إعلان

"اغتيال كروج".. كيف حاولت إسرائيل تدمير البرنامج الصاروخي المصري؟ (الحلقة الأولى)

02:19 م الخميس 19 أبريل 2018

الصاروخ القاهر

كتبت- سارة عرفة وهدى الشيمي:
كشفت مجلة نيوزويك تفاصيل خطة استخباراتية نفذتها إسرائيل في ستينيات القرن الماضي في محاولة لتدمير البرنامج الصاروخي المصري، وقال إن تل أبيب اعتمدت على الاغتيالات كأداة عسكرية لتحقيق أهدافها.

وأوضحت أن إسرائيل اغتالت عددا من العلماء الألمان لدورهم في تطوير منظومة الأسلحة المصرية في الستينيات.
وأعدت المجلة الامريكية تقريرًا مطولاً مستندا على مقتطفات من كتاب أصدرته مجلة "نيويورك تايمز"، بعنوان "انهض واقتل أولا: التاريخ السري لاغتيالات إسرائيل المستهدفة"، والذي كان الأكثر مبيعًا. والتقى مؤلف الكتاب برؤساء الوزراء الإسرائيليين، ورؤساء الموساد، وبعض من نفذ عمليات القتل، وحصل على آلاف الوثائق الجديدة ذات الصلة حول وكالات التجسس الإسرائيلية. وينشر "مصراوي: التقرير على 3 أجزاء.

وحسب المجلة، فإن شعور إسرائيل بالتهديد الدائم سيطر عليها بشكل واضح، في صباح 21 يوليو عام 1962، عندما استيقظت دولة الاحتلال على أسوأ كوابيسها عندما أفادت الصحف ووسائل الإعلام المصرية بنجاح تجارب إطلاق صواريخ أرض- أرض، وبعد يومين، عرض الجيش المصري الصواريخ في القاهرة، وشاهده حوالي 300 دبلوماسي أجنبي، وحضره الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر.

وتشير نيوزويك إلى أن عبدالناصر أعلن في ذلك الوقت أن الجيش المصري قادر على الهجوم على أية نقطة جنوب بيروت. وفي اليوم التالي، قال مذيع مصري باللغة العبرية من محطة الإذاعة بالقاهرة، إن هذه الصواريخ تهدف إلى فتح أبواب الحرية أمام العرب، واستعادة الوطن الذي سُرق كجزء من المؤامرات الإمبريالية (الاستعمارية)، والصهيونية.

وبعد عدة أسابيع، علمت إسرائيل أن عددًا من العلماء الألمان لعبوا دورًا أساسيًا في تطوير هذه الصواريخ، وكانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت قبل 17 عامًا، ومع ذلك لم ينس اليهود ما تعرضوا له من صدمات بسبب الهولوكوست، وشعروا أنهم يواجهون تهديدًا حقيقيا، حسب المجلة، كما أنهم كانوا يحملون كراهية شديدة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وقالت نيوزويك، إن اليهود تعاملوا مع تلك الأخبار كالتالي: "العلماء النازيون السابقون يساعدون عبدالناصر على بدء مشاريعه لإبادة اليهود". أما جهاز الموساد، الذي لم يقل شيئا لقادته السياسيين أو العسكريين، فكان على علم ببرنامج الصواريخ المصرية، قبل أيام قليلة من تنفيذ التجربة.

"شعور بالعجز"

2

يقول آشر بن ناتان، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، إنه شعر بالعجز بعد سماع تلك الأخبار، ولم يكن ذلك الشعور يسيطر عليه بمفرده، ولكنه كان شعور الإسرائيليين جميعًا، شعروا كما لو كانت السماء تسقط على رؤوسهم.

وسبق أن تحدث ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، مرارًا وتكرارًا عن الكابوس الذي أبقاه مستيقظًا طوال الليل، ودعا لإحضار يهود أوروبا الناجين من الهولوكوست إلى إسرائيل، من أجل مساندة بلادهم، ودعمها حتى لا تتعرض إلى محرقة ثانية، بحسب المجلة.

فيما اعتبر الموساد أن إعلان مصر نجاح برنامجها الصاروخي عام 1962 واحدة من أهم وأكثر الأحداث مأسوية في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية. وترتب على ذلك إعلان الموساد حالة التأهب القصوى للدفاع عن البلد، والتصدي للمصريين.

"تحركات إسرائيلية"

3

بدأ العاملون في الموساد اختراق سفارات وقنصليات دبلوماسية مصرية في عدة عواصم أوروبية، وتمكنوا من تجنيد موظف سويسري في مكتب شركة مصر للطيران في زيوريخ.

وعلمت إسرائيل أن اثنين من العلماء البارزين المعروفين دوليًا، يديران برنامج الصواريخ المصري، وهما يوجين سانجر، وولفجانج بيلز، واللذان لعبا دورًا بارزًا في تطوير مراكز بحثية خلال الحرب العالمية.

وتُشير المجلة الأمريكية إلى أن العلماء الألمان تقربوا من النظام المصري في عام 1959، بعد معاناتهم من الظروف التي آلت إليها الحياة في ألمانيا، واقترحوا على عبدالناصر تطوير برنامج مصر الصاروخي، فرحب الأخير بالفكرة.

"الخطوات الأولى للبرنامج الصاروخي"

5

أنشأ خليل نظامًا مُنفصلاً تماما عن باقي أجهزة الجيش المصري للعلماء الألمان، الذي زاروا مصر في أبريل 1960، وفي أواخر عام 1961، انتقل العالمان سانجر وبيلز إلى مصر، وعينا حوالي 35 خبيرا وفنيا ألمانيا ليكونوا ضمن فريقهم. وتم تجهيز المنشآت المصرية، وضمت مراكز اختبار، ومعامل، ومساكن فاخرة للعلماء، الذي حصلوا على رواتب جيدة، وتم تعيين بول جوركه وهاينز كروج، مديرين الإدارات.

ورغم معرفة الموساد بما يجرى بالتحديد في مصر، إلا أنه تلقى أخبارًا سيئة، ففي 16 أغسطس 1962، التقى ايسار هارئيل، رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي مع بن جوريون، ومنحه وثيقة عبارة عن رسالة كتبها العالم الألماني بيلز لمديري المشروع في مصر، تشمل قائمة بالمواد التي يجب الحصول عليها من أوروبا لتصنيع 900 صاروخ.

أثارت الوثيقة المخاوف بين الخبراء الإسرائيليين، حسب المجلة الأمريكية، التي أشارت إلى أن بن جوريون دعا إلى عقد اجتماع فوري مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع، ومن هنا جاءت فكرة اختطاف العلماء الألمان والقضاء عليهم.

"سنقضي عليك"

ومع نهاية أغسطس 1962، سافر هارئيل، رئيس الاستخبارات الإسرائيلي، إلى أوروبا للعمل على تنفيذ الخطة. تقول نيوزويك إنه بعد أسبوعين من المحاولات الفاشلة لاختطاف بيلز، قرر هارئيل التعامل مع كروج.

وفي 10 سبتمبر، ذهب رجل يُدعى صلاح قاهر إلى منزل كروج في ميونخ، وزعم أنه ضابط مصري وأن أحد المسئولين ينتظره في فندق تابع للسفارة في ميونخ، وقال له إن الأمر يتعلق بشيء قد يكون يجني من خلاله كروج ربحا كبيرا، وأنه من الصعب اطلاعه عليه، لأنها مسألة حساسة.

حسب المجلة فإن قاهر كان في حقيقة الأمر أحد عناصر الموساد، وأطلقت عليه المجلة اسم "عُديد" وقالت إنه ولد في العراق، وكان يعمل لحساب جهاز الاستخبارات الإسرائيلي هناك، وتلقى تعليمه في مدارس عادية في بغداد، مع المسلمين والعرب، ثم ترك البلاد عام 1949، قبل أن يُلقى القبض عليه.

وصل الاثنان، عديد وكروج، إلى المنزل الذي اعتقد العالم الألماني أن المسئول المصري ينتظره بداخله، فخرجا من السيارة، وفتحت لهم امرأة الباب الأمامي، وسمحت لهم بالدخول، ثم أغلقت الباب خلفهما.

وبقى عُديد كما المتفق عليه في الخارج، وكان 3 عملاء آخرين في انتظار العالم الألماني بالداخل، والذين فاجأوه بعدة ضربات، ثم كمموه وقيوده، ثم فحصه طبيب فرنسي يهودي كان مُجنّدا في الفريق، والذي وجد أن كروج مُصاب بصدمة بسيطة، لذلك رفض منحه أي مُهدئ للأعصاب، وفي تلك اللحظة قال له عميل بالموساد باللغة الألمانية "أنت سجين، افعل بالضبط ما نريده، أو سنقضي عليك".

وافق كروج على الانصياع لأوامرهم، حسب المجلة، ووضعوه في حجرة صغيرة بها سرير واحدة بُنيت في سيارة فولكس فاجن، وضمت كل أعضاء الفريق من ضمنهم هارئيل، وانطلقت السيارة إلى الحدود الفرنسية. ووصلوا إلى مدينة مرسيليا، وكان العالم الألماني مُخدرًا، وسرعان ما وضع على طائرة شركة "العال" الإسرائيلية التي تنقل مهاجرين يهود من شمال أفريقيا إلى إسرائيل.

"عملية الاختطاف"

4

وأخبر عناصر الموساد السلطات الفرنسية أن كروج أحد المهاجرين المرضى، وفي الوقت ذاته، تمكنت المخابرات الإسرائيلية من إرسال شخص يُشبه كروج ويحمل وثائق عليها اسمه إلى أمريكا الجنوبية، لتشتيت الانتباه، وبالتزامن مع ذلك، أعلن الإعلام الإسرائيلي أن العالم الألماني اختلف مع القادة المصريين، وعلى ما يبدو أنهم اختطفوه وقتلوه، ثم وضعوه في منشأة سرية في الموساد وتعرض للاستجواب القاسي.

في البداية ظل صامتًا ولكن بعد فترة قصير بدأ التحدث، وتعاون مع الموساد، ووفقا للتقارير الصادر عن الجهاز الإسرائيلي، فإن كروج أخبرهم بالكثير من التفاصيل والمعلومات بعد مرور أشهر، ووصل به الأمر إلى أنه اقترح العودة إلى ميونخ والعمل لصالح الموساد.

وفي النهاية، وبعد أن أطلع كروج المحققين بكل شيء يعرفه، لم يعلم الموساد ماذا يفعل به، ووجدوا أن اقتراحه بالعودة إلى ميونخ سيكون خطيرًا، لأنه قد يخدعهم، ويكشف عن كل شيء، ويُخبرهم بأن الإسرائيليين اختطفوه وعذبوه وأجبروه على البوح بكل الأسرار.

واختار هارئيل، رئيس المخابرات، الحل الأمثل، وأطلع عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، فأمر بنقله إلى منطقة صحراوية في تل أبيب وإطلاق النار عليه، وعندما ينتهي أمره، يُلقى في البحر.

تُشير نيوزويك إلى أن نجاح عملية كروج، اقنعت بن جوريون، رئيس الوزراء وقتذاك، بالموافقة على المزيد من عمليات الاغتيال، وسمح باستخدام وحدة 188، التابعة للمخابرات العسكرية، وهي جماعة سرية جندت الإسرائيليين داخل البلاد المعادية لإسرائيل، وهذا ما جعل هارئيل يرقص فرحًا، لاسيما وأنه يحاول اقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنقل هذه الوحدة إلى الموساد، ولكن الأخير كان يعارض الفكرة دائمًا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان