لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"وثائق سرية": لماذا أخفت إسرائيل حقيقة مفاعل ديمونا النووي عن واشنطن؟

05:04 م الجمعة 03 مايو 2019

مفاعل ديمونا

كتبت – إيمان محمود:

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الجمعة، وثائق قالت إنها - تم رفع السرية عنها- تكشف عن أزمة دبلوماسية بين الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي وأول رئيس وزراء للاحتلال الإسرائيلي ديفيد بن جوريون، التي كان يخشى البعض أن تؤدي إلى غارة أمريكية على مفاعل ديمونا.

تقول الوثائق إن طوال ربيع وصيف عام 1963، انخرط قادة الولايات المتحدة وإسرائيل –كينيدي وبن جوريون وليفي أشكول- في معركة شديدة بشأن برنامج إسرائيل النووي، في توترات لم تكن على مسمع العامة، ولم يكن سوى عدد قليل من كبار المسؤولين مدركين خطورة الوضع.

في إسرائيل، رأى من هم على دراية أن هذا الوضع يمثل أزمة حقيقية، "إيشكول" خليفة بن جوريون، ورفاقه رأوا كينيدي يقدم لإسرائيل إنذارًا حقيقيًا.

يوفال نئمان، المستشار الإسرائيلي رفيع المستوى السابق لشؤون العلوم، قال تصريح له -قبل 25 عامًا- إن اشكول اعتبر أن "كينيدي قدم إنذارا حقيقيا لإسرائيل". كما أبدى قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق الميجر جنرال، دان تولكوفسكي، تخوفه من أن يرسل كينيدي قوات أمريكية جوية تقصف المجمع النووي "ديمونا".

وكشفت الوثائق عن أن كينيدي كان مصممًا على بذل قصارى جهده لمنع إسرائيل من إنتاج أسلحة نووية، وبنفس القدر، كان بن جوريون ومن بعده إشكول مصممان على إكمال مشروع ديمونا، إذ كانت القدرة النووية بالنسبة لهما "بوليصة تأمين" لا غنى عنها ضد التهديدات الوجودية لإسرائيل.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، نشر الموقع الإلكتروني لأرشيف الأمن القومي، مجموعة من حوالي 50 وثيقة أمريكية من أرشيفات تنير لأول مرة النطاق الكامل لهذه المواجهة الأمريكية الإسرائيلية السرية، بحسب "هآرتس" التي قالت إن هذه المجموعة لا تشمل فقط التبادل الكامل للرسائل بين القادة - كينيدي وبن جوريون وإشكول - بل تشمل أيضًا العديد من الوثائق الأمريكية ذات الصلة، والتي تم رفع السرية عن بعضها وأصبحت متوفرة فقط في الأشهر الأخيرة.

يتضمن ذلك تقريرًا كاملاً للمفتشين الأمريكيين الذين زاروا ديمونا في عام 1964؛ مذكرات ناقش فيها كبار مسؤولي البيت الأبيض كيفية التعامل مع رئيس الوزراء؛ والتقييمات الاستخباراتية التي حللت ما إذا كان المفاعل النووي الإسرائيلي يهدف حقًا للاستخدام السلمي.

كينيدي وعدم الانتشار

في عام 1960، بعد وقت قصير من انتخاب كينيدي، أصبحت إدارة أيزنهاور المنتهية ولايتها على علم بمفاعل ديمونا الذي بدأته إسرائيل وفرنسا في السر خلال عام 1958، بحسب الوثائق.

وأصدرت وكالة المخابرات المركزية تقديرًا خاصًا للمخابرات الوطنية "يعتبر إنتاج البلوتونيوم للأسلحة غرضًا رئيسيًا واحدًا" كما توقع أنه إذا علم العالم العربي أن إسرائيل تمتلك قدرة أسلحة نووية، فسيؤدي ذلك إلى "حالة ذعر"، وسيتم توجيه اللوم نحو الولايات المتحدة وفرنسا لدعمهما المفترض للمشروع.

وفي مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في 19 يناير 1961، تساءل كينيدي عن الدول التي كانت تسعى للحصول على القنبلة، فأخبره كريستيان هيرتر، وزير الخارجية السابق، "إسرائيل والهند"، مضيفًا أن مفاعل ديمونا الذي تم اكتشافه حديثًا سيكون قادرًا على إنتاج 90 كيلوجرام من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة بحلول عام 1963، وهو ما يكفي لإنتاج 10 إلى 15 سلاحًا نوويًا.

وحثّ هيرتر الرئيس كينيدي على الضغط بشدة لإجراء عمليات تفتيش لديمونا قبل أن تُدخل إسرائيل هذه الأسلحة إلى الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن أجندة كينيدي كانت حافلة بالقضايا الهامة في بداية عهده، إلا أنه بدأ يحثّ بن جوريون على قبول زيارة أمريكية إلى ديمونا، مُصراً أن الزيارة كانت شرطًا للعلاقات الدبلوماسية الجيدة.

بحلول أبريل 1961، أخبر بن جوريون السفير الإسرائيلي في واشنطن أبراهام هارمان أن إسرائيل توافق على جولة أمريكية في ديمونا.

وفي 20 مايو، زار اثنان من علماء لجنة الطاقة الذرية، الموقع، وأوضح فريق الإدارة أن الأساس المنطقي التكنولوجي للمشروع هو اكتساب الخبرة في بناء وتشغيل المفاعلات النووية التي يمكن استخدامها في المستقبل لتوليد الطاقة بشكل سلمي.

أوضحت الوثائق أن تلك الزيارة وضعت الأسس لعقد اجتماع بين بن جوريون وكينيدي في نيويورك في 31 مايو 1961، قدم خلالها الأول تأكيده على سلمية مشروعه النووي، لكنه تلقى تحذيرًا مما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط.

الزيارة الثانية

أكدت الوثائق أن الاجتماع بن جورين تسبب في تهدئة الأمور لبعض الوقت، لكنه لم يزل الشكوك الامريكية بشأن نوايا إسرائيل النووية، وابتداء من يونيو 1962، بدأ الأمريكيون يحاولون ترتيب زيارة ثانية إلى ديمونا، لكنهم فشلوا، وبعد طلبات متكررة تمت الزيارة أخيرًا في سبتمبر من العام ذاته.

الوثيقة الرئيسية للزيارة الثانية، هي مذكرة كتبها في 27 ديسمبر 1962، نائب مدير مكتب شؤون الشرق الأدنى، رودجر ديفيز، إلى مساعد الوزير فيليب تالبوت، توضح بالتفصيل قصة الزيارة.

تذمر المفتشين من الوقت القصير للزيارة، كما أظهرت الوثائق أنه بعد الزيارة جرى مرافقتهما إلى البحر الميت، ولدى عودتهما "أبلغهما مضيفهما بأنهما يعبران بالقرب من مفاعل ديمونا وأن بإمكانه تنظيم زيارة ولقاء مع المدير". والتقى المفتشان مع المهندس الرئيسي في ديمونا، لأن المدير لم يتواجد هناك، ودامت هذه الزيارة 40 دقيقة.

بعد ذلك، جاء في مذكرة وُجهت إلى مساعد وزير الخارجية الأمريكي في حينه، فيليب تلبوت، أن "المفتشين لم يتأكدا ما إذا كانا هناك كضيوف أم زملاء للعلماء المضيفين، أو أنهما موجودان هناك كمفتشين يجرون فحصا لديهم. ورغم أنه لم يتوفر الوقت الكافي لمشاهدة المنشأة كلها، ورغم أنه كانت هناك عدة مباني لم يدخلوها أبدا، فإنه كان بإمكانهم التيقن من الطبيعة البحثية للمنشأة".

وأثارت زيارة المفتشين شكوكا في واشنطن وخاصة لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وقال مسؤول رفيه في الاستخبارات الأمريكية إنه "ربما تم تنفيذ الأهداف الآنية للزيارة بكاملها، لكن ليس المطالب الاستخبارية الأساسية المعينة. وكان هناك عدم ملاءمة معين بين تقريري الفحص الأول والثاني".

ورغم هذه الشكوك، عممت وزارة الخارجية الأمريكية استنتاجات إيجابية للمفتشين على عدد من الدول.

تجديد مصلحة الولايات المتحدة

في أوائل عام 1963، عادت المخاوف بشأن ديمونا إلى الظهور، وتلقى كينيدي تقديرًا جديدًا للمخابرات الوطنية بعنوان "المشكلة العربية الإسرائيلية"، والذي سلط الضوء على إمكانات مفاعل ديمونة للأسلحة.

خلصت الوكالة إلى أن المنشأة ستصبح جاهزة للعمل في وقت لاحق من ذلك العام وبحلول العام التالي، 1964، "إذا تم تشغيلها بأقصى طاقتها لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة، يمكن للمفاعل إنتاج بلوتونيوم كافٍ لواحد أو سلاحين في السنة"، بحسب الوثائق.

وأقرت الاستخبارات الوطنية أنه في ذلك الوقت لم يكن لدى المخابرات الأمريكية "أي دليل يؤكد أو ينفي وجود منشأة فصل"، وأن التصريحات الإسرائيلية بهذا الشأن كانت متناقضة.

ردًا على تقدير الاستخبارات، اقترح المسؤول في مجلس الأمن القومي روبرت كومر أن إسرائيل "ستحاول إنتاج سلاح في وقت ما في السنوات القليلة المقبلة، وقد يكون لها قدرة محدودة للغاية بحلول عامي 67-68". وأبلغ الرئيس الأمريكي "أننا نخطط لإلقاء نظرة أفضل على ديمونا في الشهر المقبل".

كذلك وصف موظفون أمريكيون الزيارة الثانية لمفاعل ديمونا بأنها "إخفاق"، وطالبوا بإعادة النظر بشكل مراقبة الولايات المتحدة للمفاعل، وزيارة مفتشين له كل ستة أشهر.

وتظهر إحدى الوثائق، التي كتبها المسؤول في CIA، كنت شرمان، تحذيره من النتائج الخطيرة لاقتناء إسرائيل لسلاح نووي. "سياسة إسرائيل تجاه جيرانها ستكون أشد، وستحاول استغلال الفوائد النفسية لقدرتها النووية من أجل إخافة العرب".

وأضاف أنه خلال اتصالاتها مع الولايات المتحدة "ستستخدم إسرائيل كافة الوسائل التي بحوزتها من أجل إقناع الولايات المتحدة بتقبل، أو حتى تأييد، ملكيتها لقدرة نووية".

وسلم رئيس CIA، جون ماكون، كنيدي تقديرات أعدها شرمان حول التبعات السلبية لتحول إسرائيل إلى دولة نووية، وطالب "بإنشاء نظام رقابة، بمستوى دولي أو بمستوى العلاقات الثنائية، من أجل إحباط الإمكانية المذكورة"، وأن "التفتيش غير الرسمي المقبل للمفاعل الإسرائيلي ينبغي أن يتم على الفور وبصورة شاملة"، لكن إسرائيل تراوغ لتحول دون هذه الزيارات.

رسائل كينيدي وبن جوريون

قرر بن جوريون التهرب من القضية النووية من خلال محاولة إقناع كينيدي بالتفكير في المأزق الأمني الشامل لإسرائيل، وكان على رئيس الوزراء تغيير موضوع المحادثة إلى نقاش أوسع وعاجل حول الوضع الاستراتيجي الشامل لإسرائيل.

كشفت الوثائق أن بن جوريون استغل فرصة توقيع مصر وسوريا والعراق "اتفاق الوحدة الثلاثية" في 17 أبريل عام 1963، من أجل مناص القضية الفلسطينية، ورغم أن هذا الخطاب لم يكن جديدًا إلا أن بن جوريون استغله لتبرير جهودها النووية.

بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الطلب الأمريكي بشأن ديمونا، استجاب بن جوريون لكينيدي برسالة من سبع صفحات ركزت على قضايا واسعة تتعلق بالأمن الإسرائيلي والاستقرار الإقليمي. بادعاء أن إسرائيل واجهت تهديدًا غير مسبوق، واستحضر بن جوريون شبح "محرقة أخرى".

لكن كينيدي كان مصممًا على عدم السماح لبن جوريون بتغيير الموضوع، ففي 4 مايو، أجاب رئيس الوزراء، مؤكدًا له أنه بينما "نراقب عن كثب التطورات الحالية في العالم العربي"، فإن إنذار الزعيم الإسرائيلي بشأن إعلان الاتحاد العربي كان مبالغًا فيه.

وكينيدي أقل قلقًا بشأن "الهجوم العربي المبكر" منه "بالتطور الناجح للأنظمة الهجومية المتقدمة"، بحسب الوثائق.

أما بن جوريون فظل على الخط ذاته، وكتب لكينيدي "بنبرة رجل دولة قديم" انطباعاته عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن يلتف حوله من الزعماء العرب إذ شبهه بأدولف هتلر، قائلاً "من خلال معرفتهم، أنا مقتنع بأنهم قادرون على اتباع المثال النازي، ناصر في الواقع يتبنى الأيدولوجية القومية الاشتراكية للنازيين، لسنوات عديدة لم يأخذ العالم المُتحضر على محمل الجد تصريح هتلر بأن أحد أهدافه كانت إبادة الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم، ليس لدي شك في أن شيئًا مماثلاً قد يحدث في إسرائيل إذا نجح ناصر في هزيمتنا".

واقترح بن جوريون اتفاقية أمنية ثنائية شاملة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تشمل "توفير أسلحة أمريكية مكافئة لما كان العرب يتلقونه من الاتحاد السوفييتي، وتحويل الضفة الغربية إلى منطقة منزوعة السلاح، وخطة لنزع السلاح العام بين إسرائيل والدول العربية في ظل نظام التفتيش والسيطرة المتبادلين والدوليين".

وبعد كل ذلك، لم يتزحزح كينيدي عن ديمونا، وتصاعدت المواجهة مع إسرائيل عندما أحالت وزارة الخارجية رسالة كينيدي الأخيرة إلى سفارة تل أبيب في 15 يونيو لتسليمها الفوري إلى بن جوريون، والتي أكد فيها إصراره على الزيارات التي تتم كل عامين، وكانت الرسالة أقرب إلى الإنذار النهائي.

لكن الرسالة لم تُقدم إلى بن جوريون، وصلت برقية خطاب كينيدي إلى تل أبيب، في 15 يونيو، قبل يوم من إعلان بن غوريون استقالته، وهو قرار أذهل بلده والعالم. ولم يشرح بن غوريون أبدًا، كتابيًا أو شفهيًا، ما الذي دفعه إلى الاستقالة.

الأزمة الأولى لإشكول

وبعد أقل من 10 أيام من تولي ليفي إشكول رئاسة الوزراء، سلّم إليه السفير الأمريكي رسالة أولى من الرئيس كينيدي يخاطبه كزعيم جديد لإسرائيل. كانت الرسالة تقريبًا نسخة من الرسالة غير المُسلّمة إلى بن جوريون، مع إضافة بضعة أسطر تهنئة في الجزء العلوي.

الرسالة كانت واضحة لإشكول أنها بمثابة إنذار، ولذا دفعه الذهول إلى طلب مزيدًا من الوقت لدراسة الموضوع.

وأشار رئيس الوزراء –في رسالته التي سلمّها للسفير الأمريكي في تل أبيب- إلى أنه بينما يأمل أن تنمو الصداقة الأمريكية الإسرائيلية تحت راقبته، "فإن إسرائيل ستفعل ما كان عليها فعله من أجل أمنها القومي وحماية حقوقها السيادية.

وبعد ستة أسابيع من المشاورات التي أسفرت عن ثمانية مسودات مختلفة على الأقل، سلم إشكول رده الخطي على مطالب كينيدي. لقد بدأت بتكرار تأكيدات بن جوريون السابقة بأن هدف ديمونا كان سلميًا.

وفيما يتعلق بطلب كينيدي، كتب إشكول أنه بالنظر إلى العلاقة الخاصة بين البلدين، فإنه قرر السماح بزيارات منتظمة لممثلي الولايات المتحدة إلى موقع ديمونا، فيما يتعلق بقضية الجدول الزمني المحددة، اقترح إشكول -كما فعل بن جوريون في رسالته الأخيرة إلى كينيدي- أن أواخر عام 1963.

وتجاهل إشكول طلب كينيدي بجولات نصف سنوية: "بعد النظر في هذا الطلب، أعتقد أننا سنكون قادرين على التوصل إلى اتفاق بشأن الجدول الزمني للزيارات في المستقبل".

في أعقاب خطاب إشكول ، تمت أول زيارات تفتيش منتظمة طال انتظارها إلى ديمونا في منتصف يناير 1964، بعد شهرين من اغتيال كينيدي، ثم توقفت الزيارات.

وبعد سنوات اعترفت إسرائيل بأن مفاعل ديمونا بدأ تشغيله في منتصف عام 1963.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان