نيويورك تايمز: أردوغان يتعامل مع أزمة تركيا الاقتصادية بنفس عقلية انقلاب 2016
كتب - هشام عبد الخالق:
في أسوأ الأيام التي شهدت انهيارًا لليرة التركية، وصل الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إحدى المدن الصغيرة، وترجّل من سيارته وأمسك بالميكروفون ليلقى إحدى أكثر الخُطب الرنانة في مسيرته السياسية، مستجديًا وطنية وتدين الأتراك في مواجهة العدوان الأجنبي، وقال في هذه الليلة: "إنهم يشنون حملات متعددة الآن" في إشارة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة ضد تركيا، متابعًا "ولكن، لا تنسوا أنهم لديهم الدولار، ولكن نحن لدينا الله".
منذ انتخاب أردوغان وتوسيع صلاحياته في يونيو الماضي، أصبح الرئيس التركي أكثر سيطرة من حكومته على سكان تركيا البالغ عددهم 81 مليون نسمة، وبعد 15 عامًا في السلطة، لا يزال الرئيس يقوم بجولات في البلاد بلا كلل أو ملل، ويعقد الاجتماعات الحزبية، ويقص الشرائط في الافتتاحات، ولكن الأهم من ذلك، يلقي الخطابات أمام الحشود بمتوسط ثلاثة خطابات يوميًا، يُبث معظمها على الهواء مباشرة.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلت - في تقرير لها - عن محللين اقتصاديين، قولهم إن الأزمة الاقتصادية التركية في الغالب هي بسبب إدارة أردوغان السيئة لتركيا - ويتمثل هذا في الاقتراض غير المستدام، والمحسوبية، والأشغال العامة الضخمة التي تدر عائدًا اقتصاديًا قليلًا - ويحمل أردوغان الآن على كتفيه عبء إعادة التوازن إلى الأمة المضطربة، وقد لا يكون لدى أردوغان حلولًا قوية لمواجهة مشكلات دولته إلا أنه استطاع تحريف اللوم، معتمدًا على الوطنية واستياء الأتراك من الغرب، وقبضته القوية التي تسيطر على وسائل الإعلام، وشعبيته الهائلة، بالإضافة لمهاراته السياسية.
وتقول الصحيفة إن ترامب قد يكون ساعد أردوغان على المستوى الداخلي لتركيا بفرضه عقوبات ومهاجمة أنقرة علانية، وأعطاه أسبابًا للافتخار بالكرامة الوطنية وهو يقف أمام قوة عظمى، وتحدث أردوغان عن "حرب اقتصادية" تُشن ضد دولته، وكتب في مقال بنيويوك تايمز مؤخرًا أن الولايات المتحدة "فشلت في فهم واحترام" القضايا التركية، مضيفًا أن تركيا لا تخضع للتهديدات.
عبد اللطيف سينير، نائب رئيس الوزراء السابق لأردوغان، وهو عضو معارض في البرلمان الآن قال: "يعتقد الجمهور التركي بأكمله الآن أن سبب الأزمة الاقتصادية هو هجوم ترامب على تركيا، وهذا يقوي من شوكة أردوغان".
أحد الطرق التي يتبعها أردوغان في حل الأزمة، هي استخدام صهره بيرات ألبيرق، الذي تم تعيينه الأسبوع الماضي وزيرًا للمالية والخزانة، ويحضر ألبيرق الاجتماعات ويستعرض خطوات لحل الأزمة في المؤتمرات باستخدام تقنية Power Point، ولكن الشعب التركي يحب أردوغان لا صهره، فهو من فاز في الانتخابات الماضية بأكثر من منافسه بـ 22%.
في كل مناسبة، يحاول الناس تحيته والتقاط الصور معه، يتم نقل تلك المشاهد بعناية وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث يتمركز القناصة في مواقعهم فوق أسطح المنازل وتقوم طائرات الهليكوبتر من طراز بلاك هوك بمراقبة الوضع من أعلى، ومع ذلك فإن حماس الناس صادق.
في العاشر من أغسطس، هبطت الليرة إلى مستوى قياسي وواصلت الهبوط يوم الإثنين الماضي، وخسرت العملة ما يقرب من 40% من قيمتها منذ منتصف فبراير الماضي، مما ساهم في ارتفاع الأسعار في تركيا، ولكن وعد أردوغان أن أنقرة ستمر من أزمتها، وقال: "لقد عملنا بجد في الماضي وسنستمر في هذا، أين كنا منذ 16 عامًا وأين نحن الآن؟ وسوف نكون أفضل من هذا".
لعب أردوغان لفترة طويلة على وتر الطبقة العاملة في تركيا، وهي الطبقة المحافظة من المجتمع التركي، متحدثًا لهم بلهجتهم العامية ومخاطبًا إياهم ببساطة كما لو كانوا عائلة واحدة، ويقول مؤيدوه إنهم يحبوه لأنه واحد منهم.
يثير أردوغان شعور تلك الطبقة بذكر مراجع تاريخية ودينية، وعارضًا عليهم استعادة تركيا لمجد الامبراطورية العثمانية، ويُصور الأزمة الاقتصادية على أنها "نحن ضدهم"، وهو الصراع الوطني المماثل لحرب استقلال تركيا ضد القوى الاستعمارية الغربية منذ قرن مضى.
وقال أردوغان لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، إن الغرب لا يمكنه تحمل التقدم الذي تحظى به تركيا في عهده، فهناك هجوم اقتصادي واضح ضد تركيا، "نحن بحاجة إلى الحفاظ على موقفنا السياسي لأن هذا الهجوم الاقتصادي لا يتعلق بحالنا الاقتصادية الحقيقية. هناك نوايا أخرى وراء ذلك، لقد حققنا قفزة كبيرة في الاقتصاد بنمو 3.5٪ في السنوات الـ16 الماضية، ومن المفهوم أن بعض الناس لا يمكنهم تحمل هذا".
وتابع أردوغان، لم يستطع الغرب أيضًا أن يتحمل شعبية حكومته الإسلامية، وكان أكبر تغيير جلبناه هو إصلاح العلاقة بين الدولة والشعب.
وتقول الصحفية آسلي أيدنتاسباس، الباحثة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن أردوغان تأثر بشكل كبير بمحاولة الانقلاب ضده عام 2016، واستاء من الولايات المتحدة بشدة لعدم إظهار دعمًا أكبر له في ذلك الوقت، وفي هذا اليوم (محاولة الانقلاب) خرج مؤيدوه إلى الشوارع وواجهوا الدبابات، ولكن قُتل الكثيرون منهم وكان من ضمنهم أحد أقرب أصدقاء أردوغان ومدير حملته إرول أولكوك ونجله المراهق.
واتهم أردوغان رجل الدين المتمركز في الولايات المتحدة فتح الله جولن بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل - وهو ما أنكره جولن - ويتمسك أردوغان بالشك في أن الحكومة الأمريكية تسعى إلى إزاحته من السلطة.
وتقول أيدنتاسباس" "لا تزال تركيا - وعلى رأسها أردوغان - تشكك في أن الولايات المتحدة كان لها دورًا في محاولة الانقلاب، حيث كان هناك أشخاص في الغرب وفي واشنطن لن يعارضوا الانقلاب في حالة نجاحه".
واستخدم أردوغان الانقلاب الفاشل كفرصة للتحرك ضد خصومه السياسيين، وسجن أكثر من 100.000 شخص، وقلب دفة البلاد ضد جولن والغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وبنفس الطريقة استخدم العقوبات الأمريكية الاخيرة وخاصة ملاحظات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تركيا على تويتر، لإثارة مشاعر القومية لدى الأتراك.
وفرض ترامب العقوبات على تركيا لرفضها الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي سُجن بتهمة الإرهاب في أعقاب محاولة الانقلاب، ويوم الجمعة، خسر برونسون، الذي يخضع للإقامة الجبرية في منزله، الاستئناف على إطلاق سراحه.
وبدلًا من انتقاد أردوغان وطريقة تعامله مع الاقتصاد، أصدرت الأحزاب المعارضة بيانًا مشتركًا تُدين فيه أفعال والعقوبات التي وقعتها واشنطن، ولم يُبدِ أنصار أردوغان أي علامة على التردد في تحويل دولاراتهم وعملات اليورو الخاصة بهم وذهبهم إلى الليرة التركية بعد مناشدة أردوغان لهم بهذا، وشكرهم الرئيس التركي على هذا في الجولات التي يقوم بها.
وتختتم الصحيفة تقريرها بقول أردوغان للجمهور التركي: "بقاؤنا معًا سيكون أفضل رد على الغرب".
فيديو قد يعجبك: