هجوم ترامب المرتقب على سوريا.. ما هي مواقف القوى الإقليمية؟
بون (ألمانيا) – (دويتشه فيله):
"الصواريخ قادمة.. إنها لطيفة وجديدة وذكية"، هكذا غرّد ترامب على تويتر ليعلن عن هجوم قريب على سوريا! تركيا وإسرائيل وإيران والسعودية.. قوى إقليمية تتباين رؤية كل منها في سوريا، كيف تنظر لهجوم أمريكي محتمل ضد نظام الأسد؟
يترقب العالم احتمال تنفيذ دونالد ترامب لتهديداته بجعل النظام السوري يدفع "ثمنا باهظا" جراء ما ترّدد عن هجوم كيماوي في مدينة دوما بالغوطة الشرقية.
ترامب أعلن أن الصواريخ الأمريكية قادمة إلى سوريا، وأن القرار سيُتخذ في أسرع وقت.
التهديدات اتخذتها المنظمة الأوروبية للسلامة الجوية على محمل الجد وحذرت الطائرات المدنية بضرورة توخي الحذر في شرق المتوسط، كما تتدارسها عدة قوى إقليمية ودولية، لدرجة أن هناك من تنبأ بإمكانية وقوع مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا.
ولحد اللحظة، لم تعلن أيّ قوة دولية، باستثناء الولايات المتحدة، مشاركتها في هجوم عسكري محتمل ضد نظام الأسد. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شدّد أن أيّ تدخل محتمل لباريس، خارج محاربة التنظيمات الإرهابية، سيركز على استهداف القدرات الكيميائية للنظام السوري، مشددا على ضرورة البدء بالعمل الديبلوماسي.
أما تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، فقد أكدت شجبها لاستخدام الأسلحة الكيمائية وضرورة محاسبة المسؤولين، لكنها لم تعلّق على مشاركة لندن في عمل عسكري جديد.
إلّا أن الدول الثلاثة اصطدمت بعزم روسيا على مساندة دمشق، إذ صرّح مسؤول روسي أن أيّ صواريخ تطلق على سوريا سيتم إسقاطها من قِبل الجيش الروسي، وأن الأخير سيهاجم حتى مصادر إطلاق الصواريخ، في إشارة إلى إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة.
وتتوقع كريستين هيلبرغ، صحفية ألمانية متخصصة في الشأن السوري، في تصريحات لـDW عربية، أن الهجوم العسكري الأمريكي سيكون محدوداً، وسيستهدف أهدافا عسكرية، بدعم من أطراف أخرى كبريطانيا وفرنسا.
وما يؤكد توقع محدودية الهجوم، أن بريطانيا وفرنسا لا تشاركان ترامب أهدافه الجديدة في سوريا، حسب تصريحات المتحدثة.
بدوره يرى سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين أبو ظبي، أن العمليات ستكون مؤقتة وموجهة لبعض المواقع العسكرية وأخرى يُفترض أنها مخصصة للكيماوي.
ويستبعد الصديقي، في حديثه لـDW عربية، أن تكون العمليات مشابهة لما جرى في حرب الخليج الثانية، إذ إن وقوف روسيا إلى جانب النظام السوري يجعل الغرب متخوفاً من الدخول في مواجهة سيكون لها ثمنا باهظاً.
بيدَ أن ما يواجهه ترامب حالياً من انتقادات كبيرة لأدائه السياسي، قد يدفعه لاتخاذ قرار متهور باستخدام قوة عسكرية مفرطة في سوريا وبالتالي احتكاك مباشر مع روسيا، للتغطية على الانتقادات بحقه، يتابع الصديقي.
أيّ موقف لإسرائيل؟
وبعيداً عن القوى الدولية، تعدّ مواقف القوى الإقليمية مهمة للغاية في سياق أيّ تدخل عسكري ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
يبدو موقف إسرائيل واضحا بأنها تساند ضربة دولية، فرغم أنها لم تعترف بذلك رسمياً، إلّا أن تصريحات مسؤولين إسرائيليين نقلتها وسائل إعلام محلية، تشير إلى أن تل أبيب كانت وراء قصف مطار التيفور العسكري في حمص، ساعات فقط بعد إعلان وقوع هجوم كيماوي مفترض في دوما.
وما يعزز هذا التأكيد أن واشنطن وباريس نفتا علاقتهما بهذا القصف، فضلاً عن اتهام لبنان لإسرائيل باستخدام أراضيه لمهاجمة المطار ، وهو ما تكرّر في السنوات القليلة الماضية.
غير أن تل أبيب تدرك أن أيّ مشاركة منها في تحالف ضد دمشق ستكون مغامرة غير محسوبة العواقب وفق ما يشير إليه سعيد الصديقي، الذي يرى أن إسرائيل، إذا اتخذت قرار المشاركة، فهي ستعمل على أن يكون ذلك بشكل محدود كي لا تثير حفيظة البلدان الإسلامية والعربية، وحتى لا توصف العملية العسكرية بأنها مؤامرة أمريكية-إسرائيلية، بل قد ترفض إسرائيل المشاركة في العملية برمتها.
تتفق كريستين هيلبرغ مع القول برغبة تل أبيب بالابتعاد عن المواجهة القادمة، لكن بمبرّرات أخرى: "إسرائيل غير مهتمة بالتورط في نزاع داخل سوريا. هي تعمل بشكل مستقل لحماية مصالحها الاستراتيجية عبر مواجهة الوجود الإيراني على حدودها أكثر من هدف إسقاط الأسد".
لكن لماذا إذن هاجمت إسرائيل قاعدة سورية قبل أيام؟ تجيب ضيفة DW أن تل أبيب استغلت الوقت المناسب لتنفيذ قصف جديد داخل سوريا، وتتعلّق المناسبة الجديدة بما تردّد عن هجوم كيماوي في دوما، والهدف دائما رفض الوجود الإيراني في سوريا، وهو ما يؤكده عدد القتلى الإيرانيين في القصف حسب قول هيلبرغ.
تركيا والموقف الصعب
دولة أخرى في المنطقة يظهر موقفها رماديا ألا وهي تركيا. أنقرة من جهة أدانت على لسان خارجيتها الهجوم الكيماوي المفترض في دوما، وقالت إنها تشتبه في مسؤولية النظام السوري، مطالبة باتخاذ خطوات لمعاقبة المسؤولين.
غير أنها في الجانب الآخر مُكبلة باتفاقها الأخير مع إيران وروسيا لتنسيق عملهم في سوريا بهدف تخفيض التوتر والعنف.
هذا وقد عاد الخلاف للظهور بين أنقرة وموسكو حول مدينة عفرين، ولمن سيتم تسليمها بعد تأكيد انتصار القوات التركية على المقاتلين الأكراد.
في الجانب الآخر توترت علاقة تركيا بالولايات المتحدة رغم عضويتهما في حلف الناتو بسبب اختلاف الرؤى على مستقبل سوريا، خاصة دور الأكراد في شمال غرب البلد.
في هذا السياق تقول كريتستين هيلبرغ إن أردوغان لا يُريد إزعاج حليفيه الجديدين، أي روحاني وبوتين، لذلك كان حذراً في تصريحاته الأخيرة، ولم يحدّد هوية المسؤولين عن الهجوم الكيماوي المفترض، فهو يحرص حاليا على تجنب أن يكون طرفا في أيّ هجوم ضد الأسد، تشير الصحفية.
إلّا أن سعيد الصديقي يشير أنه رغم التقارب التركي-الإيراني-الروسي، فأهدافهم داخل سوريا لا تزال متناقضة، ومن شأن أيّ تحسّن مرتقب للعلاقة بين تركيا والغرب أن يجعل الأولى تميل إلى التحالف الغربي ضد الأسد، لكن ميلها سيكون حذرا للغاية، خاصة وأنها تدرك أن العمليات العسكرية القادمة لن تغيّر موازين القوى في سوريا.
ويخلص الصديقي أن أنقرة توجد في موقف صعب للغاية، وقد تحاول البقاء على الحياد في العملية القادمة.
طهران والرياض .. الأهداف المتناقضة
توعدت طهران بالرد على الضربة التي استهدفت مطار التيفور، واعتبرت التهديدات الأمريكية الجديدة ذريعة للتدخل في سوريا. وقوف النظام الإيراني إلى جانب الأسد ليس سرا، لذلك فإن أيّ تدخل عسكري في سوريا سيأخذ بعين الاعتبار الوجود الإيراني.
لكن كريستين هيلبرغ ترى أنه في حال ما صدقت توقعاتها بهجوم أمريكي محدود في سوريا، فإن إيران لن ترد بشكل رسمي وستكتفي بالتنديد، أما إذا غامرت واشنطن بحملة أكبر تهدّد مصالح الأسد ومعها مصالح إيران، فحينها لن تقف طهران مكتوفة الأيدي. .
ويتفق سعيد الصديقي مع هذا الرأي، إذ يشير إلى أن أوراق إيران محدودة جدا، وأهمها التهديد بشنّ ضربات ضد إسرائيل، وهي لن تتسرع بالدخول في مواجهة مع الغرب تزيد من تعقيد أوضاعها الخارجية.
وعند الحديث عن الدور الإقليمي لإيران، لا يمكن إغفال السعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي التي تتفق جميعا، وإن بنسب متفاوتة، على العداء لإيران ولحليفها بشار الأسد، ممّا يجعلها شريكا محتملا لأيّ ضربة عسكرية قادمة ضد النظام السوري، وهو ما بدا جلياً في تصريح لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عندما قال من باريس إن بلاده لن تتأخر في المشاركة مع حلفائها ضد دمشق، إذا تطلب الأمر.
ويتوقع سعيد الصديقي أن تشارك السعودية، ولو بشكل محدود، في أيّ تحالف دولي ضد دمشق، خاصة عبر شنّ ضربات عسكرية لميليشيات تساند النظام، أكثر من استهداف قوات النظام نفسه.
لكن كريستين هيلبرغ تتوقع العكس، وتعتبر أن تصريحات بن سلمان سياسية بالأساس: "لا أظن أن القوى الدولية ستحتاج السعودية في التحالف المرتقب. الضربات العسكرية ضد الأسد ستنطلق من البحر المتوسط ولن تكون بحاجة إلى أيّ تدخل بري لجيران سوريا. صحيح أن السعودية قد تتدخل إذا تمددت الضربات بشكل يهدّد فعليا نظام الأسد، لكنه أمر مستبعد للغاية".
فيديو قد يعجبك: