كيف تنقل روسيا مقاتلين سريين إلى سوريا بطائرات مدنية لمساعدة الأسد؟
كتب – محمد الصباغ:
تشارك روسيا الحكومة السورية في الحرب الأهلية التي تعصف بالدولة منذ عام 2011، تقصف طائرات روسية مناطق المعارضة المسلحة ويساعد جنودها بشار الأسد في حربه التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين.
ولكن مع الدعم الواضح والجنود الروس في سوريا بشكل رسمي، هناك عدد أكبر تساعد به موسكو دمشق ولكن يصلون إلى هناك بشكل غير رسمي "كالأشباح" ينتقلون من روسيا إلى سوريا على طائرات مدنية ليبدأوا القتال ضد التنظيمات المسلحة الأخرى.
وكشفت وكالة رويترز في تحقيق لها نشرته اليوم الأحد عن كيفية نقل هؤلاء المقاتلون من مطار جنوبي روسيا إلى مطارات دمشق واللاذقية الواقعين تحت سيطرة القوات الحكومية، وذلك عبر إيران والعراق في رحلات جوية لا تظهر على المواقع الإلكترونية للشركات المُسيّرة لهذه الطائرات.
في ركن المغادرة داخل مطار روستوف في جنوب روسيا؛ تقف مجموعة من 130 رجلًا يحمل أغلبهم حقائب عسكرية الهيئة. اصطفوا بالقرب من الشاشات بالمطار التي يظهر عليها مواعيد الرحلات الجوية ووجهاتها.
حينما سأل مراسل رويترز الرجال عن وجهتهم، قال أحدهم: "لقد وقّعنا على مجموعة من الأوراق. غير مسموح لنا بقول أي شيء؟ في أي لحظة سيأتي المسئول وسوف نكون في مشكلة. وأنت أيضًأ".
انتظرتهم طائرة مؤجرة من طراز إيرباص "A320" جاءت من العاصمة السورية دمشق، وعلى متنها حوالي 30 رجلًا تبدو آثار الشمس على وجوههم. كانوا عائدين من القتال مع روسيا ضد المعارضة المسلحة في سوريا.
كان الرجال عملاء تعاقد معهم الجيش الروسي من أجل القتال في سوريا ضد بشار الأسد في الحرب المستمرة منذ عام 2011.
وأضافت رويترز أن الطائرة من طراز "إيرباص" التي نقلتهم كانت من بين العشرات التي قامت بعملية النقل بشكل سري، وكانت تنتمي إلى شركات أوروبية وأمريكية، قبل أن يتم نقلهم عبر مجموعة من الشركات الوسيطة "أوف شور" إلى شركات في الشرق الأوسط لاستخدامها رغم تعرضها لعقوبات أمريكية.
الرحلات التي تغادر وتصل إلى روستوف، والتي لا يتم توثيقها، يتم تنظيمها بواسطة شركة "أجنحة الشام" وهي سورية على قائمة العقوبات الأمريكية منذ عام 2016 بسبب اتهامات بنقلها مقاتلين مناصرين للأسد إلى سوريا بجانب مساعدة المخابرات السورية في نقل الأسلحة والمعدات.
تكون هذه الرحلات السرية بمطار روستوف بشكل دائم في وقت متأخر من الليل، ولا تكون مدرجة على جداول الرحلات وتتوجه إلى مدينتي دمشق أو اللاذقية حيث تمتلك روسيا قواعد عسكرية هناك.
وبهذا الأمر تستطيع سوريا الاعتماد على المقاتلين من الحرس الثوري الإيراني وجماعة حزب الله وغيرهم في الحرب السورية.
راقب مراسلو رويترز الحركة في مطار روستوف، كما بحثوا في مواقع تتبع الرحلات الجوية وعقدوا عشرات الحوارات، بينهم لقاء مع جندي سابق بالاتحاد السوفيتي كان على القائمة السوداء للحكومة الأمريكية.
وتواصلت الوكالة البريطانية مع المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فنصحه بالتوجه بالحديث إلى وزارة الدفاع الروسية والتي رفضت الرد على استفسارات رويترز حول إرسال المقاتلين إلى سوريا. كما لم ترد أيضًا الحكومة السورية تساؤلات الوكالة حول الأمر.
بينما قالت شركة "أجنحة الشام" لرويترز إن البيانات حول وجهات الرحلات الجوية جميعها متاحة على موقعها الإلكتروني.
لا تظهر الرحلات إلى روستوف على قائمتها بالموقع. لكن الرحلات تظهر على مواقع تتبع الرحلات الجوية. ووجدت رويترز أن هناك رحلات جوية انطلقت من مطار روستوف إلى سوريا خلال الفترة من 5 يناير 2017 إلى 11 مارس 2018. في تلك المدة، قامت طائرات "أجنحة الشام" بواحد وخمسين رحلة جولية، وفي كل مرة استخدمت طائرات إيرباص "A320" التي يمكن ان تحمل إلى 180 راكبًا.
وبما ان مسألة الضحايا في العمليات العسكرية الروسية بالخارج حساسة في البلاد بعد ذكريات الحرب في الشيشان وأفغانستان، يشتبه أقارب وأصدقاء الرجال المتعاقد معهم من أجل القتال في سوريا في أن موسكو تستخدم المقاتلين السريين في سوريا حتى تتمكن من إيجاد أرض أوسع لها هناك، دون المخاطرة بوجود دائم للجنود الذين يمكن أن يتم محاسبتها داخليًا إذا لقوا مصرعهم.
وقًتل 44 جنديًا روسيًا في سوريا منذ بدء موسكو العملية العسكرية في سوريا في سبتمبر 2015، وفق إحصائيات روسية رسمية. بينما أحصت رويترز بحسب شهادات من عائلات وأصدقاء ومسئولين محليين أن على الأقل 40 مقاتل روسي تم التعاقد معهم بشكل سري قتلوا في سوريا في الفترة من يناير حتى أغسطس 2017 فقط.
وقًتل أحد هؤلاء المقاتلين الروس في سوريا خلال نفس فترة الرحلات الجوية من مطار روستوف بحسب ما ذكرته زوجته لرويترز. وأصدرت القنصلية الروسية في دمشق تقريرَا بالوفاة أكد أنه مات نتيجة إصابات بالرصاص والشظايا.
وتابع تقرير رويترز أنه لاستمرار الحملة العسكرية السورية ضد المعارضة المسلحة، كان لابد للأسد وحلفائه روسيا وإيران وحزب الله أن يجدوا سبيلًا للرحلات المدنية التي تنقل الجنود والعتاد. وحاولت واشنطن أن تمنع هذه السبل وذلك عبر فرض حظر على سوريا وإيران عبر وزارة الخزانة الأمريكية ووضعت شركات الطيران بهذه الدول على قائمتها السوداء.
وخلال السنوات الماضية تم تسجيل عشرات الطائرات في أوكرانيا ضمن شركتين باسم "خورس" المفروض عليها عقوبات أمريكية، وشركة "دارت"، لكن هذه الطائرات تم بيعها أو استئجارها فيما بعد لتعمل في شركات طيران إيرانية وسورية.
وبحسب رويترز فقد حصلت "خورس" و"دارت" على 84 طائرة قديمة "إيرباص" و"بوينج" أو استأجرتها عن طريق نقل الطائرات عبر كيانات لا تشملها العقوبات، وجرى استخدام ما لا يقل عن 40 طائرة في إيران وسوريا والعراق.
ونقلت رويترز عن يفجيني شاباييف، وهو زعيم محلي لمنظمة شبه عسكرية في روسيا، إن موسكو لديها ما بين 2000 و3000 مقاتل متعاقد في سوريا. وأضاف أنه في معركة واحدة في فبراير الماضي قتل أو جرح نحو 300 متعاقدًا.
وقال موظف في مطار روستوف لرويترز، إنه ساعد في إجراءات الصعود على متن رحلات جوية إلى سوريا، مشيرًا إلى اعتقاده أن المسافرين هم مقاتلون متعاقدون. وتابع أنهم كانوا يحملون حقائب عسكرية على الظهر ولا نساء بينهم.
ثم تحدث رويترز مع أرملتي مقاتلين تعاقدا على القتال في سوريا، إن المنظمة التي جندت زوجيهما حذرتهما من الحديث إلى وسائل الإعلام.
وأضافتا أن شهادتي الوفاة التي وصلتهما تشير إلى أن مكان الوفاة هو سوريا. وجاء بإحدى الشهادتين، أن سبب الوفاة هو "تفحم الجسد". بينما أشارت الثانية إلى أن المقاتل لقي مصرعه بعد إصابته بشظايا.
وقالت إحدى الأرامل أيضًا لرويترز إن زوجها كان يهاتفها، وشرح لها أن المقاتلين الروس المتعاقدين يكونون في الغالب في المناطق المشتعلة، ويكونون أول من يدخل المناطق بعد السيطرة عليها، ويتبعهم القوات الحكومية السورية التي ترفع العلم وتشير إلى أن النصر تحقق على يدها.
فيديو قد يعجبك: