إعلان

فقدت ابنها الأوحد لترعى 800 ألف يمني.. بُشرى تواجه الحرب بالعطاء

01:04 م الأربعاء 10 أبريل 2019

الأزمة الإنسانية في اليمن

كتبت – إيمان محمود:

أربعة أعوام مضت، لم تنس خلالها "بُشرى" حزنها على ابنها الوحيد، الذي كان ضحية طمع جماعة الحوثي الإرهابية في السلطة وبسط النفوذ على الأراضي اليمنية، لكنها استطاعت أن تتخذ من أوجاعها وسيلة لمساعدة مئات الأمهات الثكالى بسبب الحرب ودعمهن نفسيًا "ما لا يقتلك.. يجعلك أقوى".

بشرى السيد عبده، تعيش في منطقة كريتر "صيرة" الواقعة في محافظة عدن جنوبي اليمن، والتي استولى عليها الحوثيون في عام 2015، ومن هنا بدأت المعاناة، ليست معاناة المرأة الأربعينية فحسب، بل معاناة أكثر من 800 ألف يمني يعيشون في المحافظة الساحلية.

تروي بشرى لمصراوي، كيف وهبت عشرين عامًا من عمرها للعمل التنموي والتوعوي، بدأتها بالعمل في منظمات دولية، ثم أطلقت مؤسسة "المبادئ المشتركة" مع مجموعة من الأصدقاء، وكان ابنها ووحيدها؛ أحمد، يشاركها في أعمالها الإنسانية.

بحلول 25 مارس 2015، انتشر القتال في عدن حيث كان يختبئ الرئيس عبد ربه منصور هادي منذ انقلب عليه الحوثيون بالتعاون مع الراحل علي عبد الله صالح، فرّ هادي من مسقط رأسه إلى السعودية، وبقيت المدينة تحت رحمة الحوثيين، توغلوا في كافة مناطقها حتى سقطت كريتر في أيديهم في الأول من أبريل.

صورة 1

خلال تلك الفترة عاشت بشرى وأهل مدينتها في حصار ووضع إنساني صعب "الحصار كان قوي جدًا، مفيش ماء ولا غذاء، والكهرباء كانت منقطعة، كل سُبل المعيشة كانت منعدمة".

كانت بشرى تعيش في ذلك الوقت مع زوجها وابنها في أسرة ميسورة الحال بالنسبة لهذا البلد الفقير، وهو ما قررت أن تستغله بمشاركة ابنها في مساعدة المحتاجين "كنت مصرّة أفضل في كريتر علشان أقدر أساعد الناس وأعطيهم ما يحتاجونه، وعملت مشاريع لمساعدة السيدات في بناء القدرات وازاي يستقلوا ويأسسوا حياتهم اقتصاديًا".

استطاعت بشرى من خلال مؤسستها التنموية أن تطلق حملة إنسانية لمساعدة أهالي عدن وتتواصل مع منظمات خارج البلاد للمساهمة في شراء المواد الغذائية "كنا ننزل أنا وابني وسط الرصاص والقصف ونخاطر بحياتنا لنوزع على الناس السلع الغذائية".

أيام قليلة قبل شهر رمضان الكريم، كانت الساعة الرابعة عصر يوم الخميس، الموافق 11 يونيو 2015، حينما انتهت بشرى وولدها، من توزيع المساعدات الإنسانية، وقرر أحمد أن يذهب لشراء ماء بارد في مدينة تعاني شحّ المياه بفعل الحصار.

نصف ساعة مرّت حتى جاء أحد شباب الحملة الإنسانية وأخبر بشرى أن ابنها، الذي لم يتعد عمره 18 عامًا، تلقى رصاصة على يد أحد الحوثيين "أول ما جاني الخبر كنت في حالة جنونية، قالولي أحمد في المستشفى، الحوثيين ماكنوش عايزين الشباب ياخدوا ابني للمستشفى، وقالوا خلوه يموت".

صورة 2

نُقل أحمد إلى أحد المُجمعات الطبية لكن الحصار لم يجعل له فائدة "لما نقلوه كان على أساس إن أطباء بلا حدود تدعم المجمعات، لكن المجمعات مافيهاش أي أجهزة ولا أطباء أخصائيين ولا غرفة عمليات ولا حتى إسعافات أولية بسيطة، أطباء بلا حدود لم تتدخل في عدن".

إصابة الصبي اليمني كانت بالغة ولم تحتمل عواقب الحرب التي لا ذنب له فيها، فبعد نصف ساعة من النزيف، توفي أحمد، "الرصاصة دخلت من الجانب الأيمن وخرجت من الجانب الأيسر، اقتحمت شرايينه بيسموها رصاصة خارقة حارقة".

اتهمت السيدة اليمنية منظمة أطباء بلا حدود بالتقصير، إذ تعلن دائمًا رعايتها لمنطقة كريتر، فيما يقع أقرب مقر لها في منطقة المنصورة، التي تبعد حوالي نصف ساعة عن كريتر.

ومن عصر يوم الخميس حتى صباح الجمعة، مكثت بشرى بجوار جثمان ابنها في غرفة مظلمة داخل مجمع صحي "منعوني أدفن ابني، ليلة كاملة وانا وهو في غرفة مظلمة ومعنا صديقتي ذكرى معتوق المحامية، إلى السادسة صباح الجمعة عندما استطعنا دفنه".

صورة 3

في الشهر التالي، شنّت القوات الحكومية بدعم من التحالف العربي بقيادة السعودية، عملية "السهم الذهبي" واستطاعت تحرير المدينة بأكملها من الحوثيين، أما بشرى فاستطاعت أن تستكمل مسيرتها في الوقوف إلى جانب مئات الأمهات اللائي فقدن أبنائهن خلال أشهر الحرب.

انتهت الحرب لكن ظلّت بشرى تستشعر بعدم وجود أمان في مدينتها "الوضع في عدن غير آمن نهائيًا، كل يوم والتاني نسمع حوادث"، ما دفعها لإطلاق حملة توعية لتقليل تلك الانتهاكات.

بالإضافة إلى ذلك، ترى بشرى أن الحكومة منذ أن استعادت المدينة، وهي مُقصرة ولم تقم بواجبها نحو أهالي الشهداء، خاصة من لم يعد لديهم ونيسًا آخر في الحياة.

أما عن دور المنظمات، فأشارت إلى أنهم لم يقوموا سوى باللفتات الإنسانية المُقتصرة عىلى المناسبات مثل عيد الأم "هم شاكرين على هذه اللفتة الإنسانية، لكن الأهم أن الأم التي لم يكن لديهم سوى ولد واحد وفقدته في الحرب تعاني معاناة كبيرة".

لم تتعرض بشرى إلى الجانب النفسي فقط في حملتها لمساعدة الأمهات الثكلي، وسيدات عدن بوجه عام، لكنها اهتمت به كثيرًا، وعملت على مدى سنوات على تقديم الدعم النفسي بكل أدواته لكي تستطع السيدات اللاتي أصبحن وحيدات بعد الحرب، تجاوز الأزمة بمفردهن.

مُعظم السيدات في المدينة مازلن يعيشن في ظروف مادية صعبة "فيهم اللي أوضاعهم المادية سيئة، واللي منزلها اتدمر، واللي حالتها الصحية سيئة وما في حدا يرعاها".

طالبت بشرى المنظمات بالنظر لهؤلاء الأمهات وما يمرّن به من ظروف صعبة "اللي فقدت جوزها وابنها في الحرب لما تتعب أو تمرض مين يرعاها! لازم يكون ليهم امتيازات، والمفروض تكون المنظمات دي على تواصل معاهم"، أما الحكومة، فقالت إنها لن تناشدها لأنها ببساطة "لن تهتم".

فيديو قد يعجبك: