الشباب في انتخابات العراق.. آمال بكسر حلقة الطائفة والقومية؟
برلين (دويتشه فيله)
يملك شباب العراق الذين كبروا في ظل قيم الديمقراطية رؤى عصر العولمة، لذا يتطلعون الى نوع خاص من المشاركة السياسية، فيما يبدو أنّ المشاريع الانتخابية لا تضعهم في أولوياتها، بل تعدهم جزءا من المكونات الكبرى سيتبع خياراتها.
تنهمك القوى السياسية العراقية في حشد الأصوات، وعرض المشاريع وبذل الوعود الانتخابية، فيما بات طقساً يعيشه البلد مرة كل أربع سنوات. لكنّ أغلب القوى، تعتبر أصوات الشباب من حصتها كتحصيل حاصل نظراً لانتماء الشباب غالباً بوصفهم تلامذة أو طلبة أو شبان عاملين إلى أحد مكونات المشهد، فيُفترض أنّ الكردي سينتخب مرشحاً كردياً، وكذلك السني، والشيعي. أما ضمن المكونات الأصغر (المسيحيون، المندائيون، الأيزيديون، الشبك، التركمان) فتذهب أصوات الشباب بلا عناء إلى مرشحي المكونات، هذه فرضية تتبناها القوى والمكونات دون جدل.
والرأي السائد لدى الجميع أنّ للشباب بالتأكيد دوراً حاسماً في الانتخابات، لاسيما وأنّ العراق مصنّف ضمن الدول التي يشكل الشباب أغلب سكانها. في هذا السياق أكد الصحفي والإعلامي باسم الشرع في حديثه مع DW عربية أنّ أغلب الأحزاب تعد وتطرح مشاريع للشباب ضمن برامجها الانتخابية، لكنّ "المشكلة تكمن في أن من يتولى قضايا الشباب في حزب أو تحالف معين، هو زوج ابنة "فلان" الزعيم السياسي المعروف الذي يترأس التحالف" في إشارة إلى المحسوبية التي تسيء لمجمل العمل السياسي.
"الأحزاب القائمة مهتمة بالشباب لأغراض الدعاية الانتخابية"
يعترض الشباب على فرضية أن تبقى تصورات الأحزاب عن دورهم في مرحلة ما بعد "داعش"، وتراجع المد الطائفي في العراق على هذه الشاكلة، وهو ما ذهب إليه الناشط صقر آل زكريا في حديثه مع DW عربية مبيناً أنّ الأحزاب القائمة وخاصة الكبيرة منها "مهتمة بالشباب ولكن بطريقة استغلالية ولأغراض الدعاية الانتخابية، والدليل على ذلك أنّ ائتلاف دولة القانون شكل قائمة "البشائر" للشباب، وهناك حزب "اليوم شباب"، لكن الشباب هنا مستمعون مثلما يجلسونهم في مؤتمراتهم العامة للأسف".
واتفق مع هذا التوجه الصحفي والإعلامي العراقي باسم الشرع، مضيفاً أنّ بعض الأحزاب ومنها تيار الحكمة، والحزب الشيوعي العراقي تمنح مساحة هامة من برامجها للشباب ومصالحهم.
وتنوعت تعليقات زوار صفحة فيسبوك على سؤالنا في صفحة DW عربية، وقد بدا البعض يائساً من العملية السياسية ويائساً من إمكانية الإصلاح، ومنهم "حيدر دولار" الذي علّق بالقول: "والله بكل صراحة أتمنى الحكومة العراقية أن تُبدل من الأساس ويكون الحكم في يد علماني مبعدين الدين عن السياسة".
وفيما تشكل القبائل والأحزاب الدينية جلّ الطيف السياسي، يرى بعض الشباب ضرورة استبعاد الأحزاب الدينية والقبائل عن العملية الديمقراطية، وفي نفس السياق علّق عمر الشرق على فيسبوك بالقول: "سؤال مضحك.. إذا اردنا أن نبني وطناً، فأول شيء هو إبعاد أهل العمائم البيض والسود.. وإبعاد العشائر والقبائل.. عندها سيكون الشعب عباره عن مواطن عادي يختار وينتخب الذي يراه مناسباً".
كيف ينظر جيل عصر العولمة إلى الانتخابات؟
في الجانب الآخر، لابد للمراقب أن يسأل كيف يفكر الشباب أنفسهم بدورهم في الانتخابات، وخاصة الجيل الذي كبر خلال الألفية الثالثة وسط وسائل عصر العولمة وعالم الرقميات ووسائل التواصل الاجتماعي التي عرفها العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 الذي كان يحرّم كل هذه الوسائل ويحظرها على العراقيين.
هذا الجيل الذي تصله المعلومة دون رقابة أو حجب قد لا تتفق تطلعاته السياسية مع مشهد ديمقراطي تتداخل مع ألوانه رايات الأحزاب الدينية والقومية، وتخرّبه هجمات إرهابية وصلت لحد احتلال مساحة كبيرة من العراق.
هؤلاء الشباب، يهتمون بعالم ملوّن تنيره أضواء المولات الفخمة المنتشرة في العاصمة بغداد ومحافظات البصرة ودهوك وأربيل والسليمانية، فيما تغيب عن أحياء بيوتهم الأضواء بسبب نقص حاد مزمن في التيار الكهربائي أورثه الفساد الإداري الشاسع الذي يكتسح كل مناحي الحياة، لذا فهم ينتظرون أن يجدوا من يجسد تطلعاتهم بحزب أو حركة تضمهم.
وهكذا علّق أحمد الكناني على فيسبوك بالقول "مشكله العراق ليست الانتخابات أو لأي شخص سوف تعطي صوتك! المشكلة حسب رأيي هي الفساد الإداري والمالي والقانوني وعليه يجب سن القوانين لمعالجة هذه المشاكل ومن ثم تقويه الجهاز الحكومي على تنفيذ القوانين!".
"نحتاج إلى وعي وثقافة سياسية بسيطة لننجز حزب القراصنة الخاص بنا"
وعلى سبيل المقارنة ففي ألمانيا - وهي بلد الديمقراطية - التي تهتم كل أحزابها بالشباب، نزع جيل عصر العولمة إلى إنشاء حزبهم الذي تمثل الإلكترونيات وعالم السايبر محور اهتمامه السياسي والحياتي الأول، وهكذا ظهر "حزب القراصنة" الذي تنامت شعبيته منذ 2011.
وبات هذا الحزب الأكثر تمثيلاً لشباب كبروا في عصر العولمة، وهكذا فأنّ شباب العراق الذي عرف عصر العولمة منذ بداية الألفية الثالثة قد يبحث عن مثل هذا الحزب، لكنّ الناشط آل زكريا لفت النظر إلى أنّ العراق قد خرج تواً من حرب ضروس ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، ليدخل فوراً دوامة الانتخابات. أما الجانب الإيجابي في الموضوع حسب رأيه، فهو عودة مناطق كانت خاضعة لقوانين "الدولة الإسلامية" التعسفية إلى رحاب الديمقراطية وهكذا "في الموصل مثلاً، أسس قبل أسبوع ملتقى شباب نينوى السياسي، وضم شباباً من مختلف الأطياف".
واعتبر آل زكريا أنّ الوضع في ألمانيا يختلف حتماً عنه في العراق، مشيراً إلى أنّ "الشباب يدخلون تابعين في القوائم الانتخابية اليوم، لكن في انتخابات 2022 سيكون لهم أحزابهم التي تمثلهم" في إشارة إلى أنّ المشهد سيكون أكثر نضجاً في العام المذكور. ووجه الناشط اللوم إلى الواعين في شريحة الشباب أنفسهم، لأنهم انشغلوا عن توعية الآخرين بسبب "نفورهم عن السياسة الناتج عن الطبقة الحاكمة. نحن نحتاج إلى وعي وثقافة سياسية بسيطة، لننجز حزب القراصنة الخاص بنا"، حسب تعبيره.
دعوات مقاطعة الانتخابات أسوأ الحلول!
كثير من الشباب وغير الشباب باتوا يرون الحل في خيار مقاطعة الانتخابات والامتناع عن منح أصواتهم، ناسين أنّ الأصوات تُحصى حسب المشاركة، وليس حسب القسائم الموزعة، وقد كشفت كثير من تعليقات فيسبوك هذا الاتجاه، فقد علّق محمد صادق بالقول "لن نشارك في هذه المهزلة في ظل قانون انتخابات ظالم ومفوضية تتقاسمها الأحزاب الحاكمة".
الفشل الإداري والسقطات في تطبيقات السلطة التنفيذية للتجربة الديمقراطية في العراق تدفع بآلاف الشباب إلى تخيل حلٍ في حكومة قوية، يصفها البعض بحكومة "اللباس الكاكي والجزمة العسكرية" في إشارة إلى نظام صدام حسين والأنظمة الشمولية الشبيهة به. وهو ما اعتبره الصحفي باسم الشرع جهلاً من شريحة لم تعرف حقيقة النظام الشمولي، معترضاً بشدة على قرارات البعض بمقاطعة الانتخابات، وعلى رؤية الشباب أبناء عصر العولمة بأنّ "الانقلاب العسكري أو التدخل الدولي" هو الحل للأزمات.
وأشار الشرع إلى أن هؤلاء "ينسون أنّ التدخل الدولي والانقلابات العسكرية، ليست حلولاً وهي تدمر الأخضر واليابس، ما أراه هنا أنّ هذه الانتخابات الحالية تختلف عن سابقاتها في أنّ الاحتقان الطائفي في أدنى نسبه منذ 2003، كما أنّ هناك نهجاً سياسياً عقلانياً جديداً بدأ يظهر " في إشارة إلى وضع العراق بعد دحر تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو ما يراه بشارة بانتخابات تخرج عن نمط انتخابات السنوات السابقة.
بعض العراقيين يرون أنّ انتقال العراق من الملكية إلى الجمهورية في انقلاب عسكري عام 1958 كان فاتحة مشكلات هذا البلد، وهكذا علّق حامد الطائي على فيسبوك بالقول: "أحزاب متشددة منذ الخمسينات إن كانوا في الحكم أو خارجه. مصيبتنا بالأفكار الشمولية منذ انتهاء العهد الملكي وإلى الآن".
فيديو قد يعجبك: