دستورية الإطاحة بمادورو فنزويلا.. ذريعة أمريكا أم حق للشعب؟
كتب – محمد الصباغ:
تسبب المعارض الفنزويلي خوان جوايدو في توتر كبير في دولته التي تعاني من أزمة سياسية واقتصادية طاحنة، وذلك مع إعلانه أمس نفسه رئيسًا مؤقتًا للبلاد، بدلا من الرئيس المنتخب مؤخرًا نيكولاس مادورو.
هذا التحرك أيدته الولايات المتحدة منذ اللحظات الأولى، وقررت التعامل مع "جوايدو" على أنه الرئيس الشرعي لفنزويلا، وحينما قرر مادورو قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، اعتبرت الأخيرة أن قراره غير شرعي ولا تتعامل معه وحمّلت القوات الأمنية في فنزويلا مسئولية تأمين بعثتها الدبلوماسية.
الجيش في فنزويلا قرر دعم مادورو ورفض التدخلات الخارجية، التي تمثلت في إعلان أمريكا وبريطانيا ودول لاتينية على رأسها الأرجنتين والبرازيل وباراجواي دعم رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) السابق.
في حين دعم مادورو دول مثل المكسيك وتركيا وروسيا والصين وإيران، واعتبروه الرئيس الشرعي لفنزويلا، وأن ما قام به "جوايدو" هو محاولة انقلاب.
لا تعترف الولايات المتحدة ودول أوروبية ولاتينية بانتخاب مادورو الأخير، وهو الذي أدى اليمين الدستورية أمام المحكمة العليا في بداية الشهر الجاري.
لم تشارك المعارضة في فنزويلا في الانتخابات الأخيرة واعتبرتها غير شرعية وفاسدة، وهو السبب الذي جعل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا يشيرون إلى مادورو بأنه رئيس غير شرعي.
وبالنظر إلى الظروف القائمة حاليًا، هناك رئيس منتخب في فنزويلا هو مادورو تتهمه المعارضة ودول غربية كبرى بأنه أفسد الانتخابات وتسبب في تدهور اقتصاد البلاد، وأن الشعب من حقه اختيار طريقه نحو الديمقراطية.
"ورقة توت"
ذكرت تقرير بشبكة بلومبرج الأمريكية أن الخارجية الأمريكية في اعترافها بجوايدو كرئيس مؤقت، اعتمدت على المادة "233" من الدستور في فنزويلا، لكنها أشارت إلى أن ذلك لا يحمل الكثير من الشرعية القانونية.
فلا يسمح الدستور في فنزويلا لرئيس الجمعية الوطنية –في هذا الحالة هو جوايدو- بالاستيلاء على السلطة في البلاد.
لا تنص المادة "233" على أن الجمعية الوطنية يمكنها الإطاحة بالرئيس، لكنها فقط تشير إلى أن رئيس الجمعية الوطنية يمكنه شغل منصب الرئيس بشكل مؤقت لمدة 30 يومًا في حالة كان غير قادر على أداء مهامه.
وهنا ذكر الدستور بعض الحالات تجعله غير قادر على أداء مهامه، وهي في حالة الإطاحة به من منصبه بواسطة المحكمة العليا، أو كانت صحته العقلية أو البدنية لا تسمح له بذلك.
تهاجم المعارضة والولايات المتحدة ودول غربية ولاتينية كثيرة مادورو بشكل مستمر وتحمله مسئولية تراجع الاقتصاد وانهيار مستويات الخدمات العامة في فنزويلا، في حين يعتبر هو أن الدول الغربية تحاول إسقاطه لمصالحها الخاصة وذلك بالعقوبات الكبيرة المفروضة على حكومته.
يتهم مؤيدو مادور المعارض جوايدو بأن استمراره بالبرلمان غير شرعي حيث انتخب كنائب عام 2015، واعتبرت المحكمة العليا في إعادة انتخابه العام الجاري "غير شرعي".
لكن جوايدو وأنصاره يصرون على أن المحكمة العليا تخضع لرغبات الحكومة ويعتبرون قراراتها انعكاسا لتوجهات مادورو.
ورأى تحليل بلومبرج المنشور الخميس أن الجدل حول عدم دستورية رئاسة مادورو لفنزويلا هو لا يتعدى "ورقة توت" الهدف من ورائها تغيير النظام الحاكم، وأنه من الأفضل أن تكون تحركات الولايات المتحدة الأمريكية أكثر وضوحًا وتعلن أن هدفها تغيير النظام في فنزويلا.
سعى جوايدو لهذا التحرك منذ تنصيب مادورو رئيسًا لفترة جديدة في العاشر من الشهر الجاري، وكتب في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن هناك 3 مواد دستورية يمكنها إنهاء الأزمة السياسة الراهنة في بلاده.
ماذا يقول الدستور؟
أشار في البداية إلى المادة 233، واعتبر في مقاله أن فنزويلا في هذا التوقيت لا تمتلك رئيسًا شرعيًا، وأضاف أنه في الدول الديمقراطية يمكن تطبيقها بسهولة، لكن من الصعب حدوث ذلك في فنزويلا.
من الجدير بالذكر أن تلك المادة التي أشارت إليها الخارجية الأمريكية في بيانها حول دعم جوايدو.
المادة الثانية في الدستور الفنزويلي التي أشار إليها المعارض الذي زعم أنه الرئيس المؤقت، تحمل رقم "333" وتطالب كل المواطنين بالمطالبة بتطبيق الدستور حال عدم اتباعه من قبل السلطات الحكومية. وهنا أشار جوايدو في مقاله إلى أن "مادورو وضع نفسه فوق الدستور، لكن الشعب يكون فوق الجميع".
كما قال إن المادة الثالثة هي "350" والتي تنص على دعوة الشعب الفنزويلي إلى رفض أي نظام حاكم ينتهك القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وذكر جوايدو أنه سيطالب من خلال تلك المادة الفنزويليين والمجتمع الدولي بالإطاحة بمادورو من الرئاسة.
لا توجد مادة صريحة في الدستور الفنزويلي تشير إلى أن المعارضة التي تقاطع الانتخابات الرئاسية يمكنها أن تضع رئيس البرلمان في منصب رئيس البلاد، لمجرد أنها تعتبره فقد شرعيته.
ولكن على الرغم من ذلك، ذكرت بلومبرج أن في أغلب الأوقات تبذل الولايات المتحدة جهودا كبيرة من أجل تقنين قراراتها، وهو ما جعلها تستعين بالمادة "233" من الدستور في فنزويلا حتى لو كان هناك قصور في استخدامها كستار.
وتخيلت الشبكة الأمريكية سيناريو معاكس، فيه يعلن معارضو الرئيس دونالد ترامب أنه لم يعد رئيسًا للبلاد، لأنهم يعتقدون بأنه مدان بجرائم، حتى لو لم يتم إدانته أو الإطاحة به عبر الكونجرس المنوط له القيام بذلك.
وبحسب بلومبرج فإن ذلك السيناريو سينظر الأمريكيون إليه كمحاولة لتغيير نظام الحكم في الولايات المتحدة، واختتم التقرير بالإشارة إلى أن هذا ما يحدث في فنزويلا.
واختتم التقرير بالقول إن المواطنين في فنزويلا يدركون ذلك، سواء يؤيدون مادورو أم جوايدو، يعلمون أن ما يحدث محاولة لتغيير النظام وأن المرجعية الدستورية مجرد ذريعة تستخدم لتنفيذ الهدف والإطاحة بمادورو.
فيديو قد يعجبك: