فصول الاندماج لأطفال اللاجئين بألمانيا ـ فرصة لبناء مستقبل أفضل
برلين (دويتشه فيله)
في المدرسة الثانوية بيرتا فون سوتنتر يحضر الأطفال اللاجئون من سوريا وأفغانستان وأوروبا الشرقية فصولاً دراسية خاصة بالاندماج. وعلى الرغم من أصولهم المختلفة، إلا أن شيء واحد استطاع أن يجمعهم وهو الرغبة في مستقبل أفضل.
"أنا في ألمانيا منذ عامين، في الأول بدأت رحلة لجوئي سيراً على الأقدام، ثم اصطحبني شخص ما معه بالسيارة، ثم استقلت الحافلة وبعدها أكملت الطريق سيراً على الأقدام مرة أخرى، وبعد ذلك استقلت القطار مع صديق نحو ميونيخ ولم أكن أتكلم الألمانية على الإطلاق". هذه كانت محطات في رحلة لجوء عزيز أحمد نوري، والتي مر عليها عامان حتى الآن. في ذلك الوقت، كان عمر الشاب 15 ربيعاً فقط. وبدأ عزيز رحلته هذه من أفغانستان من دون والديه، و كانت في الواقع رحلة هروب من العنف، لكنها كانت رحلة ناجحة على ما يبدو.
ومثل حالة عزيز هناك العديد من الحالات في الفصل الدراسي للاندماج والخاص بالأطفال اللاجئين والمقدم من المدرسة الثانوية بيرتا فون سوتنتر، في مدينة أوبرهاوزن. وبعد تجربة اللجوء، الوحدة، وضرورة تدبير أموره لوحده، يعيش عزيز حالياً في مركز إيواء اللاجئين. فرصة الالتحاق بمدرسة ثانوية في ألمانيا، كانت بالنسبة له بمثابة ضربة حظ وكان هدفه هو الحصول على شهادة الثانوية.
بعد عامين أصبح عزيز يتحدث الألمانية مع وجود لكنة ولكن بشكل نحوي صحيح نوعاً ما. كما أظهر التلميذ إمكانات كبيرة في العلوم الطبيعية، وهو المجال الذي يحتاجه الاقتصاد الألماني، حيث أنه يتم البحث باستمرار عن المهندسين. وفي أولمبياد الرياضيات والعلوم لهذه السنة، حقق التلاميذ من فصل الاندماج المركز الثاني.
برامج الاندماج.. تقليد عريق في المدرسة
برامج الاندماج هي تقليد عريق في المدرسة الثانوية بيرتا فون سوتنتر، حيث حافظت المدرسة على برامج الاندماج للأطفال المهاجرين واللاجئين منذ ثمانينات القرن الماضي. أطفال من أوروبا الشرقية، وأطفال لاجئون من سريلانكا فروا من الحرب الأهلية، وتلاميذ فروا من صراع البلقان: ولم يكن هناك أبداً "نقص" في العمل بالنسبة لمعلمي المدرسة. ويقول نائب مدير المدرسة شتيفان شوبيرت: "لقد جعلنا استقبال الأطفال من بلدان أخرى، ضمن برامجنا التعليمية. وكان هذا دائماً الواجب، الذي أردنا القيام به".
ويشرف على برامج فصول الاندماج المقدمة من المدرسة الثانوية، مركز الاندماج البلدي (KI) في المدينة. "نختار الأطفال دائمًا بالتعاون مع مركز الاندماج البلدي حتى يتسنى لنا اكتشاف إن كان تعليم الأطفال في بلدانهم الأصلية يؤهلهم بالفعل إلى الالتحاق أيضاً بالمدارس الثانوية هنا في ألمانيا. وسار برنامج الفصول الدراسية للاندماج بشكل جيد، حيث يحصل في كل عام دراسي تلاميذ من برامج فصول الاندماج على الشهادة الثانوية". غير أنه لا يحصل جميع التلاميذ على الشهادة الثانوية. ويقول شوبرت "يلتحق البعض بالكليات المهنية وهناك يحصلون على شهادة الثانوية الفنية".
تعليم اللغة في مقدمة الاهتمامات
الدروس التي يلتحق بها التلاميذ اللاجئون، والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً، تلقن بطريقة مختلفة قليلاً عن الفصول الدراسية العادية. حيث يأتي تعليم المهارات اللغوية في المقدمة، ولكن يتم أيضاً تدريس المواد الأخرى. ويقول شوبرت: "يجب أن يكون بإمكانهم مقارنة أنفسهم مع التلاميذ العاديين. لهذا يدرس في الفصل أيضاً على سبيل المثال مدرس الجغرافيا أو التاريخ أو الفيزياء".
العديد من البلدان واللغات والظروف التعليمية المختلفة تجعل المعلم يلجأ أحياناً إلى الارتجال. وعن هذه النقطة يقول شتيفان شوبرت: "أحيانًا ما يتم ذلك باستخدام اليدين والقدمين، ويترجم التلاميذ المتحدثون بنفس اللغة لزملاء الدراسة، لكن في بعض الأحيان لا ينجح ذلك". ولا يكون ذلك سهلاً دائماً على المدرسين، ويضيف شوبرت: "يحتاج المدرسون إلى إعادة التفكير، فهم معلمون وفي أحيان كثيرة مرشدون اجتماعيون. وقد يحدث أن يكون لديهم 19 تلميذاً ليسوا على مستوى تعليمي واحد، وكذلك من مستويات لغوية مختلفة وخلفيات وتجارب مؤلمة. وهذه هي وظيفة المدرسين".
وبعد مرور بعض الوقت، عندما تصبح إمكانياتهم اللغوية صحيحة، يتم دمج الأطفال أولاً في الفصول الدراسية العادية لبعض المواد، قبل أن يتحولوا بشكل كامل إلى الفصول العادية. يحضر البعض فصل الجغرافيا، والبعض الآخر فصل التاريخ، ويلتحق بعضهم الآخر بالفصول الدراسية العادية والخاصة في تعليم اللغة الإنجليزية أو العلوم الطبيعية.
الاختلافات في نظام التعليم
روكسر باباج، فتاة لاجئة من أفغانستان التحقت بفصل الاندماج وترى وجود اختلافات في التدريس بين بلدها وألمانيا. وتقول الفتاة البالغة من العمر 17 عاماً: "في أفغانستان كان المعلم يدرس دائماً ما يوجد في الكتاب فقط، وفقًا لمبادئ توجيهية واضحة، حيث يقرر المعلم بنفسه ما يجب فعله".
وعلى غرار الجميع ، تريد ساندا ياكوب من مولدافيا استغلال فرصتها في ألمانيا، وذلك بالحصول على شهادة الثانوية، ومن ثم مواصلة مشوراها. ربما تنتقل العائلة إلى بلد آخر، لكن هذا ليس واضحاً بعد. وتقدم هذه الفتاة البالغة من العمر 16 عاماً المساعدة لمعلميها. إذ غالباً ما تقوم بالترجمة عن زملائها الرومانيين، حيث أن الرومانية هي اللغة الرسمية في مولدافيا.
غير أن تواصلها، خاصة مع التلاميذ من سوريا وأفغانستان، ترك لديها صدمة كبيرة، كما تقول: "عندما سمعت أنهم وصلوا سيراً على الأقدام وكل ما تعرضوا له. في مولدافيا لم يكن لي أي تواصل مع المسلمين حتى اللحظة لأن الغالبية هناك من الديانة المسيحية الأرثوذكسية".
تكثيف التواصل بين التلاميذ
بالرغم من الرعاية الجيدة، التي يتلقاها التلاميذ، إلا أنهم يفتقدون إلى التواصل أكثر مع زملائهم في الصف. ويقول التلميذ عزيز: "ليس لدينا أي تواصل مع بعضنا البعض، نرى بعضنا البعض في ساحة المدرسة، وهذا كل شيء". على الرغم من أنه يتحدث عن الحياة في أفغانستان، ويشرح سير الأمور في بلاده. ولكنه يفعل ذلك نادراً.
ويتواصل بعض التلاميذ مع بعضهم البعض خارج المدرسة مثل محمد من سوريا والذي يقول: "ألعب كرة القدم في النادي، لذلك لديّ تواصل مع تلاميذ آخرين". وهذا ما يريد مدير المدرسة شتيفان شوبرت وضعه ضمن خطة البرنامج. "يتعين على المرء النظر في جعل المراهقين على تواصل مع بعضهم البعض، وتنظيم بطولات رياضية أو ما شابه ذلك". مهمة أخرى تتجاوز في الواقع العمل العادي للمدرس.
الخوف من العودة إلى أفغانستان
ويرغب جميع التلاميذ تقريبًا في البقاء في ألمانيا والحصول على شهادة الثانوية، والدراسة في الجامعة أو القيام بالتدريب المهني وبناء حياتهم. خاصة لدى الشباب الأفغاني، هناك تخوف كبير عند معالجة ألمانيا لخطط الإعادة إلى الوطن. "لقد جئت إلى ألمانيا من أجل بناء مستقبل أفضل. إنهم يدمرون مستقبلي، إنه ظلم كبير، الجميع يعرف أن أفغانستان ليست بلداً آمناً بسبب الحرب. يومياً تتحدث تقارير عن سقوط 100 قتيل في الهجمات "، يقول عزيز ويلزم الصمت من جديد.
فيديو قد يعجبك: