعمه لتلك الجهود وعيّن مبعوثًا خاصًا إلى السودان.
في الشهر الماضي، قدّم الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا اقتراحًا مشتركًا استنادًا إلى اتفاقات سابقة تركت تشكيل الهيئة التشريعية مفتوحًا للمفاوضات. ورحّب الجنرالات بهذا الاقتراح كأساس للمحادثات المُستقبلية، لكن المتظاهرين يرفضون الحديث مع الجيش لحين قبوله بالكامل بخارِطة الطريق.
وقالت أمانى الطويل، وهي خبيرة في الشؤون السودانية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، للوكالة: "ها نحن نعود إلى المربع واحد. أعتقد أنهم يلعبون لكسب الوقت، لاسيّما بعد انخفاض ضغط الشارع في أعقاب تفكّك الاعتصام أمام مقر القيادة العسكرية".
مخاوف من حرب أهلية
أثار الجمود الذي طال المُفاوضات مخاوف من انزلاق السودان إلى حرب أهلية، كما حدث في اليمن وليبيا وسوريا بعد انتفاضاتهم.
وبالنظر إلى أن السودان كان في حالة حرب مع المتمردين في دارفور ومناطق أخرى منذ عقود، حذّرت الوكالة من تمزيقه مُجددًا في غياب حكومة مركزية مُستقرة.
ورأى عثمان ميرغني، المُحلّل السوداني ورئيس تحرير صحيفة التيار اليومية، أن استئناف المفاوضات يوفر الأمل الوحيد بتجنب "نموذج ليبيا". وقال: "إذا استمر المأزق، فقد يصبح السودان ليبيا جديدة، وهو ما يعني أن تُسيطر مجموعة من الميليشيات على أجزاء من البلاد، وتكون لكل ميليشيا حكومتها".
وقال إريك ريفز، الباحث في الشؤون السودانية، إن "احتمال نشوب حرب أهلية في البلاد قائم حدّ الرعب"، مُشيرًا إلى أن فشل المجتمع الدولي في الدفع بقوة من أجل الحكم المدني -لأسباب مختلفة- يُثبت بشكل كبير أنه يفضي إلى نتائج عكسية تمامًا.
أما الروائي السوداني، حمور زيادة، فحمّل الجيش مسؤولية المأزق الذي تعيشه البلاد، واصفًا إياه بأنه تهديد للسلام والاستقرار في البلاد. وقال: "في المستقبل القريب، لست متفائلًا. لا أتوقع أن يتخلى المجلس العسكري عن قبضته على السلطة. لكن في المستقبل البعيد، أنا متفائل. فالمزاج العام مع الدولة المدنية ومع الثورة".
فيديو قد يعجبك: