"الخوذ البيضاء".. رحلة بدأت من تركيا وانتهت بالهروب عبر إسرائيل
كتب - محمد الصباغ:
على مدار السنوات الأربع الماضية كانت منظمة الدفاع المدني السوري، والأكثر شهرة بـ"الخوذ البيضاء"، وراء مقاطع فيديو وصور لا تنتهي لما قالت إنها فظائع ترتكبها القوات الحكومية السورية برئاسة بشار الأسد.
"الأسد قصف مناطق شرقي دمشق بغاز الكلور المحرم دولياً"، و"الأسد استهدف المدنيين في الغوطة الشرقية بالكيماوي"، و"النظام يستهدف خان شيخون بالكيماوي".. عناوين تناقلتها وسائل الإعلام حول العالم خلال السنوات الماضية وقت احتدام المعارك بين المعارضة المسلحة والجيش السوري، كان مصدر هذه الأخبار مجموعة واحدة لا يزيد أفرادها عن 3900 شخصًا تقريبًا. هي منظمة الخوذ البيضاء التي لعبت دورًا كبيرا خلال الحرب الأهلية السورية، وطالتها اتهامات لا تنتهي وإشادات كبيرة أيضًا لدرجة حصول فيلم يروي "بطولات" أفرادها على جائزة الأوسكار عام 2017.
استطاعت دولة الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، إخراج حوالي 800 فردًا من "الخوذ البيضاء"، بجانب عائلاتهم بعدما استعاد الأسد أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
عملت الخوذ البيضاء في مناطق المعارضة والتي تتعرض للقصف من الطيران الحكومي أو الروسي. عملت في حلب الشرقية وكان أعضاؤها حاضرون في خان شيخون وقت الهجمات الكيماوية المزعومة، وكالوا الاتهامات للحكومة السورية باستهداف المدنيين بالأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الأحد، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو طلبا إجلاء أفراد من "الخوذ البيضاء" في سوريا، وأشارت شبكة "سي إن إن" الأمريكية إلى أن لقاء ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين سيكون من أهم محاوره مناقشة مصير "الخوذ البيضاء".
وطالما اتهمت الحكومة السورية المنظمة التي تعتبر نفسها تطوعية، بأنها إرهابية وتقوم بفبركة الهجمات واستخدام المدنيين كدروع بشرية، وأن أفرادها يعملون وفقًا لأغراض غربية تهدف إلى إسقاط الحكومة السورية، بجانب اعتبارها أيضًا جزء من جبهة النصرة الإرهابية.
وأعلنت كندا -اليوم الأحد- بعد خبر إجلاء المجموعة عن استضافة 250 من أعضاء "الخوذ البيضاء" وعائلاتهم، فيما أكدت المملكة الأردنية استضافة 422 من الأفراد وأسرهم.
البداية من تركيا
كانت "الخوذ البيضاء" تنشر صورًا عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لجثامين وضحايا لهجمات قالوا إنها للحكومة السورية في مناطق مختلفة للمعارضة المسلحة.
ونشرت المجموعة صورًا لأطفال في أقبية يعانون مما قالوا إنها آثار "هجمات كيماوية" نفذها الجيش السوري، ونشروا مقاطع فيديو كثيرة لآثار الدمار وعمليات الإنقاذ التي لا تخلو معاناة كبار السن والأطفال والنساء ، الذين ظهروا في مقاطع كثيرة والأتربة تغطي وجوههم بين الأنقاض.
وبحسب الموقع الرسمي لمجموعة "الخوذ البيضاء"، يعمل حالياً لديها حوالي 3922 متطوع وعامل إنقاذ من المجتمعات المحلية السورية، الذين "يغامرون بحياتهم" من أجل إنقاذ حياة الآخرين.
وأضاف أن المجموعة أنقذت حياة أكثر من 104 ألف شخص منذ تأسيسها في بدايات عام 2013. كما جاء في الموقع الخاص بالمجموعة أيضًا: "نحن منظمة حيادية وغير منحازة. ولا نتعهد بالولاء لأي حزب أو جماعة سياسية. نخدم كل الشعب السوري- فنحن من الشعب وللشعب".
لكن المجموعة لا تعمل إلا في المناطق التي يقطنها معارضو الحكومة المسلحين، وتبرز دائمًا ما تعتبره "وحشية" من جانب جيش الأسد والقوات التي تعاونه سواء إيرانية أم روسية أم شيعية.
البداية
وجاءت فكرة تأسيس المجموعة عبر رجل المخابرات البريطانية السابق "جيمس لي ميزوريه"، وبحسب حوار صحفي له نُشر في عام 2015 مع قناة الجزيرة القطرية المعروف توجهها المعارض للحكومة السورية، فقد بدأ الرجل في عام 2013 بتدريب المتطوعين ومعه رجال إنقاذ من تركيا، وأضاف بقوله: "كنا نعمل في إسطنبول.. وعملنا سوياً مع فرق إنقاذ متضرري الزلازل في تركيا. فلو كان بإمكانك إنقاذ شخص من أسفل مبنى انهار بفعل زلزال، يمكن فعل نفس الشئ مع أشخاص انهارت مبانيهم بسبب القصف".
ويرأس جماعة الخوذ البيضاء حالياً رائد صالح، وفي حوار له مع وكالة رويترز البريطانية في فبراير الماضي، تحدث بعد فوز فيلم وثائقي عن المجموعة بجائزة الأوسكار عام 2017.
وقال في الحوار الذي أجرته معه الوكالة في مدينة غازي عنتاب بتركيا، إن الرسالة التي كانوا يريدون نشرها من خلال الفيلم هي "أن نقول إن الناس في سوريا ليسوا إرهابيين ولكنهم أبطال قادرون على تحقيق السلام وأن هناك انتهاكات ترتكب ضد المدنيين في سوريا لابد من محاسبة المسؤولين عنها".
وانتشرت في سوريا خلال السنوات الماضية عدد كبير من المنظمات الإرهابية على رأسها تنظيم داعش وجبهة النصرة المحسوبة على القاعدة بجانب مجموعات مسلحة أخرى إسلامية سنية وشيعية تقاتلت فيما بعضها، لكن ظل تمركز "الخوذ البيضاء" في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة الإسلامية المسلحة مثل حلب الشرقية والغوطة الشرقية.
اتهامات بالإرهاب
الصورة البيضاء لأصحاب الخوذ –نسبة لألوانها على رؤوس المتطوعين- اختلفت تمامًا بالنسبة للحكومة السورية وروسيا. فتقريبًا كلما وقف المندوب السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري، للحديث عن الأوضاع في سوريا أمام مجلس الأمن كان يهاجم "الخوذ البيضاء" والحكومات التي تدعمها.
واتهمت دمشق المجموعة بالكذب والتعاون مع "المجموعات الإرهابية" المعارضة في الأراضي السورية، بجانب فبركة هجمات كيماوية من أجل إقناع الرأي العام العالمي بأن حكومة الأسد ورائها.
وفي يونيو الماضي، أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانًا هاجمت فيه "الخوذ البيضاء" بقوة، وقالت "لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية بتسخير هذا التنظيم لممارسة الإرهاب وخاصة الإرهاب الكيميائي بهدف تشويه صورة سوريا وإطالة أمد الحرب عليها حيث لم يعد خافيا أن ما تسمى الخوذ البيضاء هي الذراع الاساسي لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي وأن الإرهاب الذي مارسه هذا التنظيم قد أدى إلى مقتل الكثير من السوريين الأبرياء".
كما اتهم بشار الجعفري في إحدى جلسات الأمم المتحدة "بعض من المتهورين" بدفع العلاقات الدولية إلى "شفير الهاوية وذلك استنادا لشريط فيديو زائف أعدته مجموعة الخوذ البيضاء الإرهابية بتعليمات من أجهزة الاستخبارات الغربية". وذلك في أعقاب اتهامات للحكومة السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية في مدينة دوما.
واتهمت وزارة الدفاع الروسية، بريطانيا بالاسم بالعمل مع "الخوذ البيضاء" من أجل "فبركة" هجوم كيماوي مزيف في دوما بالغوطة الشرقية، وهو ما نفته بريطانيا.
الخروج عبر إسرائيل
بعد أشهر من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب عن استراتيجية جديدة في سوريا، والسعي نحو تقليل الأنفاق العسكري هناك من أجل توفيرها لمشروعاته الداخلية، تم إجلاء مئات العناصر من "الخوذ البيضاء" من سوريا.
وخرج المئات منهم اليوم الأحد بمساعدة إسرائيل إلى الأردن في انتظار ترحيل بعض منهم إلى كندا مع أسرهم.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، هذه هي المرة الأولى خلال الحرب السورية المستمرة منذ سبع سنوات التي تسمح فيها دولة الاحتلال للسوريين بالهروب عبر أراضيها.
واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن من تم السماح بخروجهم من سوريا إلى الأردن "أشخاص أنقذوا أرواح الناس وهم الآن في خطر يهدد حياتهم. لذلك سمحت بنقلهم عبر إسرائيل إلى دول أخرى، كإجراء إنساني مهم".
وكانت وكالة الأنباء الفرنسية أشارت في مايو الماضي إلى أن هناك تعليمات من البيت الأبيض إلى وزارة الخارجية الأمريكية بتجميد نحو 200 مليون دولار مخصصة "لإعادة الاستقرار" إلى سوريا. وأشارت التقارير إلى أن تلك الأموال كان من بينها مخصصات لمجموعة "الخوذ البيضاء".
جدير بالذكر أن "الخوذ البيضاء" لم تشر عبر موقعها الرسمي أو حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي إلى خطوة الإجلاء عبر إسرائيل أو خروج بعض من أفرادها بالأساس من سوريا إلى الأردن.
وكانت آخر تغريداتها حول المغادرين من المعارضة السورية المسلحة وأسرهم لمدينة القنيطرة جنوبي سوريا بعد سيطرة الحكومة عليها، والسماح للمعارضة ومن يريد معها بمغادرة المدينة بأسلحة خفيفة إلى وجهات في الشمال حيث تسيطر مجموعات مسلحة معارضة أخرى.
ولكن يبدو أن علامات البؤس بسبب "التهجير" التي نشرتها "الخوذ البيضاء" في صورها للمغادرين من القنيطرة، كانت تزامنها مشاعر أخرى لأفراد ارتدوا الخوذ البيضاء لسنوات خلال رحلتهم من سوريا إلى داخل الأراضي المحتلة ثم الاستقرار في الأردن مؤقتًا حتى يتضح مصيرهم سواء بالبقاء أو الخروج إلى كندا أو دول غربية أخرى طالما ساندت المجموعة.
فيديو قد يعجبك: