هآرتس: الأسد ساند داعش.. وسيواجه أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية
كتب - هشام عبدالخالق:
بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وتمزيق البلاد بين الروس والأمريكان والأتراك، ومحاولة قادة العالم تجنب حمام الدماء في آخر معاقل المعارضة، لا يوجد شيء مؤكد سوى أن الرئيس بشار الأسد فاز بالحرب، حسبما تقول صحيفة "هآرتس" في تحليل جديد لكاتبها الأمريكي أليكسندر جريفينج.
ويقول الكاتب في بداية تحليله: "أوضح الخبراء، أنه حتى يؤمن فوزه، احتضن الأسد التطرف الذي أدى إلى قيام تنظيم داعش وانتشار المزيد من التنظيمات الجهادية في سوريا، وهو ما يتوعد بتدميره في إدلب آخر معاقل المعارضة في البلاد، وموطن ملايين المدنيين واللاجئين".
السفير روبرت فورد، الذي كان آخر السفراء الأمريكيين إلى سوريا، قال لـ "هآرتس": "سيبقى الأسد في منصبه لأطول فترة ممكنة، والأهم من ذلك أنه لن تكون هناك أي محاكمة له ولأعوانه، ولن يتم محاسبته عن استخدام الأسلحة الكيميائية أو غيرها من جرائم الحرب، كما أن شركائه في الحرب الذين ساعدوه (إيران وروسيا) في هزيمة أعدائه لن يكونا قادرين على إعادة تعمير الدولة التي دمرتها الحرب".
ويضيف السفير السابق الذي يعمل محاضرًا في جامعة ييل: "تفتقر الحكومة السورية إلى الموارد المالية، ولا تستطيع روسيا أو إيران تقديم أكثر مما تقدمانه بالفعل".
كان سقوط الأسد، بحسب الصحيفة، شيء موثوق منه منذ ما يقرب من ثماني سنوات، عندما بدأت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، وخاصة بعد سقوط قادة هؤلاء الدول ومقتل القذافي على أيدي أبناء شعبه، بل واستطاع الأسد أن يمر بفترتي حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وأيضًا ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني السابق الذي تعهد بإيقاف حمام الدماء التي يسفكها الأسد في سوريا، ورسم خطوطًا حمراء لتحذير الأسد ضد استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.
وجاءت استقالة فورد في فبراير 2014 احتجاجًا على سياسات أوباما الضعيفة ضد الأسد، وكان التقى بشكل منتظم مع المتمردين، وكتب في صحيفة نيويورك تايمز في يونيو 2014، أنه "في الوقت الذي لم يكن فيه هؤلاء الرجال ملائكة إلا أنهم عَرفوا أنهم في النهاية سيضطرون إلى محاربة القاعدة ومقاتليها الأجانب"، وانتهى الأمر بإقناع الأسد للدول الغربية بأنه خيار أفضل من المتمردين للمساعدة في محاربة تنظيم داعش والجهاديين.
إطلاق سراح السجناء الجهاديين
ويقول الخبير بشؤون الشرق الأوسط كريستوفر فيليبس لصحيفة "هآرتس": "أثار الأسد الفوضى والإرهاب لتشويه سمعة المعارضة وضمان عدم تدخل الغرب ضده".
وتابعت الصحيفة بالقول، أن الأسد أطلق سراح آلاف الجهاديين من السجون بعد بداية الثورة ضده في 2011، ويضيف محمد آل سعود، معارض سوري مع الائتلاف الوطني للثورة السورية وقوى المعارضة، لمجلة "نيوزويك" في 2014، أن أغلب قيادات داعش الحاليين كان الأسد من أطلق سراحهم من السجون في 2011، ولم يعترف النظام السوري بهذا أبدًا أو يفسر سبب إطلاقه سراح السجناء الجهاديين".
وتقول الصحيفة، إن زعيمي أحد أكبر التنظيمات الإسلامية في سوريا، وهما حسن عبود الذي ينتمي لأحرار الشام، وزهران علوش الذي ينتمي لجيش الإسلام، كانا في سجون الأسد في بدايات 2011، ويقول فيليبس في مقال له
وبالإضافة إلى ذلك، وبحسب الصحيفة، ففي الوقت الذي بدأ تنظيم داعش في الانتشار من سوريا إلى العراق، سمح له الأسد بالتوسع، وكتب فيليبس في صحيفة "ذي أتلانتك" في أغسطس: إن "تفكير الأسد كان براجماتياً إلى حد كبير (أي عمليًا)، حيث كان تنظيم داعش في الشرق في الوقت الذي كان يهدد فيه المتمردون الآخرون المناطق الغربية، وكان في الوقت نفسه تفكيرًا استراتيجيًا".
ونقلت الصحيفة قول أحد الأعضاء السابقين في مديرية الاستخبارات العسكرية السورية، والتي تُعد واحدة من أكثر من اثني عشر وكالة استخباراتية سرية في سوريا، إن "نظام الأسد لم يفتح أبواب السجون أمام هؤلاء المتطرفين فقط، بل ساعدهم في عملهم بإنشاء ألوية مسلحة".
وكتب فيليب في "ذي أتلانتك": "اخترع الأسد رواية وأضفى عليها صفة الشرعية، والتي صوّرت المعارضين على أنهم إسلاميون عنيفون وطائفيون، على أمل أن يضطر العالم للاختيار ما بين نظامه أو الجهاديين فقط".
ويقول فيليب لـ "هآرتس": "من الصعب معرفة مدى نجاح تلك الاستراتيجية، من المؤكد أن غالبية السوريين الذين لم يفروا أو حملوا السلاح كانوا يدعمون الأسد، ولكن هل كان هذا بسبب عدم ثقتهم في المعارضة أم بسبب خوفهم من النظام؟ في الغالب كان خليطًا من الاثنين".
الأسد وحزب الله
مع تقدم الحرب الأهلية ووصولها لعدد من المدن، تدخل حزب الله وإيران ومن ثم روسيا عسكريًا لمساعدة الأسد، في الوقت الذي قاتلت فيه الولايات المتحدة وتركيا والأكراد لإقامة قواعد عسكرية لمحاربة تنظيم داعش، ويقول فيليبس: "كان حزب الله عنصرًا أساسيًا في بقاء الأسد في منصبه حتى الآن".
وتضيف "هآرتس"، أن مقاتلي حزب الله كانوا أوائل المقاتلين الأجانب الذين يدخلون البلاد مناصرين للأسد في 2012، وقادوا الطريق بالنيابة عنه في معارك مثل "القصير"، وقاموا بإعادة ترتيب الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية الموالية للأسد، ويقول فيليبس: "ربما كان قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في قوات الحرس الثوري الإيراني) هو العقل المفكر للتدخل الإيراني في سوريا، ولكن قوات حزب الله هم من ائتمنهم الأسد ووثق بهم".
وتقول الصحيفة: "لطالما اعتبرت إيران وجودها في سوريا عاملًا أساسيًا في رغبتها في إنشاء جسر بري يربط بين طهران وبيروت، وهو المصدر الاستراتيجي الذي تأمل من خلاله أن تحبط كلًا من السعودية وإسرائيل، منافسيها الإقليميين".
كان أحد العناصر الهامة في بقاء الأسد في منصبه، هو قوة الحكومة السورية قبل الحرب، فبشّار، كما وصفه فيليب، ورث نظامًا مضادًا للانقلابات العسكرية من والده حافظ الأسد.
روبرت فورد، السفير السابق، قال إن "النظام الذي بناه حافظ الأسد لا يزال تأثيره ممتدًا حتى يومنا هذا، وهو ما يُصعِّب من قدرة أيًا من إيران أو روسيا على التحكم في الدوائر الداخلية في الحكومة السورية، فتلك الدوائر لا تزال وفيّة للأسد، وأغلب المناصب الأمنية العليا تسيطر عليها الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد، وعلى الرغم من أن الجيش السوري فقد أكثر من نصف قواته في السنوات الأربع الأولى من الحرب إلا أن المحيطين بالأسد لا يزالون أوفياء له".
الخطوة التالية لسوريا
وصف فورد سوريا الآن بـ "الدولة الضعيفة والفقيرة وغير المؤثرة في المنطقة"، وذلك بسبب بقاء الأسد في السلطة، وأصبح سفر الأسد خارج البلاد يقتصر على الدول الصديقة، خوفًا من أن يواجه خطر تسليمه إلى المحاكمات الدولية.
ويضيف فورد، أن روسيا، التي تعاني من مشاكل اقتصادية، تعمل من وراء الكواليس لتأمين التمويل لإعادة بناء سوريا، وتحاول أن تظهر للعالم أن الحرب الأهلية السورية انتهت إلى حد كبير، وأن اللاجئين العائدين إلى سوريا سيكونوا مؤشرًا كبيرًا على الانتصار الذي حققته حكومة الأسد".
من ناحية أخرى، أوضحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن واشنطن لن تساعد في تمويل جهود إعادة البناء. وتجعل العقوبات الأمريكية الاستثمار الأجنبي في البلاد صعبًا للغاية.
وتقوم تركيا في الوقت الحالي بتجميع قواتها على حدود إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية والتي تنتظر حربًا قد تُشن في أي وقت، ولكنها تخشى حدوث حالات فرار جماعي نحو حدودها.
ويقول فورد إن "البنية التحتية الأساسية لسوريا لا يمكنها تحمل عودة اللاجئين إلى البلاد"، وحسبما ذكرت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، تتراوح التقديرات الأخيرة المحتملة لإعادة بناء سوريا من 250 مليار إلى 400 مليار دولار.
ويضيف فورد: "تم إعادة بناء أجزاء قليلة من مدن سورية مثل حمص وحلب، على الرغم من انتهاء القتال في تلك المدن منذ سنوات"، ويتساءل: "أين يعيش اللاجئون؟ ما نوعية الوظائف التي يشتغلون بها؟ وهل يوجد لديهم مياه نظيفة وكهرباء وتدفئة لفصل الشتاء القادم؟".
ونتيجة لكل ذلك، حسبما تقول الصحيفة، تمارس روسيا الضغط على ألمانيا وفرنسا وحتى تركيا، للمساهمة في مشروع إعادة بناء سوريا، في الوقت الذي يضغط فيه ترامب على حلفائه حتى لا يدعمون الأسد ماليًا، كما أن الوجود الإيراني في سوريا يضمن بقاء الولايات المتحدة خارجها ومواصلة عزل سوريا اقتصاديًا ودبلوماسيًا.
وأدى فوز الأسد في الحرب، بحسب الصحيفة، إلى أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، وتواجه جهود إعادة الإعمار مشكلة أخرى وهي أن العديد من اللاجئين لا يرغبون في العودة للبلاد التي فروا منها.
وطبقًا لما قاله فورد، فإن أجهزة الأمن السورية تتحقق من معلومات كل لاجئ، وانتشرت في وسائل الإعلام قصص عن اعتقال بعض الأشخاص أو إرسالهم إلى الخدمة العسكرية لدى عودتهم.
واتفق كلًا من الأسد وتركيا وروسيا على عدم دخول إدلب، آخر معاقل المعارضة، وتدمير الجهاديين هناك، وذلك في الوقت الحالي، مما يؤخر آخر المعارك العسكرية في البلاد، والتي يرى كثير من المراقبين أنها حتمية.
وتقول الصحيفة، إن تقريرًا حديثًا للأمم المتحدة قدّر عدد مقاتلي داعش الباقيين في سوريا والعراق بما يقرب من 30 ألف مقاتل، على الرغم من إعلان ترامب الأخير تحقيقه النصر على التنظيم.
وتضيف الصحيفة، في ختام تحليلها: "عندما يهزم الأسد المتمردين الذين سعوا إلى هدم نظامه ويستعيد السيطرة على جميع أراضيه (باستثناء نسبة 28 في المائة التي يسيطر عليها الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة في الشمال الشرقي)، ستواجهه أزمة إنسانية حادة، في نفس الوقت الذي لا يوجد به موارد لإعادة البناء، والجهاديين المدربين جيدًا الذين يقاتلون لإنهاء حكمه".
فيديو قد يعجبك: