بعد الإجلاء وتهديدات الأسد.. ما مصير "الخوذ البيضاء" ؟ (حوار)
كتبت- هدى الشيمي:
نجح الرئيس السوري بشار الأسد في السيطرة على مساحات واسعة من بلاده، واسترداد العديد من معاقل المعارضة، وأخذ يزحف نحو المناطق التي تعمل فيها منظمة الدفاع المدني السورية المعروفة باسم "الخوذ البيضاء"، وهدد بالانتقام منها وتصفيتها.
وضع الأسد أمام متطوعي منظمة "الخوذ البيضاء" خيارين لا ثالث لهما، إما التصفية أو التسوية، لاسيما وأن النظام يتهم المنظمة بأنها أداة في أيدي المانحين الدوليين، ويزعم أنهم واجهة لتنظيم القاعدة.
وقال الرئيس السوري، في حوار مع الإعلام الروسي، الخميس الماضي، إنهم ليس أمامهم سوى إلقاء الأسلحة في إطار العفو الساري منذ السنوات الماضية، وإما تتم تصفيتهم كبقية الإرهابيين.
وتمكنت الخوذ البيضاء، خلال فترة عملها في الإنقاذ منذ قرابة 5 أعوام، من إنقاذ أكثر من 100 ألف شخص، وفقدت نحو 200 شخص بعضهم تم اغتياله، وأصيب أكثر من 500 آخرين من متطوعيها والعاملين بها، ما رشحها لجائزة نوبل للسلام عام 2016.
لا تعد هذه المرة الأولى التي توجه فيها تهديدات للمنظمة أو العاملين بها، إلا أن الجديد هذه المرة، حسب مجد خلف، مسؤول التواصل والتنسيق بالخوذ البيضاء، هو تصريح الأسد بشكل علني ومباشر أمام الجميع أنه سينتقم من منظمة انسانية محايدة ساعدت الكثير من المدنيين.
ويقول خلف، الذي يعمل في مقر المنظمة بتركيا لمصراوي، إن الأسد يبعث رسائل للمنظمة وللمجتمع الدولي، ويهدد الجميع بوضوح.
ولا يعتقد خلف أن هناك مجال للتسوية لوجود احتمالات بالانتقام منهم، خاصة وأن الأسد ونظامه وحلفائه يتعاملون مع الخوذ البيضاء وكأنهم أعدائهم، وهم مصابون بهوس من المنظمة لأنها كانت الجهة الوحيدة التي تمكنت من توصيل رسائل المدنيين إلى المجتمع الدولي.
ويتابع: "جريمتنا بالنسبة له هي مساعدة المدنيين، كُنا المستجيبين الأوائل لعمليات الإنقاذ، ولدينا سجلات تؤكد الانتهاكات التي نفّذها نظامه ونقدمها لمجلس الأمن".
"ادعاءات وتُرهات"
وردًا على الاتهامات بالدعم والتمويل من جهات أجنبية، يقول خلف إن هذه الادعاءات ما هي إلا تُرهات، خاصة وأنهم أعلنوا منذ اللحظة الأولى عن الدعم الذي تحصل عليه المنظمة من كافة البلدان.
ويضيف: "لم نُخفِ كوننا مدعومين من بريطانيا وألمانيا وهولندا، وعدة دول وجهات أخرى، لأن هدفنا واضح وهو إنقاذ المدنيين وتوثيق الانتهاكات".
وتحصل المنظمة على الدعم والتمويل من عدة منظمات حقوقية وانسانية، إضافة إلى حكومات الدول الأجنبية مثل بريطانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، وتلقى أفرادها تدريبات في تركيا.
"تهجير قسري"
يرى خلف إن استعادة الأسد لهذه المساحات من الأراضي لا يعد انتصارًا ابدًا، ولكنه عمليات تهجير قسري ساعدته في السيطرة على مناطق خالية.
ويتابع: "الأسد هجّر أعداد غفيرة من المدنيين، والذين لم يكن بيدهم حيلة، وافقوا على الرحيل لما عايشوه من معاناة جراء حملات القصف الممنهجة على منازل المدنيين والتي كانت تسبق كل عملية إجلاء".
ويؤكد أن النظام السوري وحليفتيه روسيا وإيران تعمدوا قصف مواقع فرق الإنقاذ، لاسيما خلال تأديتهم لعملهم سواء كان اخراج المواطنين من تحت الأنقاض أو توثيق الانتهاكات.
وخلال السنوات الماضية، عمد نظام الأسد وحلفاؤه على قصف العديد من المؤسسات الخدمية التي تقدم مساعدات للمدنيين، كالمشافي ومراكز العلاج الطبية، علاوة على مقرات الخوذ البيضاء، حسبما نقلت تقارير إعلامية من بينها تقارير وكالة رويترز، ومنظمة أطباء بلا حدود.
"اتفاقية إجلاء"
وبعد اشتداد حدة القصف في جنوب غرب سوريا، خاصة في القنيطرة ودرعا، حيث انطلقت الثورة السورية منذ 7 سنوات، تمكنت فرق الخوذ البيضاء التي كانت تعمل في هذه المنطقة من مغادرة الأراضي السورية عبر مرتفعات الجولان المحتلة، وبمساعدة عدة دول من بينها إسرائيل.
وأدى تدخل إسرائيل في الأمر إلى إثارة تساؤلات حول مدى شفافية المنظمة، واستغل النظام السوري الأمر وقلبه ضدها وزاد من حدة لهجته ضدهم.
وتم إخراج المئات من متطوعي الخوذ البيضاء مع عائلاتهم، وقال الأردن إنه استضاف نحو 422 شخص، وأعلنت ألمانيا وكندا وهولندا أنهم على استعداد لتقديم طلبات لجوء إلى 50 شخصًا من العاملين فيها.
يؤكد خلف أن المنظمة لم تتعاون مع إسرائيل أو بريطانيا أو كندا أو غيرهم من الدول، ويقول:"كل الحكاية إنه كان عندنا فرقة في درعا والقنيطرة، وبعد تقدم قوات النظام والروس بهذه المنطقة، توجهوا إلى الحدود ومع اشتداد القصف وبمرور الوقت أصبحوا محاصرين في منطقة صغيرة جدًا، فطلبنا من المفوضة الضغط على الدول لإخراج العناصر".
لم يكن هناك وسيلة لإخراج هذه العناصر سوى هذه الطريقة، خاصة بعد رفض الأسد نقلهم إلى الشمال في إدلب.
وأشار خلف إلى أن قافلة أخرى حاولت العبور من حمص إلا أنها اُحتجزت لأن المنطقة باتت تحت سيطرة المليشيات الإيرانية والقوات الروسية.
"مصير مجهول"
وتقول المنظمة إن هناك حوالي 650 شخصا من المتطوعين فيها ما زالوا عالقين في جنوب سوريا.
وحسب وكالة رويترز فإن المئات من المتطوعين بالخوذ البيضاء لا يستطيعون الانتقال خارج الأراضي السورية، رغم التهديدات التي يواجهونها حاليًا.
ورغم تلك الظروف، يقول خلف إنه وزملاءه لم يعودوا يشعرون بالخوف إذ اعتادوا على سريان الأمور بهذه الطريقة، مُضيفًا إلى أنهم لا يعلمون ماذا ينتظرهم، أو ماذا سيلقون إذا تمكن الأسد من السيطرة على إدلب، والتي قال إنها باتت هدفه الآن.
ويؤكد المتطوع الشاب أن المنظمة تواصل عملها في شمال سوريا، ولديها مُعدات وخطط طوارئ تكفي للاستجابة للعديد من المشكلات. ويقول: "نستأنف عملنا في الاستجابة للهجمات وتوثيق الجرائم التي تُرتكب".
فيديو قد يعجبك: