رغم الإطاحة بحكومتين في 3 أيام.. لماذا تتواصل احتجاجات لبنان والعراق؟
كتبت- رنا أسامة:
قالت شبكة "سي إن إن" الأمريكية إن التظاهرات الغاضبة المُدوية تواصلت لأسابيع في جميع أنحاء العراق ولبنان للمُطالبة بإسقاط النظام، وأحدثت هزّة في قيادتهما السياسية. ونتيجة لذلك، أقرّت النُخب في كلا البلدين علنًا الإدانة الشعبية لهما حتى بدت التنازلات السياسية الجادة "حتمية".
واعتبرت الشبكة الأمريكية في تحليلها المنشور على موقعها الإلكتروني، الأحد، أن هذه التظاهرات "خلخلت ميزان القِوى على نحو كان يصعب تصوّره قبل شهر واحد فقط".
بعد ذلك، وفي غضون ثلاثة أيام فقط هذا الأسبوع، وافقت حكومتا لبنان والعراق على الاستقالة. ابتهج المُتظاهرون لهذا الأمر، لكن العديد منهم أدرك أيضًا أن ثمة طريقًا طويلًا ومُعقّدًا لا يزال بانتظارهم، وفق الـ"سي إن إن".
فبخلاف معظم دول العالم العربي، أشارت الشبكة الأمريكية إلى أن العراق ولبنان لا يخضعان لحكم استبدادي، ونادرًا ما يقود التغيير الحكومي إلى إحداث تحوّل في السياسات المحلية. غير أن المتظاهرين يقولون إن بلدانهم تحكمها أنظمة فاسدة مُنتخبة ديمقراطيًا، تضم نخبًا سياسية راسخة الجذور بفضل أنظمة تقاسم السلطة الطائفية المعقدة.
وفي كلتا الحالتين، يقع على عاتق المحتجين مهمة ضخمة تتمثل في تغيير الأنظمة السياسية بأكملها، وليس فقط حكوماتها، لمعالجة مظالمهم.
الأمر الذي بدا جليًا في لبنان بعد مرور ما لا يزيد على 24 ساعة على استقالة سعد الحريري من منصب رئيس الوزراء، حيث برز بالفعل باعتباره الشخص المُفضّل للمنصب نفسه. وفي العراق، لن تكون استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ذات جدوى إلا بعد اختيار خليفة له، وفق الـ"سي إن إن".
وفي هذا الصدد، قالت الباحثة في شؤون العراق بمنظمة العفو الدولية رازاو صالحي، للشبكة الأمريكية إن استقالة (عبدالمهدي) بالنسبة للمتظاهرين العراقيين خطوة مُرحّب بها في بعض الجوانب، لكنها ليست كافية لتلبية مطالب المحتجين".
وأضافت: "هذه المطالب لا تتمثل في استقالة الحكومة فقط، وإنما محاسبة كل فرد في الحكومة على انتهاكات حقوق الإنسان التي طال أمدها، فضلًا عن الفساد المتأصل في الحكومة".
وفي مقابلة مع بيكي أندرسون أجرتها في "سي إن إن"، أقرّت وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وحليفة الحريري، ريا الحسن، بأن استقالة الحكومة اللبنانية "مجرد نصر جزئي".
وقالت الحسن: "أعتقد أن هذا جزء مما كان (المتظاهرون) يطالبون به. ومن المؤكد أننا نحتاج إلى حكومة نظيفة، لقد رفع المتظاهرون سقف مطالبهم أمامنا، لذلك لم يعد بإمكاننا محاولة التملص من هذا الالتزام".
بيد أنه وحتى إذا كان الساسة مخلصين في التزامهم بالقضاء على الفساد -وهو الأمر الذي لا يُصدّقه كثير من المحتجين- فقد يثبت أنه من الصعب التعامل مع هذه الظروف. ومن بين العقبات الرئيسية النظام السياسي الذي يشترك فيه البلدان، كما ترى الشبكة الأمريكية.
فبعد أن أطاح الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بصدام حسين، أدخلت الولايات المتحدة نظام المحاصصة الطائفية إلى البلاد -وهو النظام نفسه الذي فرضته الحقبة الاستعمارية في لبنان- الذي يقسم السلطة على أساس الانتماء الطائفي. ويعتقد المتظاهرون في كلا البلدين أنه السبب الجذري للفساد المستشري والمحسوبية.
وتتمثل إحدى العقبات الأخرى في تنامي نفوذ إيران. ففي العراق، لعبت وحدات الحشد الشعبي التي تدعمها طهران دورًا رئيسيًا في طرد تنظيم داعش الإرهابي من البلاد، لكنها أصبحت تتمتع بسلطة كبيرة في الحكومة.
وفي لبنان، شنَّ حزب الله -الحزب السياسي المسلح المدعوم من إيران- حربًا شهدت في نهاية المطاف انسحاب إسرائيل العشوائي من جنوب لبنان، بعد احتلال دام 18 عامًا. وأقام الحزب بعدَها تحالفاً سياسياً، يتألّف من حلفاء مسيحيين وشيعيين، ليصبح أقوى قوة سياسية في البلاد.
وذكرت الشبكة أن إيران لم تتسبب في الوضع القائم الذي انتفض الناس ضدّه في أيٍ من البلدين، ولكن لديها مصلحة كبيرة في الحفاظ عليه. وسرعان ما وجد المتظاهرون المدفوعون بالمظالم الاقتصادية الكبيرة التي تراكمت على مدار سنوات عديدة بسبب سوء الإدارة الحكومية نفسها في مواجهة القوات المدعومة من إيران أو مؤيديها.
ففي لبنان، أقرّ حزب الله في البداية بأن الاحتجاجات التي بدأت في منتصف أكتوبر الماضي "شرعية"، لكنه حاول فيما بعد تشويه هذا الحراك، زاعمًا أن ثمة مؤامرة ضد الحزب وراء أجزاء منه.
إذ هاجم أنصار حزب الله وحلفاؤه السياسيون في حركة أمل أماكن الاحتجاجات مرتين. كما عارض الحزب استقالة حكومة الوحدة الوطنية التي يتزعمها الحريري، والتي كانت تضم حزب الله وحلفاءه.
وهو الأمر الذي أثار غضب المحتجين، حتى بين أولئك الأكثر تعاطفًا مع الحزب. ورغم أن حزب الله نفسه لا يشتهر بالفساد الاقتصادي، فقد نصّب نفسه، في هذه اللحظة الحرجة، حارسًا للمؤسسة التي لا تبالي سوى بمصلحتها الشخصية في لبنان.
وفي هذا الشأن، أشارت رازاو صالحي من منظمة العفو الدولية، إلى أنه حين بدأت التظاهرات في العراق أوائل أكتوبر الماضي "لم يكن ثمة الكثير من الحديث عن إسقاط النظام"، غير أن رد فعل قوات الأمن العنيف على الاحتجاجات أجَّج السخط السياسي.
وقالت رازاو إن "وجود بعض الفصائل من وحدات الحشد الشعبي في المحافظات الجنوبية، حيث يحكمون بقبضة حديدية، زاد من المظالم"، مُضيفة أن الاستياء تجاه الحكومة ارتفع عندما أصبح من الواضح أن وحدات الحشد الشعبي خارجة عن السيطرة. إذ قُتل أكثر من 200 شخص على أيدي قوات الأمن منذ اندلاع الاحتجاجات، وفق إحصاءات منظمة العفو الدولية.
والجمعة، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن تحقيق الحكومة العراقية في أعمال العنف التي وقعت في أوائل أكتوبر "يفتقر إلى المصداقية الكافية"،، مُشددًا على أن "الشعب العراقي يستحق العدالة وإجراء مساءلة حقيقية".
والآن، وبعد أقل من شهر، تعتقد الشبكة الأمريكية أن الاستقالات التي دفع بها المتظاهرون في لبنان والعراق يُمكن أن تُشكل "نقطة تحول"، بما قد يقود إلى تنازلات سياسية ضرورية لإنقاذ البلدين من الخراب المتزايد.
ففي لبنان، وصف الرئيس ميشال عون (وهو حليف حزب الله)، الخميس، النظام الطائفي بأنه "مرض"، مُتعهدًا بإصلاح سياسي جذري. وفي العراق، أثارت استقالة عبدالمهدي غضب إيران، لكنها قد تكون خطوة أولى في علاج الفساد.
وحول ما إذا كان بإمكان المتظاهرين إحداث تغيير منهجي -إلى جانب إعادة توزيع السلطة- أم لا، ترى الشبكة أنه "ليس واضحًا بالدرجة نفسها" حتى الآن.
في العراق، قد تجد وحدات الحشد الشعبي نفسها في موقف صعب، وتُجبر على تقديم تنازلات. وفي لبنان، قد ينسحب حزب الله من المشهد السياسي، في محاولة للحفاظ على أسلحته.
وأشارت إلى أن الحزب عارض لسنوات عديدة سياسات الاقتصاد الليبرالي الجديد في لبنان، حتى حين وجد نفسه مُشاركًا نشطًا في هذا النظام. وخفَّف حسن زعيمه نصرالله، الخميس، من حدة معارضته للاحتجاجات، في خطاب ألقاه يوم الجمعة ودعا خلاله الحكومة المقبلة إلى التزام الشفافية وتلبية مطالب المحتجين.
لكن أكدت الشبكة أن الفساد في العراق ولبنان يتجاوز دور إيران في هذين البلدين، في الوقت الذي دعمت فيه الولايات المتحدة والسعودية أطرافًا سياسية بارزة في النظام.
ونوّهت الشبكة إلى أن السؤال الذي يجب طرحه الآن يتمحور حول "ما إذا كان المتظاهرون يملكون الوسائل اللازمة للتعامل مع هذا العدد الكبير من الأطراف الفاعلة، والتأثيرات الخارجية، والمصالح التجارية التي حافظت على هذه المؤسسات لسنوات أم لا؟!".
فيديو قد يعجبك: