حصاد 2018: روسيا والغرب.. عام من الأزمات
كتب – هشام عبدالخالق ومحمد الصباغ:
بفضل غاز الأعصاب وأشياء أخرى، بدأت توترات لم تنته بعد بين روسيا والدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة. اتهم المعسكر الغربي موسكو بمحاولة قتل جاسوس سابق على الأراضي البريطانية باستخدام غاز الأعصاب المحرم دوليا.
تطورت الأمور ووصلت إلى حد طرد عشرات الدبلوماسيين بين روسيا والدول الغربية وأغلقت قنصليات في عدد من المدن. ولم يشأ العام أن ينتهي إلا بصعود قضية أوكرانيا وأزمتها بين روسيا والغرب على الساحة، بعد توترات في البحر الأسود تسببت في إلغاء لقاء مرتقب بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي في الأرجنتين.
وربما لا تتوقف الأمور بين الجانبين مع تهديدات أمريكية بالانسحاب من اتفاق يمنع ولو بشكل علني سباق التسلح النووي بين المعسكرين الشرقي والغربي.
"سكريبال"
في مارس الماضي، فوجئ العالم بالعثور على سيرجي سكريبال وابنته يوليا على مقعد في مدينة سالزبري بجنوب إنجلترا، بعد إصابتهما بغاز الأعصاب نوفيتشوك.
كان سكريبال عقيدًا روسيًا وعميلًا لبريطانيا التي منحته حق اللجوء بعد اتفاق تبادل جواسيس بين واشنطن وموسكو. اتهمت بريطانيا روسيا بالوقوف وراء تسميمه، وكان لهذا الاتهام عدة أسباب منها كونها المستفيدة الوحيدة من مقتله، وكذلك المادة التي استخدمت في الهجوم تُصنع بشكل حصري في روسيا.
رفضت موسكو الاتهامات على الفور، وقالت إن النتائج مُسيسة ومنحازة وغير شفافة، بل واتهمت المخابرات البريطانية بتنفيذ الهجوم.
تطورت الأمور بشكل سريع بين روسيا والدول الغربية، لتبدأ أزمة دبلوماسية تقودها بقيادة بريطانيا؛ إذ تبادل الطرفان طرد مئات الدبلوماسيين.
بلغ إجمالي عدد الدبلوماسيين المطرودين 126 دبلوماسيًا يوم 26 مارس، فيما عُرف بـ "اليوم العالمي لطرد الدبلوماسيين الروس".
طردت بريطانيا 23 روسيًا تزعم أنهم عملوا جواسيس تحت غطاء دبلوماسي، وتبعتها في نفس النهج الولايات المتحدة الأمريكية وطردت 60 روسيًا، قالت واشنطن إن من بينهم 12 من ضباط المخابرات من البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وأغلقت القنصلية الروسية في سياتل، وردت موسكو بطرد 60 دبلوماسيًا أمريكيا وإغلاق القنصلية الأمريكية في سان بطرسبورج.
وفي أغسطس، أعلنت واشنطن فرض عقوبات جديدة على موسكو، مرتبطة بعملية تسميم سكريبال بغاز الأعصاب، في حين وصفت السفارة الروسية في الولايات المتحدة العقوبات بأنها "قاسية ومنافية للمنطق".
واتهمت بريطانيا في سبتمبر روسيين اثنين بتدبير محاولة اغتيال سكريبال، وأنهما يقفان وراء الهجوم بغاز الأعصاب، وهما ألكسندر بتروف ورسلان بوشيروف.
بحلول نوفمبر، نشرت الشرطة البريطانية مقطع فيديو للشخصين المتهمين، وهما يتجولان في شوارع سالزبوري البريطانية، بالإضافة إلى صورتين لعلبة عطر مزيفة تزعم لندن أنها احتوت على المادة السامة.
وردت روسيا على هذا المقطع قائلة إن نشر تلك المواد المرئية ليس إلا محاولة يائسة من لندن لصرف الأنظار عن مشاكلها الداخلية، وأنها وسيلة بدائية تلجأ إليها حكومة لندن للتشويش على أجندة بريكست ومناقشة استقالة رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي.
مخاوف من سباق تسلح
هددت الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاقية الأسلحة النووية متوسطة المدى مع روسيا، والتي تسعى إلى حماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين ورسم اتفاق بين دولتين وسط السباق للتسليح أثناء الحرب الباردة.
تم توقيع الاتفاقية بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة في الثامن من ديسمبر 1987 بالعاصمة الأمريكية واشنطن، لكن الرئيس دونالد ترامب أعلن في أكتوبر الماضي أن بلاده سوف تنسحب منها بزعم أن روسيا تنتهك بنودها.
وقال ترامب إن "روسيا قد انتهكت الاتفاق وقاموا بانتهاكه لسنوات عديدة... نحن لن نسمح لهم بمعارضة الاتفاق النووي والخروج وتصنيع الأسلحة بينما نحن لا يسمح لنا هذا".
وليس بالضرورة أن يؤدي انسحاب واشنطن من الاتفاق إلى اندلاع حرب نووية بين الشرق والغرب، لكن قرار ترامب أثار المخاوف بشأن تسارع سباق التسلح النووي.
اعتبرت روسيا أنّ الولايات المتحدة تحلم بأن تكون هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم بقرارها الانسحاب من اتفاق الأسلحة النووية، ونقلت وسائل إعلامية روسية عن مسئول بالخارجية الروسية قولها إنّ "الدافع الرئيسي هو الحلم بعالم أحادي القطب. هل سيتحقّق ذلك؟ كلاّ".
"أوكرانيا واحتجاز السفن الحربية"
احتجزت السلطات الروسية في نوفمبر، ثلاث سفن حربية أوكرانية مع أكثر من 20 فردا من طواقمها، في مضيق كيرتش الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف.
رد الفعل الأوكراني جاء بشكل سريع بعد عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي والدفاع، حيث خرج الرئيس بيترو بوروشينكو ليعلن أنه أيد قرار المجلس بإعلان "حالة الحرب"، والعمل وفق قانون "الأحكام العرفية"، وطلب من دول حلف شمال الأطلنطي -وخصوصا ألمانيا- نشر سفن في المنطقة.
لم تكتفِ أوكرانيا بذلك، بل أنهى البرلمان في كييف معاهدة صداقة وتعاون مع روسيا عمرها نحو عشرين عامًا، كما أعلن الرئيس عن استدعاء قوات الاحتياط بشكل جزئى.
رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتهام نظيره الأوكراني بافتعال مواجهة بحرية مع روسيا في البحر الأسود بهدف زيادة شعبيته قبل انتخابات مقررة العام المقبل.
وأكّد بوتين أيضًا -خلال قمة العشرين في بوينس آيرس- أن "الحرب ستستمر" ما دامت السلطات الأوكرانية الحالية "باقية في الحكم".
الغرب اختار الجانب الأوكراني في الأزمة، وعبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن قلقه من تطور الأحداث وألغى اجتماعا كان مقررا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة العشرين بالأرجنتين مطلع ديسمبر.
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أعلنت أن بلادها ستعمل على فرض "عقوبات مناسبة" على روسيا، وطالبت موسكو بالإفراج عن السفن والبحارة الأوكرانيين، فيما طالب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج روسيا بإنهاء مواجهتها البحرية مع أوكرانيا، لكنه رفض التعهد بأي دعم إضافي لكييف.
الاتحاد الأوروبي لم يكتفِ بمجرد التنديد أو الإعلان عن فرض عقوبات، بل أعلن رئيس الاتحاد دونالد توسك موافقة الزعماء الأوروبيين بالإجماع على تمديد العقوبات المفروضة على روسيا لستة أشهر أخرى.
"الجاسوسة بوتينا"
يتشابه اسمها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن السلطات الروسية نفت أن تكون لها أي صلة قرابة مع الزعيم الروسي. ومن بين الأزمات الأخرى بين روسيا والغرب، وبالتحديد هنا الولايات المتحدة، كان القبض على المواطنة ماريا بوتينا.
ألقت السلطات الأمريكية القبض على بوتينا بتهمة التجسس لصالح موسكو، وتم القبض عليها في يوم انعقاد أول قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب.
واعتبر رئيس لجنة الشئون الدولية بمجلس الشيوخ الروسي، قسطنطين كوساتشوف، أن هناك سياسة عداء في الولايات المتحدة تحاول مواجهة أي محاولة من الإدارة الأمريكية لتحسين العلاقات بين موسكو وواشنطن.
وأعلنت وزارة العدل الأمريكية في يوليو الماضي أن اعتقال بوتينا كان بسبب أنها تعمل لصالح روسيا كعميل أجنبي. وقالت الوزارة إن الأخيرة عملت على تجنيد مواطنين أمريكيين وحصلت على إمكانية الوصول إلى منظمات تؤثر على السياسات الأمريكية بهدف إفادة المصالح الروسية.
كما ذكر البيان أنها كانت تعمل لصالح مسؤول رفيع في الحكومة الروسية مدرج على قائمة العقوبات الأمريكية ضد روسيا منذ أبريل 2018.
واعتبرت الخارجية الروسية أن الاتهامات الموجهة إلى بوتينا (30 عامًا) لا أساس لها وتستهدف إفساد، وقالت إنه لا دليل على أن هؤلاء الأشخاص يرتبطون بالمخابرات العسكرية الروسية أو أنهم اخترقوا فعلا شبكات كمبيوتر تابعة للحزب الديمقراطي الأمريكي.
ووسط هجوم من الرئاسة الروسية على لسان متحدثها ديمتري بيسكوف، أقرت بوتينا بسعيها منذ 2015 إلى فتح قنوات اتصال مع أمريكيين من أصحاب النفوذ من أجل مصالح السلطات الروسية، آملة في الحصول على تخفيف للحكم.
واعتبر بيسكوف أن السلطات الأمريكية تهدف إلى "كسر إرادتها (بوتينا) وإجبارها على الاعتراف بأمور لم تقم بها على الأرجح". وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف إن الشابة الروسية "معتقلة في ظروف هي الأقسى (...) يتم اعتمادها عادة مع مجرمين خطيرين".
فيديو قد يعجبك: