"القمة السرية".. تفاصيل اجتماع الحرس الثوري الإيراني وإخوان مصر في تركيا
كتبت- هدى الشيمي:
نشر موقع إنترسبت الإخباري الأمريكي، وثائق إيرانية مسربة عن قمة سرية لم يُكشف عنها أبدًا جمعت بين الحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان المُسلمين في تركيا، لتشكيل تحالف ضد المملكة العربية السعودية.
قال الموقع الإخباري، إنه بالرغم من معارضة كل منهما للآخر ومواجهة كل منهما للآخر في أحد أكبر وأقسى الانقسامات الجيوسياسية في العالم، إلا أنه في محاولة سرية للوفاق، عقد التنظيمان، اجتماعاً سريًا لم يُكشف عنه في فندق تركي، في محاولة للوقوف على أرضية مُشتركة في خضم حرب طائفية تشهدها المنطقة.
وحصل انترسبت وصحيفة نيويورك تايمز على 700 صفحة من الوثائق الواردة في أرشيف البرقيات الاستخباراتية الإيرانية السرية، ونشرتها المؤسستان في الوقت نفسه، بعد ترجمتها من الفارسية إلى الإنجليزية، والتحقق من صحتها. إلا أن نيويورك تايمز قالت إنها لا تعرف من سربها.
يضم الأرشيف مئات التقارير والبرقيات التي كتبها ضباط وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية ووزارة الداخلية الذين عملوا في العراق في عامي 2014 و2015.
"تحالف الأعداء"
وأوضح الموقع الإخباري أن فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، يُمثل أقوى دولة شيعية في العالم، بينما تعد "الإخوان المُسلمين" أقوى جماعة سياسية عديمة الجنسية في العالم الإسلامي السُني.
يُشار إلى أن واشنطن صنفت الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية في أبريل الماضي، ويُقال إن هناك بعض الضغوطات التي تُمارس على البيت الأبيض من أجل إضافة جماعة الإخوان المُسلمين للقائمة.
وحسب الوثائق السرية، فإنه كان هناك اجتماعات واتصالات عامة بين مسؤولين إيرانيين ومصريين أثناء حكم الرئيس السابق محمد مرسي.
قدمت إحدى الوثائق الإيرانية المُسربة، التي حصل عليها انترسبت، لمحة مُثيرة للاهتمام حول محاولة سرية من قبل جماعة الإخوان المُسلمين والمسؤولين الإيرانيين للحفاظ على الاتصال فيما بينهم، بعد إقالة مُرسي عام 2013.
وأوضح الموقع أن البرقية الخاصة بالقمة صادرة من وزارة الداخلية الإيرانية، وتكشف عن الديناميات السياسية التي تفصل بين المنظمات السنية والشيعية القوية مثل جماعة الإخوان المُسلمين وفيلق القدس.
وفقًا للموقع، فإن هذه البرقية وما تكشف عنه من معلومات متعلقة بالقمة السرية ترسم صورة للمشهد السياسي في الشرق الأوسط، ويفسر صعوبة فهم الأطراف الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة، لما يحدث في هذه المنطقة شديدة التعقيد.
في الظاهر، يبدو كأن فيلق القدس وجماعة الإخوان المُسلمين أعداء. وأوضح الموقع أن فيلق القدس، بزعامة اللواء قاسم سليماني، استخدم مصادره السرية لمساعدة إيران على توسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ودعمت المليشيات الشيعية التي ارتكبت جرائم وفظائع في حق السنة في العراق، بينما دعمت الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية في بلاده. وفي المقابل، قال الموقع، إن جماعة الإخوان المُسلمين كانت لاعباً أساسياً في السياسة العربية السنية لعقود من الزمن.
"قمة في وقت حرج"
جاءت القمة في وقت حرج بالنسبة لكلا التنظيمين، وهو ما يفسر لماذا قرر الحرس الثوري الإيراني والإخوان المُسلمين إجراء المحادثات. أوضحت البرقية المُسربة أن الاجتماع عُقد في أبريل 2014، بينما كان تنظيم داعش الإرهابي يتوسع ويسيطر على المزيد من الأراضي التي يُهيمن عليها السنّة في العراق.
في ذلك الوقت كان الجيش العراقي عاجزًا عن مواجهة التكتيكات الوحشية التي يستخدمها داعش، بينما أصبح التنظيم الإرهابي صداع في رأس الجميع، وكان يُهدد استقرار الحكومة العراقية في بغداد.
دفع تهديد داعش فيلق القدس إلى التدخل نيابة عن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، فبدأ في قيادة المليشيات الشيعية في المعركة ضد داعش، ولكن كان يُنظر إلى المالكي باعتباره دُمية إيرانية، ما أثار غضب واستياء السنة العراقيين.
في الوقت نفسه، قال الموقع الأمريكي إن الفوضى كانت مُسيطرة على الأوضاع في البلدان الأخرى بالمنطقة، حيث اشتعلت نيران الحرب في سوريا، ولم تكن الأمور مُستقرة في اليمن وليبيا، وأُطيح بالرئيس السابق محمود مرسي من الحكم، فرأت جماعة الإخوان المُسلمين أن أفضل طريقة لتعويض خسائرها هو التحالف مع الإيرانيين، من أجل استعادة بعض من مكانتها الإقليمية.
"لعبة التجسس"
ما لم يعرفه كلا الجانبين هو أنه كان هناك جاسوس في القمة. حسب البرقية المُسربة، فإن وزارة الداخلية الإيرانية، المنافس الرئيسي للحرس الثوري داخل جهاز الأمن القومي الإيراني، زرع سرًا عميلاً في الاجتماع أبلغها بكل ما جرى مناقشته.
حسب البرقية، فإن ذلك الجاسوس لم يشارك فحسب في القمة، ولكنه عمل كمنسق لهذا الاجتماع.
وأوضح الموقع الأمريكي أن وزارة الداخلية الإيرانية تشعر بالاستياء من القوة والنفوذ اللذان يظفر بهما الحرس الثوري الإيراني، وتتبع خطواته وتحاول سرًا معرفة كل شيء يقوم به في جميع أنحاء العالم.
وقع اختيار الطرفين على تركيا من أجل عقد الاجتماع، بالنظر إلى أنها واحدة من الدولة القليلة التي تربطها علاقات طيبة مع كل من إيران والإخوان المسلمين.
ووفقًا لما جاء في البرقية المُسربة، فإن خوف تركيا على مظهرها دفعها إلى رفض منح تأشيرات دخول للواء قاسم سليماني، والذي أرسل بدوره وفدا من كبار مسؤولي فيلق القدس لحضور الاجتماعات.
وقاد الوفد الإيراني، حسب البرقية المُسربة، أحد كبار مُستشاري سليماني والذي عُرف في الوثيقة باسم "أبو حسين".
فيما مثل الإخوان المُسلمين ثلاثة من أبرز قادتها، وهم إبراهيم منير مصطفى، ومحمود الإبياري، ويوسف مصطفى ندى.
"العدو المُشترك"
افتتح وفد الإخوان المُسلمين الاجتماع، مُشيرًا إلى أن الجماعة لديها فروع في 85 دولة في العالم. وفقًا للبرقية المُسربة فإن الخلافات بين إيران كرمز للشيعة والإخوان المُسلمين كممثل للسنة لم يكن حولها أي جدال، ولكن الجانبين اتفقا على ضرورة التخلي عن أي مشاكل، والتركيز على أسس التعاون المُشترك.
وحسب البرقية المُسربة، فإن أحد أهم الأمور المشتركة التي جمعت بين الجانبين كانت كراهيتهما وعدائيتهما للمملكة العربية السعودية.
قال الموقع الأمريكي إنه من المُحتمل أن يكون وفد الإخوان المُسلمين قد دعا إلى توحيد الجانبين صفوفهما ضد السعوديين، ورأوا أن أفضل مكان لفعل ذلك هو اليمن، لاسيما وأن إيران كانت تدعم مليشيا الحوثي التي تشن حربًا ضد المملكة والحكومة اليمنية التي تدعمها الرياض.
في الوقت نفسه، أرادت جماعة الإخوان المسلمين تحقيق السلام في العراق، وهو ما شدد عليه الوفد. قال الوفد الإخواني إنه إذا كان هناك مكان واحد في المنطقة بإمكانه رأب الصدع وإنهاء الخلاف بين الشيعة والسنة فسيكون العراق، وأشار إلى أنه من الممكن أن يُنهي التعاون بين الإخوان وفيلق القدس الحرب هناك.
بينما نفى يوسف مصطفى ندى حضوره لهذه القمة المزعومة، قال إن جماعة الإخوان المُسلمين لا تريد حدوث أي تصعيد في الخلافات بين الشيعة والسنة، كما أوضحت البرقية.
في الوقت نفسه، اعترفت جماعة الإخوان بأن هناك حدودا للتعاون الإقليمي مع فيلق القدس. على سبيل المثال، كانت سوريا مسألة معقدة وفوضوية بالنسبة للإخوان.
ذكرت البرقية المسربة، أن الأوضاع في سوريا أصبحت خارج سيطرة إيران والإخوان المسلمين، ولم يكن هناك أي شيء يمكن فعله بشأن هذه المسألة.
فيديو قد يعجبك: