من هي مناضلة الجزائر جميلة بوحيرد التي ألهمت الرافضين لبوتفليقة؟
كتبت – إيمان محمود:
بخطى واثقة وابتسامة هادئة حيّت بها حشد كبير من المتظاهرين الذين فوجئوا بوجودها تسير بينهم؛ شاركت المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد في تظاهرات الرافضين لترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع التظاهرات في منتصف الشهر الماضي.
جميلة بوحريد؛ مناضلة جزائرية حُفر اسمها في ذاكرة التاريخ ضمن النساء المناضلات ضد الاستعمار في العالم العربي، وتحديدًا ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، الذي استمر أكثر من مئة وثلاثين عامًا.
تُعتبر بوحيرد، التي وُلدت عام 1935 في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية، من المناضلات اللاتي ساهمن بشكل مباشر في الثورة الجزائرية أثناء الاستعمار الفرنسي، في أواخر القرن العشرين.
كانت لوالدتها الفضل الأكبر في تنمية روح الوطنية بداخلها؛ فالأم التونسية الأصل، زرعت في جميلة من صغرها حبّ الوطن وعملت على تذكرتها دائمًا بأنها: "جزائرية لا فرنسية".
وعندما كان الطلاب الجزائريون يرددون وقتذاك في طابور الصباح "فرنسا أُمُنا"، كانت تصرخ وتقول: "الجزائر أًمُنا"، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها لكنها لم تتراجع.
رحلة النضال
في عام 1954؛ اندلعت الثورة الجزائرية. قررت بوحيرد الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وهي في العشرين من عمرها، ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أولى المتطوعات مع المناضلة جميلة بوعزة، التي قامت بزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي.
أصبحت الأولى على قائمة المطلوبين لدى الاحتلال، حتى أصيبت برصاصة عام 1957 وألقي القبض عليها عندما سقطت على الأرض تنزف دمًا.
من داخل المستشفى؛ بدأ الفرنسيون في تعذيب بوحيرد، التي تعرضت للصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام من طرف المستعمر كي تعترف على زملائها، لكنها ابت وتحملت التعذيب، وكانت تغيب عن الوعي وحين تفيق تقول الجزائر أُمُنا.
حين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صوريًا وصدر بحقها حكمًا بالإعدام عام 1957، وأثناء المحاكمة وفور النطق بالحكم رددت جملتها الشهيرة: "أعرف أنكم سوف تحكمون عليّ بالإعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرّة مستقلة".
بعد 3 سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها بعد ذلك مع بقية الزملاء.
تحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم. تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة.
وبعد تحرير الجزائر عام 1962، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي جاك فيرجيس، عام 1965، الذي دافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني خاصة المجاهدة جميلة بوحيرد والذي أسلم واتخذ منصور اسمًا له.
تكريم مصري
في عام 1962؛ زارت المناضلة الجزائرية مصر، مع زميلتها زهرة بوظريف، وهي الزيارة التي لقت استقبالاً مصريًا حافلاً سواء على المستوى الشعبي أو الدبلوماسي.
الشركة الوطنية مصر للطيران قامت بنقل بوحيرد في زيارتها إلى مصر، حين كانت تسمى وقتها بـ"شركة الطيران العربية المتحدة" في الستينيات.
وكان في استقبال المناضلتين الجزائريتين وقتها الدكتورة حكمة أبو زيد وزيرة الشؤون الاجتماعية وصلاح الدسوقي محافظ القاهرة وكثير من الفتيات الذين يحملون الورود والياسمين والكثير من الصحفيين والإعلاميين، وعند نزولها من الطائرة علت الهتافات وكان في انتظارها الرئيس جمال عبد الناصر.
لم يكن الاحتفاء المصري الأخير؛ ففي عام 2018؛ كرّمت مصر جميلة بوحيرد، وسط حضور نسائي ورسمي رفيع، وعلى هامش حضورها الدورة الثانية من "مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة" الذي كان يحمل اسم المناضلة الجزائرية.
وخلال تكريمها؛ قالت بوحيرد إن الشعب المصري عظيم وكريم، معبرة عن بالغ سعادتها لما لمسته من محبة وترحيب وحفاوة، ومؤكدة أنها لن تنسى تضامن الشعب المصري مع قضية الشعب الجزائري وثورته ضد الاحتلال الفرنسي، وتكريمها من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
فيديو قد يعجبك: