ماذا يعني انسحاب قطر من منظمة "أوبك"؟
كتبت- رنا أسامة:
أعلنت قطر انسحابها من عضوية منظمة الدول المُصدّرة للبترول "أوبك" اعتبارًا من الأول من يناير المُقبل، في خطوة مُفاجئة عدّها مُراقبون "مثيرة للاهتمام سياسيًا"، لاسيّما وأنها تأتي قبل أيام قليلة من اجتماع حاسِم بين المنظمة وحلفائها لاتخاذ بعض القرارات التي من شأنها المساهمة في استقرار أسعار النفط عالميًا.
وقال وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة، سعد بن شريده الكعبي، الاثنين، إن "هذا القرار يعكس رغبة دولة قطر بتركيز جهودها على تنمية وتطوير صناعة الغاز الطبيعي، وعلى تنفيذ الخطط التي تم إعلانها مؤخرًا لزيادة إنتاج الدولة من الغاز الطبيعي المُسال من 77 إلى 110 مليون طن سنويًا".
وأضاف الكعبي خلال مؤتمر صحفي من الدوحة: "عكفت دولة قطر خلال السنوات الماضية على وضع ملامح استراتيجية مستقبلية ترتكز على النمو والتوسع في قطر وخارج قطر".
"خبر مُفاجئ"
وصف بيتر كيرنان، كبير محللي الطاقة في وحدة المعلومات الاقتصادية بشبكة "سي إن بي سي" الأمريكية، قرار انسحاب قطر من "أوبك" بالمُفاجئ، لكنه استبعد أن يؤثر بصورة كبيرة على سوق النفط.
وقال كيرنان للشبكة الأمريكية عبر البريد الالكتروني، الاثنين، إن "الدولة الخليجية واحدة من أصغر الدول المُنتجة للنفط داخل المنظمة، حيث يبلغ إنتاجها النفطي حوالي 600 ألف برميل يوميًا، وهو أصغر بكثير من جيرانها في المِنطقة".
وبينما تُعد قطر واحدة من أصغر الدول المُنتجة للنفط بين دول "أوبك"، لاسيّما إذا ما قورِنت بالمملكة العربية السعودية، فإنها واحدة من أكبر الدول المُنتجة للغاز الطبيعي المُسال عالميًا، وتوجد ضمن قائمة أكبر مُصدّري النفط الخام في العالم.
ويُشكّل الغار الطبيعي المُسال إلى جانب النفط الخام، المصدر الأساسي للثروة في قطر، الإمارة الخليجية التي تتمتع بأعلى دخل للفرد في العالم.
واتفقت معه المحللة الاقتصادية بشبكة "سي إن إن" الأمريكية، آنا، التي قالت إن "قطر، الدولة الخليجية الغنية بالغاز، ليست لاعبا مهمًا في أوبك، لكن إعلانها هذا يأتي في وقت تواجه فيه المنظمة ضغطًا لزيادة إنتاجها".
وتابعت آنا "رغم أن انسحاب قطر من أوبك، وهي عضو منذ عام 1961، خبر كبير سياسيًا، إلا أنها ليست لاعبًا كبيرًا في قطاع النفط".
تهدف أوبك، التي تتخذ فيينا مقرًا لها منذ 1965، إلى "تنسيق وتوحيد السياسات النفطية بين الدول الأعضاء لضمان أسعار منصفة ومستقرة لمنتجي النفط وإمدادا موثوقا ومنتظما وبأسعار معقولة للبلدان المُستهلكة".
وتُعد قطر، بهذا الإعلان، أول دولة شرق أوسطية تغادر "أوبك" منذ تأسيسها في 1960، حسبما ذكرت شبكة "سي بي إس" الأمريكية.
ويأتي القرار بعد أن راجعت قطر طرقًا عدة يُمكن من خلالها تحسين مكانتها العالمية والتخطيط لاستراتيجيتها طويلة الأمد.
"خطوة رمزية"
يقول أمريتا شين، كبير المحللين في مؤسسة "إنيرجي أسبكتس للاستشارات" لوكالة بلومبرج العالمية إن "انسحاب قطر من أوبك لا يزيد عن كونه خطوة رمزية بالنسبة لقطر، حيث أن إنتاجها من النفط ثابت دون أي آفاق لزيادته".
تحتل قطر المركز 11 بين دول أوبك حيث تمثل أقل من 2 بالمائة من إجمالي إنتاج المنظمة.
وتقول بلومبرج إن مغادرة قطر قد لا يكون له أثر ملحوظ على المناقشات التي سُتجرى الخميس المقبل بشأن خفض إنتاج أوبك من النفط وحلفائها.
لكن اعتبرت الوكالة أن الخطوة "مثيرة للقلق لمجموعة تفخر بنفسها بأنها تضع المصالح الاقتصادية المشتركة فوق السياسة الخارجية، مثل الحرب الإيرانية العراقية أو غزو صدام حسين للكويت"، بحسب قولها.
"عُزلة قطرية"
وعزت السي إن إن سبب الانسحاب القطري من "أوبك" بعد نحو 60 عامًا من عضويتها، إلى شعور الدوحة المتزايد بالُعزلة مع استمرار المقاطعة العربية المفروضة عليها من دول السعودية ومصر والإمارات والبحرين منذ 5 يونيو 2017.
الأمر الذي يحمل في طيّاته القرار أهمية سياسية ورمزية أكبر من كونه يحمل أهمية اقتصادية.
وقطعت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب علاقاتها الدبلوماسية وروابطها التجارية على قطر منذ عامين، مُتهمة إياها بدعم وتمويل الإرهاب والتدخل في شؤونها الداخلية والتقارب مع إيران- الخِصم الإقليمي اللدود للسعودية. الأمر الذي تنفيه الدوحة وتتهم الرُباعي العربي بفرض حصار ينتهك سيادتها.
وقال أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في تصريحات سابقة "سيادتنا خط أحمر. لا نقبل أي شخص يتدخل في سيادتنا".
اجتماع ديسمبر
ومن المُقرر أن يجتمع دول أعضاء في "أوبك" مع دول حلفاء من خارجها، بينهم روسيا، في فيينا بالنمسا، يوميّ 6 و7 ديسمبر الجاري، بهدف الوصول إلى اتفاق مُحتمل حول خفض إنتاج المنظمة من النفط، لكبح فائض الإنتاج الذي دفع أسعار النفط للهبوط بمقدار الثلث منذ أكتوبر الماضي.
وتراجعت أسعار النفط بأكثر من 25 في المائة منذ صعودها إلى أعلى مستوى في أربع سنوات في أوائل أكتوبر الماضي، وسط تصاعد المخاوف من زيادة المعروض والمخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي، بحسب "سي بي إس" الأمريكية.
وبينما تسعى جميع الدول لتحقيق التوازن في الأسواق بين مستويات العرض والطلب، فإن السعودية بحاجة إلى وصول الأسعار إلى 70 دولارًا للبرميل لحماية الموازنة العامة للدولة. وتتعرض الدول الأصغر حجمًا في إنتاج النفط لاضطرابات قوية مع انخفاض الأسعار حيث تمثل نسبة صادرات النفط لنيجيريا وأنجولا أكثر من 80 بالمائة.
ومع ذلك، فإن التوقعات المتزايدة بخفض إنتاج النفط في وقت لاحق من هذا الأسبوع، إضافة إلى الهُدنة التجارية المؤقتة بين الولايات المتحدة والصين، ساعدت العقود الآجلة للنفط الخام في تعويض بعض خسائرها الأخيرة، الاثنين.
والعقود الآجلة هي عقود بمقتضاها يلتزم المشتري بشراء أصل معين في المستقبل مقابل التزام البائع ببيع نفس الأصل على أن تكون الأسعار محددة سلفًا.
والشهر الماضي، شكر الرئيس الأمريكي دونالد للسعودية، أكبر منتج في "أوبك"، لمساهمتها في خفض أسعار النفط، داعيا إلى مزيد من الانخفاض في الأسعار.
وغرّد ترامب عبر تويتر: "أسعار النفط تنخفض، عظيم! مثل تراجع كبير في الضرائب بأمريكا والعالم، استمتعوا بسعر 54 دولارا للبرميل بعدما كان 82 دولارا. شكرا للسعودية، لكن دعونا نخفضها أكثر".
ما هي "أوبك"؟
هي منظمة تضم بعض البلدان المُصدرة للنفط في العالم ويبلغ عدد أعضائها 15 عضوًا بما فيهم قطر، بحسب الموقع الالكتروني الرسمي للمنظمة.
تأسست المنظمة في عام 1960 بالعاصمة العراقية بغداد، من خلال 5 دول هي "العراق وإيران والكويت والسعودية وفنزويلا".
ارتفع عدد أعضائها فيما بعد بانضمام قطر ثم إندونيسيا وليبيا والإمارات العربية المتحدة والجزائر ونيجيريا والجابون والإكوادور وأنجولا وغينيا الاستوائية والكونغو.
وفي 1992 قررت الإكوادور الانسحاب ثم عادت وانضمت للمنظمة في عام 2007، كما انسحبت إندونيسيا في عام 2009 ثم عادت للمنظمة في يناير 2016 قبل تعلق عضويتها مرة أخرى في نوفمبر من نفس العام.
وانسحبت الجابون في عام 1995 وعادت وانضمت مرة أخرى في عام 2016.
وتتحكم منظمة أوبك في إنتاج دولها من النفط اليومي، وهو ما يعني أنها تتحكم في أسعار النفط العالمية، كونها تضم أعضاءً يمثلون أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم.
وفي نوفمبر الماضي، أظهر مسح لوكالة رويترز أن دول المنظمة ضخوا 33.11 مليون برميل يوميًا خلال هذا الشهر.
وبحسب إحصائيات للمنظمة نهاية العام الماضي فإن نحو 81.89 بالمائة من احتياطات العالم من النفط موجودة في دول منظمة أوبك، وتستحوذ دول المنظمة في الشرق الأوسط على 65.36 بالمائة من هذه الاحتياطات.
وتمكنت أوبك في العامين الأخيرين من التوافق مع الدول النفطية الكبرى من خارجها مثل روسيا على تنسيق سياسات الإنتاج بهدف السيطرة على الفائض من المعروض النفطي في الأسواق ووقف تراجع الأسعار.
وفي أواخر 2016 اتفقت هذه الدول على خفض الإنتاج بمقدار1.8 مليون برميل يوميا لتقليل الفائض الذي كان قد دفع بأسعار النفط إلى التراجع بشدة لتصل إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل في 2016.
وخلال عام 2017 و2018 اتخذت الأسعار اتجاهًا صعوديًا حتى كسرت حاجز 80 دولارًا للبرميل، قبل أن تعود إلى التراجع خلال الشهر الماضي لتفقد الأسعار نحو 22 بالمائة من قيمتها خلال شهر.
ومع تحكم المنظمة في إنتاج النفط اليومي وتأثيره على الأسعار، يدور صراع حاليًا بينها وبين الرئيس الأمريكي، والذي يتهم المنظمة بأنها السبب في ارتفاع أسعار النفط عالميًا وأنها تتسبب في زيادة غير حقيقية في سعر النفط.
فيديو قد يعجبك: