إعلان

فريد زكريا: الديمقراطيات تتراجع.. وأمريكا ليست محصنة

01:18 م السبت 24 فبراير 2018

كتب - هشام عبد الخالق:

"الديمقراطية تفسد في جميع أرجاء العالم.. وأمريكا ليست الاستثناء"، تحت هذا العنوان كتب الصحفي والمؤلف فريد زكريا مقالًا في صحيفة واشنطن بوست، سلّط فيه الضوء على تدهور الديمقراطيات حول العالم، وكيف أن الولايات المتحدة ليست بمنأى عن هذا.

وقال زكريا في بداية مقاله: "نشرت وحدة الاستخبارات التابعة لمجلة الإيكونوميست البريطانية، منذ عدة أسابيع، النسخة العاشرة من مؤشر الديمقراطية، وهو ترتيب للدول يتكون من 60 مرتبةً في 5 فئات متنوعة، تتنوع من العمليات الانتخابية حتى الحريات المدنية، وفشلت الولايات المتحدة للعام الثاني على التوالي في أن تكون ضمن الفئة الأولى والمصنفة تحت "الديمقراطية الكاملة"، ليكون محلها الفئة الثانية "الديمقراطية المعيبة".

وتابع زكريا، سوف يكون من السهل التركيز على ديمقراطية الولايات المتحدة تحت عهد الرئيس دونالد ترامب، ولكن العامل الأكثر مدعاة للقلق هنا هو أن تدهور ترتيب الولايات المتحدة هو توجّه عالمي، ففي تقرير هذا العام، انخفضت معدلات أكثر من نصف دول العالم.

ويبدو أن ما وصفه أستاذ جامعة ستانفورد لاري دايموند، منذ 10 سنوات، بأنه "ركود ديمقراطي"، لن ينتهي قريبًا، ويُمكن رؤية طبيعة هذا الركود في أفضل حالاته بالنظر إلى الصحافة حول العالم.

وضرب زكريا مثالًا بكينيا، وقال: "تلك الدولة الأفريقية التي كانت حتى وقت قريب إحدى أبرز الديمقراطيات في القارة السمراء، ولكن الشهر الماضي أمر الرئيس أوهورو كينياتا، التلفاز الرسمي في الدولة بعدم تغطية إحدى مؤتمرات المعارضة، وعندما رفضت القنوات الرسمية هذا، قطع عنهم البث، وتتجاهل الحكومة أمرًا قضائيًا سمح لتلك القنوات باستئناف البث".

ويبدو أن انتهاكات كينيا للصحافة الحرة يُمكن مقارنتها بتلك الواقعة في تركيا، والتي تُعرف حاليًا بأنها "أكثر الدول حبسًا للصحفيين"، حسب تقرير لجنة حماية الصحفيين، وهذا يعني أنها قامت بحبس صحفيين أكثر من أي دولة أخرى في العالم، كما أنها كانت تستهدف الإعلام بطرق أخرى تحتمي فيها بأضعف مواد القانون، مثل فرض ضرائب باهظة على إحدى المنظمات الإعلامية الحيوية في البلاد، ولكن كل هذا تغير بعد الانقلاب الفاشل في 2016، فبعد عام أظهر تقرير للأمم المتحدة، أنه تم إغلاق ما لا يقل عن 177 مؤسسة إعلامية.

وأضاف زكريا، من الممكن وضع كل هذه القصص جانبًا إذا نظرنا لحقيقة أن الديمقراطية في المجتمعات النامية تتراجع بشكل لا مفر منه، ولكن الأمر مختلف إذا نظرنا إلى المجر وبولندا، وهما دولتان اعتنقتا الديمقراطية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

في المجر، استخدمت إدارة فيكتور أوربان رئيس الوزراء، سلسلة من التكتيكات الذكية لكتم حرية الصحافة، حيث سيطرت الحكومة على البث العام، وممارسة الضغط على وسائل الإعلام ووضع قيادات تابعة للحزب في المناصب الرئيسية، ودفعت الكثير من الأموال مقابل الإعلانات في وسائل الإعلام الصديقة، في نفس الوقت الذي قطعت فيه أموال الإعلانات عن وسائل الإعلام الناقدة.

بعد تلك المضايقات والتخويفات التي قامت بها إدارة أوربان ضد وسائل الإعلام المستقلة، وشراء رجال الأعمال المقربون من الحكومة لشركات الإعلام لضمن أن تحصل الحكومة على التغطية التي يرونها، يتم استخدام عديد من هذه التكتيكات في بولندا الآن، والتي كانت الطفل المدلل للاتحاد السوفيتي ومازال حتى الآن حتى بعد سقوط الشيوعية.

وحتى في الديمقراطيات التي مضى على تأسيسها وقت طويل، مثل إسرائيل والهند، نشهد حاليًا جهودًا مُضنية لتقليل الحريات المُعطاة لوسائل الإعلام المستقلة التي تنتقد الحكومة، ففي إسرائيل، ادّعاءات الفساد التي يواجهها وينكرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يتم تغطيتها في وسائل الإعلام من قِبل بعض البارونات الذين يمثلون نُخبة أصدقاء نتنياهو وذلك لضمان أن يحصل على تغطية إعلامية مُفضلة، وأيضًا جهود نتنياهو في إضعاف وسائل الإعلام العامة جعلته يحصل على إدانات حتى من قِبل سياسيي اليمين.

في الهند، أطلقت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي قضية غسيل أموال واحتيال مشكوك في صحتها ضد شبكة "NDTV" الناقدة لسياسات الحكومة، ومؤخرًا تم إحالة أحد الصحفيين الذي كشف ضعفًا محرجًا في قاعدة بيانات حكومية، إلى الشرطة، بدلًا من أن يتم الإشادة به كأحد المُبلغين.

ويقول الكاتب: "حذرتُ في مقال بالشؤون الخارجية منذ عشرين عامًا، من أن المشكلة التي تواجه العالم هي "الديمقراطية غير الليبرالية"، وتعني الحكومات المنتخبة التي أساءت استخدام قوتها وتقييدها للحريات، وكنت أقلق كثيرًا من أن تتجه أمريكا إلى هذا الطريق، ولكن أنكر الكثيرون هذا، لأن - كما قالوا حينها - الديمقراطية الأمريكية قوية، مع إمكانية صمودها أمام أي عاصفة".

وتابع زكريا، حرية الإعلام مكفولة للأمريكيين تحت التعديل الأول، ولكن إذا نظرت إلى حالتي بولندا والمجر، نجد أن كلًا منهما تمتعتا بدستور قوي، وأيضًا هما عضوتان في الاتحاد الأوروبي الذي تحكمه اللوائح والقوانين، ولديه حماية دستورية صريحة لحرية الصحافة.

ويضيف زكريا، بعد عام واحد في المكتب فقط، ترامب استطاع التأثير بشكل سلبيّ على الإعلام، فبالإضافة إلى تشويه وسائل الإعلام الهامة ومدح الودية منها، هدد ترامب أيضًا بتعزيز قوانين التشهير، وسحب تراخيص الشبكات وفرض ضرائب على صاحب إحدى الصحف المعينة، وعرقلت إدارته اندماج منظمة إخبارية يعتبرها منحازة، مع تسهيل اندماج منظمة إخبارية أخرى يرى تغطيتها أكثر ملاءمة.

ويختتم زكريا مقاله باقتباس من مقولة الفيلسوف رالف والدو إمرسون، والتي يقول فيها: "المجتمع هو ظل رجل واحد ولكن بشكل أكبر"، فالمجتمعات هي مجموعة من القوانين والأعراف التي وافق عليها البشر، وإذا هاجم القادة وهددوا تلك القوانين، فسوف يضعفهم هذا، مما يؤدي بالتبعية إلى إضعاف جوهر الديمقراطية، وإذا كان المجتمع الأمريكي أقوى من معظم المجتمعات الأخرى، إلا أنه ليس محصنًا ضد تلك الهجمات التي تستهدف ديمقراطيته.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان