هل باع حافظ الأسد الجولان السوري إلى إسرائيل؟
كتبت – إيمان محمود:
"إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة".. كانت هذه بداية الإعلان الرسمي لسقوط هضبة الجولان السورية في يد الاحتلال الإسرائيلي، في 10 يونيو عام 1967، في بيان أذاعه راديو دمشق بتوقيع وزير الدفاع وقتذاك، حافظ الأسد.
أعلن الجيش السوري انسحابه من الجولان، مُرجعًا سبب فشله لـ"تفوق القوات الإسرائيلية في المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى"، وهكذا ظلّ الجولان السوري مُحتلاً، وسط روايات هنا وهناك عن الأسباب الحقيقية وراء هزيمة وانسحاب الجيش السوري.
أصبح حافظ الأسد رئيسًا للجمهورية السورية، بعد الانقلاب على نور الدين الاتاسي فيما عُرف بـ"الحركة التصحيحية"، عام 1970، فيما ظلّ الجولان مُحتلاً، وظلّ الغموض يلف تفاصيل احتلاله، حتى بعد مرور 52 عامًا.
وفي 1974 أعادت إسرائيل إلى سوريا مساحة 60 كم2 من الجولان تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد في إطار اتفاقية فك الاشتباك، وقد عاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي ما زالت مدمرة.
وفي ديسمبر 1981، قرر الكنيست الإسرائيلي ضمّ الجزء المُحتل من الجولان الواقع غربي خط الهدنة 1974 إلى إسرائيل، والذي عُرف بـ"قانون الجولان"، ليضرب بالقرارات الدولية عرض الحائط.
اتهامات بالانسحاب المُبكّر
في تصريحات أدلى بها عام 2017، قال الأمين العام المساعد الأسبق لحزب "البعث العربي الاشتراكي" في سوريا، محمد الزعبي، عن اعتقاده بأن حافظ الأسد، سلّم مدينة "القنيطرة" السورية إلى الجيش الإسرائيلي، مقابل أن تبقى العاصمة دمشق آمنة، وألا يدخلها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف في حوار أجراه مع قناة "العربية" أن "إسرائيل احتلت الجولان من دون مواجهة عسكرية مع القوات السورية في حرب عام 1967".
الزعبي الذي كان وزيرا للإعلام أثناء الحرب، أشار إلى أنه وصله البيان 66، الذي يفيد بسقوط مدينة "القنيطرة"، إلا أنه رفض أن يذيعه، وأرسله حينها إلى قيادة حزب البعث، إلا أنه اضطر لاحقًا لإذاعة البلاغ بناء على طلب من رئيس الوزراء يوسف زعيّن.
روى الزعبي، أن حافظ الأسد اتصل به وقال له "ربما تسرعنا في إذاعة البلاغ 66"، ليعمل تاليا على صياغة ما أسماه "البلاغ الترقيعي"، موضحًا: "كتبت وأذعت البلاغ 67 بالتوافق مع الأسد، وقلنا فيه إن المعارك مستمرة في القنيطرة"، مضيفا "حاولتُ في البلاغ 67 ترقيع ما ورد في الذي سبقه عن احتلال القنيطرة".
وذكر أن رئيس الأركان السوري قال له إن "أقرب دبابة إسرائيلية إلى القنيطرة عندما تركتها كانت تبعد 4 كيلومترات"، كما أن قيادة فرع "البعث" في القنيطرة أكدت لعضو القيادة القطرية مروان حبش، عدم سقوطها بعد إذاعة "البلاغ 66"، فضلا عن أن "سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة نفى أن تكون بلاده احتلت القنيطرة بعد صدور البلاغ 66"، على حدّ قول الزعبي.
لم يكن الزعبي فقط الذي أكد أن حافظ الأسد أعلن سقوط القُنيطرة قبل أن تسقط فعليًا، وسط آلاف التساؤلات عن سبب بيان 66، وقرار عدم المقاومة، وشائعات تتهم الأسد الأب بـ"الخيانة وتسليم الجولان".
صحيفة الحياة اللندنية، ذكرت أن وزير الدفاع الإسرائيلي قال: "حقيقة: في تلك الساعة لم يكن هناك أي جندي إسرائيلي في القنيطرة". وهو ما يؤكده وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، والذي كان عند وقوع الحرب قائداً للواء الخامس المدرع.
ونقلت الصحيفة قوله: "في الساعة 14:30 من اليوم نفسه، دخلت المدرعات الإسرائيلية مدينة القنيطرة فوجدتها خالية من القوات".
أما بالنسبة لفكرة الزحف إلى دمشق، فإن المصادر الإسرائيلية تقول إن المشاورات الداخلية لحكومة أشكول: "لم تتضمن أي إشارة إلى احتمال احتلال دمشق". وكان هدف عمليتهم النهائي هو "دفع السوريين مسافة 12,5 ميل إلى الوراء، لتصبح المستعمرات خارج نطاق مدافعهم"، بحسب الصحيفة.
وديعة رابين
بدأت المفاوضات بين سوريا وسلطة الاحتلال، من مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في 30 أكتوبر 1992، واستمرّت حتى عام 2011، دون تحقيق أي تقدم يُذكر، سواء في عهد حافظ الأسد أو ابنه وخليفته بشار.
ربما كان الإنجاز الوحيد الذي استطاعت سوريا تحقيقه في كل جولات التفاوض المُتعددة، الحصول على ما تسميه "وديعة رابين" التي تقول سوريا أنها تتضمن تعهدًا إسرائيليًا بالانسحاب إلى خط الرابع من حزيران "يونيو" من عام 1967، أي قبل نكسة 1967.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تمكنت من الوصول إلى مصادر كانت على صلة مباشرة بالمفاوضات التي دارت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومن سبقوه، مع أسدي سوريا.
وبحسب الصحيفة، عقدت جميع الحكومات الإسرائيلية وخلال فترة عشرين عامًا مفاوضات سريّة مع النظام بهدف التوصل لاتفاق سلام يتضمن الوصول إلى تسوية إقليمية، ثم تغيّر موقف إسرائيل بشكل تدريجي خلال فترة الأزمة السورية.
وتحولت إسرائيل من المحاولة للوصول إلى اتفاق سلام عبر قنوات سرية، إلى حملة للحصول على إجماع أحادي الجانب للاعتراف بالاحتلال، وصلت الحملة إلى ذروتها بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالاعتراف بضمّ الجولان لأراضي الاحتلال.
المصادر ذات الصلة بالمفاوضان – بحسب الصحيفة - أجمعت على أن كل الحكومات الإسرائيلية -بما فيها حكومة نتنياهو- كانت جادة في مسار المفاوضات، وأن الجولة الأخيرة التي عقدت مع بشار الأسد، كانت جدية ومتقدمة وتضمنت خرائط وسناريوهات متفق عليها شملت الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان على أساس ما قبل خطوط 1967.
وقال إيتامار رابينوفيتش، رئيس الوفد الإسرائيلي في المحادثات مع سوريا في عهد حكومة إسحق رابين، اختلفت المفاوضات جذريًا: قائلاً: "استمر الحال من سبتمبر 1992 إلى أغسطس 1993. حققنا بعض التقدم، يمكن أن نقول عنه خطوات صغيرة".
اقترح رابين الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان إلى خطوط ما قبل عام 1967 في غضون خمس سنوات، مقابل علاقات ثنائية ودبلوماسية كاملة وضمانات أمنية لإسرائيل، وتحول هذا الأمر لما يعرف باسم "وديعة رابين"، إذ اعتبر هدية للجانب السوري.
وادعت الصحيفة العبرية أن الرئيس الأسد تهرب من الإجابة على طلب رابين، وذهبت الإدارة الأمريكية، آنذاك، في إجازة، وتأجل السلام بين الطرفين السوري والإسرائيلي، ليحل محله، السلام الفلسطيني الإسرائيلي.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني أن رابين أرسل وارين كريستوفر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، إلى دمشق للتأكد إذا ما وافق الرئيس الأسد على عرضه، والذي يقضي بالانسحاب من الجولان مقابل التطبيع مع سوريا، ليرد الأسد، آنذاك، بالمراوغة، ليفسر رابين هذا التملص بالرفض السوري.
وأكد شاي نير، المحلل السياسي في الصحيفة الإسرائيلية "دافار"، أكد أن حافظ الأسد وافق في البداية، لكنه تراجع بسبب كلمة "تطبيع".
وبعد اغتيال رابين، أكد الأمريكيون –الذين لعبوا دور الوسيط- أن إسرائيل غير مُلزمة بـ"وديعة رابين"، وذلك ردًا على حافظ الأسد الذي أدرك وقتذاك أنه أفضل عرض يمكن أن يحصل عليه.
وفي عهد ارييل شارون طلب حافظ العودة بخريطة إلى دمشق أو "عدم العودة على الإطلاق"، لتنتهي هذه الجولة بالفشل.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "إندبندنت عربية"، في قصره شمال أبحر بمحافظة جدة غربي السعودية، قال الأمير بندر إن حافظ الأسد، أعرب عن ندمه من عدم موافقته على عرض رابين.
وأشار السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة إلى أن رابين نقل رسالة إلى الرئيس الأسد عبر وزير الخارجية الأمريكي السابق، وارين كريستوفر، أبلغه فيها موافقته على الانسحاب من الجولان مقابل تغيير المعادلة، وبأن أحد طلباته كان سحب الأسلحة الثقيلة إلى الحدود التركية.
وقال الأسد لوزير الخارجية الأمريكي: "أرفض استلام الخطاب لأنه موجه لكلينتون وليس لي".
واستطرد الأمير بندر: "رد عليه وزير الخارجية الأمريكي: فخامة الرئيس فكر بالموضوع، هذا أفضل عرض قد يأتيك، رابين له شعبيته، ويستطيع تمريرها في الكنيست الإسرائيلي، والرئيس مستعد أن يأتي بنفسه ويكون الوسيط".
فتابع حافظ الأسد: "عاندت ورفضت، وقلت إذا كان الخطاب موجهًا لي يكتبه لي لا للرئيس، وإنه لو استغليت تلك الفرصة لكان الجولان لنا، ولفتحنا سفارة لا نجعل أحد يعمل فيها لكن الفرصة ضاعت"؛ حسب ما ذكره الأمير بندر.
فيديو قد يعجبك: