مقتدى الصدر.. العائد بشعار "لا إيران ولا أمريكا" في العراق
كتب – محمد الصباغ:
أصبح الزعيم العراقي مقتدى الصدر أول قائد من القادة الشيعة يهاجم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، فهو لا يريد النفوذ الأجنبي المتغلغل في العراق سواء من طهران أو من واشنطن.
وجاء فوز كتلة الصدر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بمثابة المفاجأة والضربة لإيران، والتي زادت من نفوذها في العراق خلال السنوات الأخيرة منذ الغزو الأمريكي والإطاحة بصدام حسين في عام 2003.
لمع نجم مقتدى الصدر بعد الغزو الأمريكية للعراق، وخاض معارك قوية ضد قوات الولايات المتحدة في عدد من المدن على رأسها النجف والكوت، وواصل نهجه المعادي للتدخل الأمريكي حتى الآن ورفض الدخول في حكومات عراقية سابقة بسبب عدم تحديد موعد بعينه لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.
وبحسب وكالة رويترز، فقد وصفه دبلوماسي غربي بأنه شخصية من الصعب جدًا "استشفافها"، وموقفه من إيران والولايات المتحدة ربما دليل على ذلك.
كما أن الصدر وسط الاستقطاب الكبير في المنطقة حاليًا بين معسكر إيران والمعسكر الآخر الذي تقف فيه السعودية والإمارات، زار الزعيم الشيعي في العام البلدين العربيين في علامة على محاولات تقارب قبل الانتخابات البرلمانية.
لكن رغم ذلك، تربطه بإيران علاقات قوية فهو ابن عائلة أفرزت مجموعة من كبار علماء المذهب الشيعي، وحينما صدرت مذكرة اعتقال بحقه في عام 2006 بسبب الأزمات الطائفية بالعراق آنذاك، اختار التوجه إلى إيران.
البداية
ولد مقتدى الصدر في 12 أغسطس عام 1973، أي يبلغ من العمر 44 عامًا، وهو زعيم التيار الصدري الشعبي في العراق. قاد أجنحة عسكرية تابعة للتيار مثل جيش المهدي ولواء اليوم الموعود وسرايا السلام.
هو نجل الزعيم الشيعي محمد صادق الصدر الذي طالما عارض الرئيس العراقي صدام حسين وحزب البعث الحاكم آنذاك. قاد انتفاضة قوية في العراق عام 1999 بعد مقتل والده.
بعد عدة أشهر من الغزو الأمريكي بات تصدر الزعيم الشيعي الصورة في العراق والتفت حوله غالبية الشيعة في وسط وجنوب العراق، أعلن حينها تشكيل جيش المهدي وبات الصدر هو المحرك الأبرز للجماهير في مظاهرات سلمية سرعان ما تحولت إلى صدام مسلح.
وفي عام 2004 صدرت بحقه مذكرة اعتقال لترتفع حدة القتال في مدن الصدر والنجف والكوفة وكربلاء ضد قوات الولايات المتحدة الأمريكية، ليخرج الرئيس جورج بوش آنذاك معلنًا أن مقتدى الصدر هو "عدو رسمي للولايات المتحدة".
واجه جيش المهدي بعد ذلك اتهامات بعمليات اختطاف وتعذيب خلال مواجهات طائفية ف العراق بلغت ذروتها في عامي 2006 و2007. وسافر آنذاك الصدر إلى إيران حتى لا يتم القبض عليه وقتله بعد تكريس المحاولات الأمريكية لذلك.
أمر الصدر بحل جيش المهدي في أغسطس عام 2008، بعد حملة عسكرية من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضده آنذاك.
العودة
لكن بعد فترة قصيرة تصالح الصدر والمالكي، وحصد الأخير ولاية ثانية بفضل الصدر في عام 2010، والتحق التيار الصدري بحكومة المالكي، وحصل على حقائب وزارية في ذلك العام.
لكنه عاد وانقلب عليه وعقب خروج مظاهرات في محافظة الأنبار غربي العراق ضد حكومة المالكي في 2013، طالب الصدر أنصاره بتأييد الاحتجاجات ما دامت سلمية.
ثم عاد الصدر مع بقوة بعد تراجع لسنوات ليتفوق في الانتخابات الأخيرة على منافسيه الشيعة الآخرين المدعومين من إيران. وفي أول انتخابات منذ هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في العراق جاءت في المركز الثاني كتلة هادي العامري رجل إيران القوي.
واعتبرت رويترز أن تقدم مقتدى الصدر، الانتخابات البرلمانية عودة مفاجئة الذي همشه منافسون تدعمهم إيران. وحل رئيس الوزراء حيدر العبادي في المركز الثالث رغم أنه خاض الانتخابات باعتباره المرشح الأوفر حظا.
مواقف إقليمية
زار الزعيم الشيعي في العام الماضي كل من السعودية والإمارات وسط توترات كبيرة في المنطقة بين البلدين مع إيران. وفي حوار مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية، وصف زعيم التيار الصدري، الرياض بأنها بمثابة "الأب"، وقال إن السعودية أثبتت قوتها وهي تعمل على إحلال السلام بالمنطقة.
كما أشار إلى ما اعتبره تطابق في الرؤى خلال لقائه في جدة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وقال الصدر إنهما ناقشا ملفات عدة من ملفات المنطقة بينها اليمن، والبحرين، وسوريا، والقدس، والعلاقات الإيرانية - السعودية، وكذلك علاقات بغداد بالرياض، مشيراً إلى أن الاجتماع اتسم بالصراحة بين الطرفين.
وبالانتقال إلى سوريا، طالب الصدر في تصريحات سابقة بتنحي الرئيس بشار الأسد من منصبه، معتبرًا أن ذلك يساهم في إحلال السلام في سوريا.
ودعا الصدر بشار إلى التنحي عن السلطة، ومنح الشعب السوري حق تقرير مصيره. وقال: "من الإنصاف أن يقدم الرئيس السوري بشار الأسد استقالته، وأن يتنحى عن الحكم حبًا بسوريا وليجنبها ويلات الحروب وسيطرة الإرهابيين، ويسلّم زمام الأمور لجهات شعبية نافذة تستطيع الوقوف ضدّ الإرهاب وإنقاذ الأراضي السورية بأسرع وقت، فيكون صاحب موقف تاريخي بطولي قبل أن يفوت الأوان".
لكنه في نفس الوقت هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد شن واشنطن هجمات ضد سوريا، ودعا إلى مظاهرات حاشدة بعد "العدوان الثلاثي" من دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا ضد سوريا في أبريل الماضي.
ومن المثير للجدل أن الصدر هو واحد من قادة شيعة عراقيين قلائل أبقوا مسافة بينهم وبين إيران، بحسب وكالة رويترز.
ودعا الحكومة العراقية العام الماضي إلى تفكيك قوات الحشد الشعبي، التي تدعمها إيران، والتي أدت دورا مهما في القتال ضد تنظيم داعش وتعتبرها الولايات المتحدة ودول أخرى أداة إيرانية في العراق.
وبتحالف غريب من نوعه جمعه بالقوى المدنية والعلمانية مثل الحزب الشيوعي خاض الصدر الانتخابات العراقية، في مرحلة قد تمثل نقلة جديدة في الحياة السياسية في العراق.
وذكرت كتلة الصدر في الانتخابات إنها ستسعى "لإبرام تحالفات للتصدي لأي تدخل إيراني في محاولة لتشكيل حكومة واستبعد إبرام اتفاقات مع العامري أو المالكي".
وجاء أيضًا عن التكتل الصدري "نحن لا نخفي تخوفنا من حدوث بعض التدخل من جانب قوى داخلية أو خارجية وإيران إحداها".
لكن هل يستطيع الصدر أن يلعب على الخيوط المختلفة ويواصل علاقاته مع الجميع في المنطقة رغم التوترات الكبيرة، هذا ما قد تسفر عنه المراحل المقبلة في العراق ومع ظهور المرشح الذي سيرضى عنه التيار الصدري من أجل منصب رئيس الوزراء.
فيديو قد يعجبك: