إعلان

فورين بوليسي: الشرق الأوسط "مقبرة" السياسة الأمريكية

10:20 م الجمعة 23 مارس 2018

كتب - هشام عبد الخالق:

تحت عنوان "انتهى عصر براءة الشرق الأوسط"؛ نشر الكاتب الأمريكي جيمس تروب، مقالًا حول طبيعة العلاقات بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة، في مجلة "فورين بوليسي".

وشبه الكاتب في بداية مقاله، الشرق الأوسط بأنه مقبرة السياسة الخارجية الأمريكية المثالية، فخلال الجيل الأخير نشرت الولايات المتحدة كل سلاح في ترسانتها أملًا في إعادة تشكيل المتمردين حسب رؤيتها، والأكثر أهمية من ذلك، حاولت تشكيل المنطقة عن طريق تغيير الأنظمة، الترويج للديمقراطية، المساعدات الإنسانية للدول، خطابات حقوق الإنسان، والاعتراف بحق الدول في تقرير مصيرها.

وتساءل الكاتب، ماذا يجب على الولايات المتحدة أن تعرض مقابل مثل هذه الاستثمارات في البلاد؟ ولكن الأهم من ذلك هو ماذا سيعرض المواطنون العاديون الذين يتطلعون لتقرير مصيرهم بأيديهم في دول مثل مصر، البحرين، سوريا، ليبيا، والعراق؟

انتشر مؤخرًا في دول الشرق الأوسط الموت، والحبس، والاعتقال، وخاصة سوريا والعراق واليمن، وحتى الإحساس أن المستقبل مازال يحمل بين طيّاته شيئًا أفضل انتهى منذ زمن طويل.

وتابع الكاتب، اضطررتُ للتفكير في هذه "المقبرة" عندما قرأت مجموعة مقالات نشرتها خلية "القرن" للتفكير في أمريكا، حيث تدعونا عناوين تلك المقالات للأمام في حين أن محتوى المقالات نفسها غير ذلك وتجبرنا على العودة للوراء، ففي إحدى المجموعات البحثية، اعترفت خلية التفكير بانقراض أي أمل لاستعادة الأهداف الحقيقية للثورات التي انطلقت عام 2011.

ومن المثير للسخرية، بحسب الكاتب، أن التدخل الأمريكي في الأزمة التي تعيشها المنطقة كان يتمحور في البداية حول خلع الحكام الاستبداديين والسماح للديمقراطية بالازدهار في المنطقة، ولكن تحول هذا إلى دعوة استبدادية للسلام الآن، ولكن كل من الممكن فهم هذا الآن؛ حيث استطاع الديكتاتوريون توطيد حكمهم في أغلب منطقة الشرق الأوسط، وأسوأهم، المتمثل في الرئيس السوري بشار الأسد، قد يكون على بعد عدة أسابيع من السيطرة على ثلثي دولته وبهذا يستطيع فرض سيادته عليها، وأصبح العالم العربي غير ببعيد على العودة إلى الوضع السابق في أواخر القرن العشرين، ولكن مع توزيع مختلف للقادة لمقاييس القوى في المنطقة بين اللاعبين الرئيسيين، ولن يكون الخطر الأكبر الذي يواجه المنطقة قريبًا في حقوق الأفراد في الدول، ولكن في التنافس بين الدول وبعضها البعض.

ويقول الكاتب، عندما وصلت ثورات الربيع العربي إلى مصر في أواخر يناير 2011، انتظرت بفارغ الصبر أن ينحاز الرئيس الأمريكي - حينئذٍ - باراك أوباما، إلى جانب الشعب المصري، ويطالب الرئيس المصري حسني مبارك بالتنحي، وهو ما فعله في النهاية، وتعالت صيحات الفرح في ربوع مصر عندما وافق مبارك على التنحي فورًا، وبدا للناس أن الولايات المتحدة وضعت نفسها على الناحية الصحيحة من التاريخ في الشرق الأوسط، ولكن كان للتاريخ رأي آخر، حيث نصحت وزيرة خارجية أوباما، هيلاري كلينتون، نصحت رئيسها بدعم انتقال بطيء ومنظم للسلطة، والآن، بعد تنحي مبارك، من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يكون هذا أحدث فرقًا، ولكن شكوك كلينتون كانت مبررة.

وتساءل الكاتب، هل نستنتج من هذا؟، أن الولايات المتحدة كانت ستكون أفضل حالًا الآن إذا دعمت حلفاء ديمقراطيين في القرن الحادي والعشرين كما فعلت في القرن الماضي؟ بالتأكيد ستكون الإجابة عن هذا السؤال بـ "نعم"، حيث علمتنا كارثة العراق، بعد فوات الأوان، الحكمة من سياسة الاحتواء، كما أن ما حدث في ليبيا بعد التدخل الأمريكي علمنا أيضًا - مرة أخرى - عن العواقب غير المقصودة وغير المتوقعة التي تنتج من مغامرات سليمة النيّة.

ولكن، حسبما يتساءل الكاتب مرة أخرى، ماذا عن موقف أوباما من عدم إعطاء المعارضة السورية ما يحتاجونه من مساعدات، وتُركت سوريا وحيدة تتحول إلى كارثة أكبر من مثيلتها في العراق، لتثبت أن عواقب التقاعس عن العمل يمكن أن تكون خطيرة مثل عواقب العمل نفسه.

ولم يشجع التاريخ الحديث، بحسب الكاتب، على الاعتقاد بأن التاريخ ينحاز إلى جانب العدالة كما كرر أوباما عدة مرات، وعلى الرغم من ذلك أعتقد - والحديث للكاتب - أننا يجب علينا التصرف كما لو كان التاريخ إلى جانب العدالة، ولا أشعر بالندم أن أوباما طالب مبارك بالتنحي، وأتمنى لو كان ساعد المعارضة السورية في 2012، وهذا يذكرنا بأننا قد يكون في إمكاننا تغيير مصائر الأشخاص الذين يعيشون في الدول الظالمة ببعض التغييرات الطفيفة.

ويضيف الكاتب "أحد الأسباب التي تجعل الصراع مستوطنًا في المنطقة، هو أن الدول العربية لم تقبل ما يصفه هنري كيسنجر في كتابه "النظام العالمي" باعتباره المبدأ الأساسي لنظام ويستفاليا، وهي القدرة على السماح لكل دولة باتباع نظامها الداخلي الخاص، وهو ما وافق الأمراء البروتستانت والكاثوليك على القيام به في نهاية حرب الثلاثين عامًا".

وفي الشرق الأوسط، يواجه نظام شيعي بقيادة إيران - في كلًا من اليمن وسوريا - نظامًا سنيًا بقيادة المملكة العربية السعودية، وإذا كان السعوديون يرون أن الزعيم الإيراني آية الله خامنئي، باعتباره أدولف هتلر الجديد، حسبما صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبرنامج 60 دقيقة مع قناة CBS الأمريكية، فإن الأسوأ لم يأت بعد.

وصف بريان كاتوليس، خبير في شؤون الشرق الأوسط بمركز التقدم الأمريكي آفاق النظام الإقليمي الجديد بأنها "قاتمة، إذا كانت موجودة من الأساس"، ويوضح كاتوليس تفاصيل الدروس المستفادة من سبعة عقود من الجهود الفاشلة في صنع النظام بمنطقة الشرق الأوسط قائلًا: "المنافسة الجيوسياسية تتجاوز التعاون، ويمنع الخوف من السيطرة الجيوسياسية التعاون الأمني الإقليمي، وتخفي تعريفات التهديد المشتركة أولويات ومصالح مختلفة"، ويقترح كاتوليس على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات عملية، مثل منع حلفائها من ارتكاب أخطاء استراتيجية كارثية وخاطئة، مثل الحرب التي تشنها السعودية في اليمن.

ويختتم الكاتب مقاله قائلًا: "هذا سيتطلب تغييرًا عنيفًا في العقلية، وليس في دول الخليج فقط، بل في واشنطن أيضًا، وعلى الرغم من ذلك يجب أن نعرف شيئًا مهمًا، أن النظام لا يختلف عن السياسة، وإذا ذاقت الشعوب طعم الحرية والكرامة، لن تستطيع منعها عنهم للأبد".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان