حرب الصور- كيف خدمت الفوتوغرافيا مواقف إسرائيل والفلسطينيين
برلين (دويتشه فيله)
تحولت المواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي على الحدود مع غزة إلى حرب صور تناقلتها وسائل الإعلام. وفي محاولة لكسب مناصرين لموقف كل طرف على حدة، لم تراع بعض الجهات الالتزام بأخلاقيات التعامل مع الصورة.
"آمِرة أكثر من الكتابة"؛ إنها الصورة حسب الفيلسوف الفرنسي رولان بارت. ويبدو أن هذا الوصف هو الأقرب تعبيرا عن الدور الذي تلعبه الصورة الفوتوغرافية في وقتنا الراهن. ولعل اعتماد الإعلام في شقه الكلاسيكي أو حتى الجديد، أي مواقع التواصل الاجتماعي، على هذه المادة الإعلامية والاقتصار عليها في بعض الأحيان، دون اللجوء إلى تعليق أو نص مرافق، مؤشر صريح على فاعليتها وقوتها التأثيرية في الرأي العام.
المتابع للمشهد السياسي قد يلاحظ الفرق بين الصور التي تداولها الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي والاختلاف بين محتوى ونوعية الصور لدى الجانبين. ففي الوقت الذي يحاول فيه مناصرو القضية الفلسطينية والإعلام الفلسطيني الدفاع عن موقفهم من خلال نشر صور تعبر عن الأوضاع التي يعيشونها في ظل الأزمة بين الجانبين، تلجأ إسرائيل إلى بث كل الصور التي قد تغنيها عن الكلمات للدفاع عن موقفها هي الأخرى.
إنها "حرب صور" إذن، يتراشق فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي كل حسب موقعه. لكن، كيف سخر كل جانب منهما هذه القوة للتأثير على الرأي العام؟ وكيف ساهمت الصورة في تأجيج الأزمة أو إخماد نيرانها؟ وهل راعى أحدهما أخلاقيات العمل الإعلامي في استخدام هذه الصور، أم تم تجاهلها؟
DW عربية، رصدت نماذج لصور المواجهة المفتوحة بين الجانبين، كما حاورت الخبير الإعلامي المغربي: عبد الوهاب الرامي، للإجابة على هذه الأسئلة.
صورة مقابل أخرى
صورة لجثة رضيعة ينعي بها الجانب الفلسطيني ضحاياه ويقدم للعلن حجم المأساة التي يعيشها شعبه. في المقابل، لقطة لشبان يقتحمون السياج الأمني جنوب قطاع غزة ويحاولون قطع أسلاكه دون مبرر، ويتناقلها المدافعون عن الجانب الإسرائيلي واحداً تلو الآخر، بهذه الطريقة يضع كل طرف نفسه في موقع "المظلوم" داخل دوامة الصراع التاريخي بينهما.
الصورتان ما هما إلا نموذجان لحرب اعلامية ساخنة بين الطرفين، سواء في الإعلام الرسمي أو حتى الجديد الذي انتقل إليه الصراع. لكن الملاحظ أنه، في كثير من الأوقات، تلجآ الصحف الفلسطينية وكذلك رواد "السوشيال ميديا" إلى عرض صور "دموية"، بغض النظر عن مكوناتها ودون الالتفات إلى محتواها. وهي التي وصفها الخبير الإعلامي؛ عبد الوهاب الرامي في تصريحه لـ DWعربية، بـ" المفجعة للأهالي، خاصة أن وسائل الإعلام الجديد تحقق لها انتشارا واسعا، وتستعيدها بسهولة من أجل نشرها ثانية".
وهنا يمكن الإشارة إلى دخول مسؤولين عن الجانبين في مواجهات على مواقع التواصل، حيث بدا واضحا أن المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعى، حريص على تقاسم صور داعمة لموقف بلده. وبهذا الخصوص، نشر أدرعى من خلال حسابه الرسمي على تويتر، مثلا، صورة لسيدة فلسطينية تحمل أحجارا بيدها، وعلق عليها: "المرأة الصالحة هي المرأة الّتي تشكل مثالًا أعلى لأبنائها، فتكون سببا في صلاحهم بهذه الدنيا، أمّا المرأة الّتي تستخدم العنف وتسمح بأن يتم استخدامها درعا بشريا للتغطية على أعمال إرهابية وخدمة لمصالح منظمات إرهابية فما هي إلا أساس لتخريب المجتمع متأثّرا بهذه القيَم الإرهابية".
قوة ضاغطة ومؤثرة
زمن العولمة وتكاثر مواقع التواصل الاجتماعي فيه، فتح أما الصورة أبوابا كثيرة، فلم تبقى حبيسة المحترِف وإنما صارت مصدرا من قبل الجميع. وبنفس الطريقة الإيجابية التي يمكن أن يفسرها أحدهم، يستطيع آخر الذهاب بها في الاتجاه السلبي. ولأننا تحدثنا عن صور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي تنتشر على نطاق واسع، يمكننا أن نتساءل عن إمكانية مساهمتها في تأجيج الأزمة من خلال إشعال الغضب لدى كل طرف، أو إيقافها له من خلال تنبيه الرأي العام الدولي لفداحة الوضع وبالتالي التحرك لاحتواء الأزمة.
"للصور التي تبدي فظاعة الحرب ومأساة الذين يعانون من بطش الاحتلال جانب إيجابي توعوي أساسه فضح الممارسات الهمجية"، هكذا يجيب الرامي عن التساؤل المطروح، مؤكدا عن الدور الفعال لهذه القوة التأثيرية، ويضيف: "إذ لولا هذه الصور لاسترسل القتل دون رادع، معنوي على الأقل، من طرف الرأي العام الدولي".
ولكن، ماذا عن أخلاقيات التعامل مع الصور؟
اعتماد صورة دون أخرى كواجهة للمقالات الصحفية لا يكون بمحض الصدفة، وإنما هو اختيار يأتي بعد بحث وتنقيب عن مشهد مناسب يحمل دلالات رمزية قد تختصر الكثير مما كُتِب. وفي غالب الأحيان يتدخل منطق الترويج وجذب المتلقي في قائمة العناصر التي تحاول بعض المؤسسات الإعلامية أخذها بعين الاعتبار، لكن هذا لا يعني تجاوز بعض الأخلاقيات التي يستدعيها تناول الصور في الأعمال الصحفية. وهنا يمكن الوقوف عند طبيعة الصور التي تناولها الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي، في مواجهتهما الأخيرة.
لا ينكر أحد أن صور التظاهرات وما صاحبها من عنف في غزة قد وصلت إلى كل أصقاع العالم، بل وأثرت بدرجة متفاوتة على الرأي العام الدولي، وهو ما ظهر في ردود الفعل الدولية التي طالب بتحقيق مستقل لمعرفة ما حدث يوم الاثنين الماضي حيث قتل نحو 60 فلسطينيا.
وفي حديثه عن مراعاة وسائل الإعلام العربية عامة لأخلاقيات المهنة في استخدامها للصور المتعلقة بأزمة غزة، قال الرامي: "إن الإعلام العربي خاصة لا يملك ثقافة توظيف الصورة الصحفية أو الصورة عامة، والتي يجب أن تخضع كما باقي المواد لمستلزمات أخلاقيات المهنة". وفي مقارنة يمكن استخراجها من تصريحه، أشار الخبير الإعلامي إلى الإعلام الغربي الذي يتحفظ عن إظهار صور ضحايا الهجومات التي يتعرض لها مواطنوها انطلاقا من مقولة "ضحايا دون صور" كقاعدة ترفعها بعض وسائل الإعلام الغربية إلى مقام الأخلاقيات التي لا يمكن تجاوزها، حسب تصريحه دائما.
فيديو قد يعجبك: