"هآرتس": بعد ترشح بوتفليقة.. هل تشهد الجزائر "ربيعًا عربيًا"؟
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تحيليلًا لكاتبها السياسي المخضرم تسيفي بارئيل، حول المظاهرات التي تجري حاليًا في الجزائر، بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن ترشحه لولاية خامسة.
وبدأ الكاتب، تحليله بقوله: "المظاهرات التي اندلعت في الجزائر مؤخرًا، تدفع المرء للتساؤل ما إذا كانت الدولة التي تجنبت ثورات الربيع العربي في 2011 في طريقها لثورة جديدة".
ويقول الكاتب، إن سبب المظاهرات كان إعلان الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، أن الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة سيخوض الانتخابات لفترة خامسة في 18 أبريل. وأدى ذلك لمطالبة عشرات الآلاف له على وسائل التواصل الاجتماعي بترك السباق الرئاسي والانسحاب، ومن ثم انتقلت الاحتجاجات إلى الشوارع، وحمل المتظاهرون لافتات شبيهة بتلك التي حملها المتظاهرون في مصر وتونس وليبيا قبل ثماني سنوات.
ويشير الكاتب، إلى أن الجزائريين بإمكانهم الانتظار حتى الانتخابات القادمة في 18 أبريل لتحديد من سيكون رئيسهم، مثلما فعلوا في الانتخابات الأربع السابقة، منذ انتخاب بوتفليقة لأول مرة في عام 1999، ولكن -بحسب الكاتب- فالانتخابات في الجزائر بعيدة كل البعد عن الحرية. ويحظى بوتفليقة -البالغ من العمر 82 عامًا والمعروف أنه مريض- بدعم الجيش وأجهزة المخابرات، بالإضافة إلى كبار رجال الأعمال في البلاد، وذلك حتى يتمكن من الفوز في الانتخابات ويستمر لفترة ولاية أخرى.
ويزعم معارضو الرئيس، بأن صحته وعمره -لكونه لم يظهر علانية منذ تعرضه لجلطة دماغية في 2013- لا تسمحان له بقيادة البلاد وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. وهم يطالبون بالفعل بأن ينفّذ البرلمان المادة 102 من دستور البلاد، التي تسمح بنقل السلطة مؤقتًا إلى رئيس مجلس الشيوخ في حالة عجز الرئيس عن العمل لأسباب صحية أو لأسباب أخرى. وباختصار، فهم يريدون انتخابات بدون بوتفليقة.
ويرى الكاتب، أن الأقوياء في الجيش يدركون هذا جيدًا، لكنهم يخشون ما قد يحدث في الصباح التالي. وتعود إلى الأذهاب ما حدث في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ففي ذلك الوقت، كانت هناك مظاهرات ضخمة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب. وأدت سياسة الحكومة التقشفية إلى إشعال النار في الشوارع، وألغى الجيش، الذي انزعج من احتمال سيطرة المتطرفين الإسلاميين على البلاد، الانتخابات العامة في عام 1991 وعين حكومة بمعرفته، وأدى هذا إلى حرب أهلية قُتل خلالها حوالي 200000 شخص.
في 1991، عاد بوتفليقة من منفاه بالسويد، بعد أن قضى 16 عامًا هناك، وتم استقباله كبطل قومي وانتخابه رئيسًا للبلاد بأغلبية 74%، وكان أكبر إنجازاته هو إقامة حوار وطني، اقترح فيه أن جميع الأطراف "تنسى الماضي وتبني المستقبل معًا". وتم العفو عن قادة الحركة الإسلامية، وتعافى الاقتصاد مدعوما بارتفاع أسعار النفط. واستثمرت الحكومة في البنية التحتية وعادت الصادرات إلى أوروبا، التي تحصل على ثلث غازها من الجزائر، وتمت استعادة النظام.
ويقول الكاتب، إنه على الرغم من عودة النظام ونجاح الاقتصاد، إلا أن الاعتماد المطلق على النفط والغاز كان له ثمن اقتصادي وسياسي مرتفع. ففي 2014، انخفضت أسعار النفط، وانخفضت بالتالي عائدات الدولة من النفط من 74 مليار دولار في عام 2007 إلى 24 مليار دولار في عام 2017.
وانخفض أيضًا احتياطي العملات الأجنبية من 178 مليار دولار في عام 2014 إلى 97 مليار دولار في بداية عام 2018. قفز معدل البطالة إلى 12%، و29 بين الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف السكان، وأصبح الوضع الاقتصادي أزمة تتطلب إصلاحات عميقة وضوابط سياسية قوية حتى يتمكنوا من تنفيذها.
ولكن، لم تسمح النخبة العسكرية والسياسية والاقتصادية في البلاد بظهور قادة جدد يستطيعون لعب دور الرئيس، وأي شخص كان يبرز نجمه كثيرًا يجد نفسه خارج دائرة صُنّاع القرار، والآن لا يبدو أن هناك من يحل محل بوتفليقة.
ويرى الكاتب، أن كلًا من الجيش وأوروبا يريدون إبقاء بوتفليقة في منصبه، حيث تحتاج فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى الغاز والنفط الجزائري، وترى البلاد حاجزًا أساسيًا يمنع تدفق اللاجئين من إفريقيا. والجزائر التي تحارب منظمات إرهابية، توقف أيضًا جماعات مثل تنظيم القاعدة الذي يتوغل في الخارج.
لكن هذه الدول (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا) ليس لها تأثير يذكر على السياسة الداخلية للجزائر. وأمس الأحد أعلن مدير حملة بوتفليقة، أن الرئيس سيخوض الانتخابات في أبريل، لكنه سيعرض التنحي بعد عام إذا أعيد انتخابه.
ويرى الكاتب، في ختام تحليله، أن إصرار بوتفليقة على السعي لولاية خامسة من المرجح أن يؤدي إلى تكثيف موجة المظاهرات العاصفة، وقد يجبر الجيش والشرطة على التصرف بقوة وربما فرض حكم الطوارئ في البلاد.
فيديو قد يعجبك: